لماذا انفجرت بين المستقبل وريفي «المنشق» في هذا التوقيت؟ ابراهيم ناصرالدين
لم يكن الحضور الايراني في بيروت عشية زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى السعودية مجرد «صدفة»، ففي السياسة والدبلوماسية تحسن طهران جيدا بعث «الرسائل» دون الحاجة الى الكلام والفعل المباشر، «الرسالة» وصلت والجميع فهمها والحديث بات اليوم عما بعد الزيارة الرئاسية الى الرياض، ولم تعد هي الحدث بذاتها بعد ان افرغت من اي مضمون استراتيجي..لكن «صدفة» انفجار الازمة المكبوتة بين تيار المستقبل واللواء اشرف ريفي، وزيارة علاء الدين بروجردي الى بيروت، طرحتا اكثر من علامة استفهام لم تكن تخطر على بال أحد، لولا الاتهامات «الجدية» التي تلاحق «التيار الازرق» وتتهمه بمحاولة تقديم «اوراق اعتماد» للمحور الايراني- السوري وحزب الله… فهل اتهامات المنشقين عن تيار المستقبل لها ما يدعمها من ادلة ام مجرد كلام في السياسة ورد فعل على محاولات «تصفيتهم» سياسيا؟
اوساط سياسية «طرابلسية» مطلعة على هذا الملف تستبعد في المبدأ وجود رابط بين زيارة المسؤول الايراني وخطوة «تقليم اظافر» اللواء اشرف ريفي من خلال توقيف مرافقه، لكن توقيت «فتح المعركة» مع اللواء «المنشق» له اسبابه لدى تيار المستقبل، حيث يدرك المعنيون ان وزير العدل السابق يعمل جاهدا على الارض لتأليب الشارع الطرابلسي والشمالي على «التيار الازرق»، ويسعى جديا لنسج تحالفات سياسية مع «زعماء» طرابلس لضرب «الحالة الحريرية»، ويحاول الاستفادة من نقمة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزير فيصل كرامي لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية والشعبية لتطويق «الحالة الزرقاء» وتنفيس الاندفاعة السياسية للرئيس سعد الحريري بعد دخوله مجددا الى «نعيم» القصر الحكومي.
هذه المعركة السياسية التي يجد تيار المستقبل انه لا بد من خوضها سريعا لاحتوائها قبل ان تتسع ، لا تنحصر فقط في بعدها المحلي، بل لها ابعاد اقليمية تثير قلق الرئيس الحريري شخصيا، خصوصا ان اللواء ريفي بدأ منذ ما بعد نجاح التسوية الرئاسية في تكوين ملف متكامل «بالادلة والاثباتات البينة»، عّما يسميه خطوات من قبل تيار المستقبل «لاسترضاء» المحور الايراني- السوري طمعا بمكاسب اقتصادية وسياسية… وفي هذا السياق فإن حملة وزير العدل «المتمرد» على وزير الداخلية نهاد المشنوق، وما قاله علنا خلال الساعات القليلة الماضية من اتهامات يشكل جزءا من ملف – كان قد تم تسليمه الى الاستخبارات السعودية والاماراتية – يتضمن اتهامات صريحة لوزير الداخلية برفع التنسيق الامني مع جهاز امن المقاومة، وفيه ايضا اتهامات للوزير المشنوق بالمسؤولية عن التأثير المباشر في الخيارات السياسية للرئيس الحريري، في ظل معلومات يتحدث عنها ريفي عن وجود نيات جدية لدى وزير الداخلية، بدأت تترجم عمليا، لتفعيل قنوات التواصل مع الاجهزة الامنية السورية تحت عنوان التعاون لمكافحة الارهاب، وذلك في اطار الترويج لنظرية سياسية وامنية عنوانها «الواقعية» في الخيارات بعد انهيار منظومة الدعم الاقليمية والدولية الداعمة للثورة السورية وقوى 14 آذار…
وعلى خط مواز تتحدث تلك المعلومات عن دور كبير للازمة الاقتصادية الخانقة في المملكة العربية السعودية بما يغري بعض فريق 14 اذار بالحصول على مكاسب اقتصادية عبر الاستثمارات في ايران، الامر الذي يشجع على رفع «الفيتو» عن العلاقات اللبنانية – الايرانية، لا سيما ان رئيس لجنة العلاقات الخارجية والامن القومي في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي حمل معه عروضاً ايرانية واعدة لتبادل الاستثمارات بين طهران وبيروت، مقابل انفتاح ايراني واضح على عدم وضع اي «فيتو» اقتصادي على احد، بعد التحولات السياسية اللبنانية الاخيرة والتي انتجت التسوية.
اوساط بارزة في 8 آذار، ترى ان ثمة مبالغات لدى فريق ريفي في توظيف هذه التطورات، لكن هذا لا يلغي وجود «استدارة» جدية داخل تيار المستقبل تجاه القضايا المحلية والاقليمية، والا لما كانت حصلت التسوية السياسية الاخيرة في البلاد، وهذا الامر تعزز بما يمكن تسميته «صدمة ما بعد حلب»، وقد شاهد تيار المستقبل كيف تركت المعارضة وحيدة في الشهباء، ولم يقدم لهم الحلفاء اي دعم جدي للحفاظ على المدينة… الامور تتغير بسرعة موسكو تزيد ارباحها يوما بعد يوم حيث لم يقتل من جنودها سوى 23 جنديا وقد ثبت خطأ رهان الولايات المتحدة على مستنقع سوري للروس، وحقق بوتين ما يريده، وهو بانتظار أن يحصد ثمار جهوده في الولايات المتحدة بعد تسلم دونالد ترامب للسلطة. في هذا الوقت تنشغل تركيا بالحفاظ على أمنها وحدودها وهي قلقة من العمليات الإرهابية شبه اليومية التي ينفذها تنظيم «داعش» في شوارع مدنها، موقف العداء للولايات المتحدة في تركيا سمح بالتقارب مع روسيا. ومن الاشارات الدالة واللافتة ايضا ان الملك سلمان بن عبدالعزيز لم يتطرق الى الازمة السورية في خطابه الاخير لمجلس الشورى، وهذا يؤشر الى تراجع قدرة السعودية على التاثير هناك، فلدى المملكة ما يكفيها من حروب داخلية وخارجية وبالتالي قد لا يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى بذل الكثير من الجهد لإقناع الرياض والدوحة للقبول على «مضض» بالتسوية الروسية – الايرانية – التركية للازمة السورية…
هذه المعطيات، لا تعطي تيار المستقبل وقوى 14 آذار اي هامش جدي للمناورة، خصوصا ان داعميهم الاقليميين والدوليين لا يطالبونهم بشيء لدعم «الثورة» السورية بعد ان تغير المشهد وباتوا هامشيين في الصراع، وترجم ذلك في الموقف من الرئيس السوري الذي قد يجد الرئيس الحريري نفسه مضطرا الى التعاون معه مجددا اذا ما اراد البقاء رئيسا للحكومة، ففي الوقت الذي توقفت فيه الولايات المتحدة عن المطالبة برحيل الرئيس الاسد، وأعرب بعض الحلفاء في أوروبا عن قبولهم به كأمر واقع، والوفود البرلمانية الفرنسية الى سوريا تحضر المناخات الجديدة للحكم الجديد القادم في ايار المقبل، تعيش تركيا تحديات أمنية وسياسية واقتصادية، وتحت عنوان «الواقعية» ايضا جمدت موقفها من رحيله، فهل المطلوب ان يكون «التيار الازرق» ملكيا اكثر من الملك»؟او يمضي في استراتيجية «الانتحار» التي يتبناها ريفي؟ لا يبدو الامر كذلك. وهو امر يدركه جيدا ريفي الذي يحاول ايصال صوته الى من يعنيهم الامر في الخارج عله ينال حصانة تمنع «تصفيته» سياسيا. لانه يدرك ان ما حصل هو «اول الغيث»، «والتيار الازرق» في سباق مع الوقت، «يجس النبض» السعودي مستغلا انشغال المملكة بملفات اكثر اهمية، عله يمنع فرض ريفي كأمر واقع «وشريك» «مضارب» في الساحة السنية. ويبقى النجاح رهن برد فعل القيادة السعودية؟!
(الديار)