مقالات مختارة

أوباما فعل في المنطقة ما هو جيد لبلاده: تسفي برئيل

 

«جئت إلى هنا من أجل فتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في أرجاء العالم، تعتمد على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وعلى حقيقة أن الولايات المتحدة والإسلام ليسا متناقضين»، هذا ما قاله براك أوباما في خطاب القاهرة في العام 2009، بعد نصف سنة على أدائه يمين القسم للرئاسة لأول ولاية له. وبعد ثماني سنوات يبدو أنه لم يبق الكثير من هذا التصريح، ويبدو أن اوباما ما زال مقتنعاً بما قاله.

ولكن في كثير من الدول العربية خلف اوباما خيبة أمل وتساؤلات. وفي إسرائيل هو يعتبر كارهاً لها، بل «مسلماً» بطبيعته ولا يريد مصلحتها. إن أمريكا أوباما تبدو قوة عظمى ضعيفة مقطوعة عن الواقع، خلفت الدمار والحروب ومئات آلاف القتلى وملايين اللاجئين والصراعات التي لا يوجد حل لها. وتحولت روسيا إلى القوة العظمى التي تسيطر على المنطقة. وازدادت قوة إيران على حساب الدول العربية. وتم وضع الفلسطينيين في الزاوية. وأمريكا التي أرادت «فتح صفحة جديدة» تعتبر الآن دولة كولونيالية.

إن هذه الرواية ليست منصفة لأوباما وسياسته. فقد ورث الرئيس الأمريكي عن سلفه جورج بوش شرق اوسط معادياً ومقسماً ومليئاً بالإرهاب. وهذا قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). صحيح أن العراق كان في نهاية العمليات الإرهابية بالجملة التي ميزت اعوام 2006 ـ 2008، لكن الحكومة العراقية التي وُجدت على أكتاف الادارة الأمريكية في عهد بوش، كانت ممزقة. السياسيون، وخصوصاً رئيس الحكومة نوري المالكي، اهتموا بطائفتهم الشيعية وقاموا بالاعتداء على السنة. والاكراد عززوا حكمهم الذاتي، والقوات الأمريكية التي نجحت إلى درجة كبيرة في القضاء على إرهاب القاعدة لم تسع إلى حل المشكلات والخلافات السياسية.

لقد فهم أوباما، في ظل هذا الوضع، أن الامر الافضل الذي يمكن أن يفعله من أجل بلاده هو التعهد بإخراج القوات الأمريكية وترك العراق ليُديره العراقيون أنفسهم. وبنظرة إلى الوراء يمكن القول إنه لو بقيت القوات الأمريكية في العراق لكانت اضطرت إلى محاربة الدولة الإسلامية على الاراضي العراقية. وكانت ستتحول إلى هدف مباشر، حسب نموذج مواجهة القاعدة في سنوات الاحتلال الاولى للعراق. أو في افغانستان التي قتل فيها 2400 جندي ومواطن أمريكي.

وقد فهم اوباما ايضاً أن «تسويق الديمقراطية»، الذريعة التي استخدمها بوش لتبرير الحرب في العراق بعد أن تبين أنه لا يوجد فيه سلاح دمار شامل، هي ذريعة فارغة. ولا يمكن أن تبرر بقاء قوات كبيرة في العراق. ولم تكن له مشكلة في القول بأن الحرب هي فوضى كبيرة يجب إنهاؤها. هناك من سيقولون إن خروج القوات الأمريكية من العراق في نهاية العام 2011 مهد الطريق لسيطرة «داعش» على اجزاء من الدولة في العام 2014، لكن هذا الادعاء يصعب اثباته.

وتُنسب للانسحاب الأمريكي ايضاً مسألة ازدياد قوة إيران في العراق، بشكل حوله إلى دولة تابعة لها. لا شك أن إيران قد استغلت الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة من اجل بناء موقع اقتصادي وسياسي لها في العراق. هذا ايضاً ما تزعمه السعودية ضد اوباما. ولكن السعودية نفسها هي التي رفضت الاعتراف بالحكومة العراقية والتعاون معها. وبهذا عملت على افشال فرصة ضم العراق لـ»الحضن العربي» وإنقاذه من تأثير إيران. ولكن هذا الادعاء ايضاً يجد صعوبة في الوقوف على أقدام ثابتة. لأنه ليس هناك ضمانة بأن العراق الذي تسيطر عليه اغلبية شيعية، سينفصل عن إيران، لا سيما وأن اغلبية الدول العربية، وبالتحديد دول الخليج، تعتبر العراق دولة مشبوهة. وأن إسقاط نظام صدام حسين ساعد على التآمر الشيعي. التغيير التالي الذي اضطر اوباما إلى مواجهته هو «الربيع العربي»، حيث أن المبادرين اليه توقعوا الدعم الأمريكي، في البداية اتخذ اوباما موقفاً مبدئياً يتفق مع الأسس الايديولوجية التي تحدث عنها خطاب القاهرة. «نهاية ثلاثين سنة من سلطة مبارك يجب أن تبدأ الآن»، قال اوباما في الخطاب الذي ألقاه في العام 2011، قبل عشرة ايام من استقالة الرئيس المصري. وحسب مصادر أمريكية فقد توقع اوباما بأن الثورة التي حدثت في تونس ستتحول إلى توجه في الشرق الاوسط. ومن شأنها ايضاً أن تُسقط النظام في إيران. هل تصرف اوباما بحكمة عندما وقف إلى جانب الثوار ومنحهم الدعم المعنوي؟ هل أخطأ عندما اعتبر أن انتصار الاخوان المسلمين هو بداية العملية الديمقراطية في الشرق الاوسط؟ وهل تصرف بالشكل المناسب عندما امتنع عن دعم عبد الفتاح السيسي بعد أن سيطر بالقوة على الحكم في تموز 2013؟

تراجع الأيديولوجيا

يبدو أن أوباما، بأثر رجعي، أخطأ طوال الوقت. وستمر أشهر طويلة إلى أن ينجح في علاج الجرح العميق الذي نشأ مع نظام السيسي. وقد تبين أن الاخوان المسلمين غير مناسبين للحكم، حيث سعوا إلى بناء نظام قمعي يعتمد على التفسير القاسي للدين. أما الثوار الشباب فلم ينجحوا في تحقيق طموحهم الايديولوجي والسياسي. ولكن في ظل الظروف التي سادت في كانون الثاني 2011 وخلال العام الاول للثورة، لم يكن باستطاعة الولايات المتحدة التصرف بشكل مختلف، حيث لم يتضح بعد إلى أين تذهب الثورة بعد سقوط مبارك. هل كان عليها تأييد ودعم مبارك وخسارة تأييد الجمهور المصري؟

هل كانت تستطيع التصادم مع «الروح الجديدة» وتبدو كمن لا يؤيد التغيير الديمقراطي في الدول العربية؟

لكن هذا الدفاع عن السياسة الأمريكية فيه خطأ جوهري. فقد تبين بسرعة أن الرئيس الذي يؤيد الديمقراطية أصيب بالصمت عندما قامت السعودية والبحرين بقمع المتظاهرين في البحرين بالقوة العسكرية. ويبدو أن الايديولوجيا قد ذابت في حرارة الصحراء.

لكن السعودية ودول الخليج التي كان يمكنها الاستراحة قليلاً من سياسة اوباما تجاه المتظاهرين في البحرين، تعرضت في السنوات الثلاث التالية لصفعة لم تكن تتوقعها. فقد بدأت الولايات المتحدة وإيران المفاوضات من اجل كبح التطور النووي الإيراني. وكُتبت ملايين الكلمات عن أهمية وسلبيات الاتفاق النووي. ولكن لا خلاف على أن هذه كانت المبادرة السياسية الأهم خلال ولاية اوباما. وهنا ايضاً لاحظ اوباما جيداً الخيارات المحتملة، وابتعد عن تعريض الولايات المتحدة للأخطار. وأول هذه الاخطار هو الخيار العسكري الذي كان يمكن ان يُدخل الولايات المتحدة في حرب اقليمية، إذا لم تكن عالمية.

تصريحات اسرائيل العلنية بأنها ستتخذ خطوات أحادية الجانب وتهاجم إيران وحدها، لم تعف واشنطن من المفارقة. فحتى لو بادرت اسرائيل وحدها للحرب لكانت الولايات المتحدة ستضطر إلى التدخل من اجل الحفاظ على أمن اسرائيل في حالة حدوث هجوم إيراني معاكس. وعملياً حرمت اسرائيل الولايات المتحدة من حق الاختيار. واسقاط النظام في إيران لم يكن خياراً عملياً، خصوصاً بعد القمع العنيف لمعارضي النظام في اعقاب الانتخابات في العام 2009. والمسار الذي بقي هو الدبلوماسية، التي لم تكن ممكنة طالما أن محمود احمدي نجاد في السلطة والقائد الاعلى علي خامنئي رفض منحه الصلاحية لإجراء المفاوضات حول المشروع النووي. لم يكن باستطاعة اوباما السيطرة على السياسة في إيران، لكنه كان يستطيع تفويت الفرصة واتخاذ الموقف الذي اتخذه الرئيس بوش عندما امتنع من الرد على الاقتراح الإيراني في العام 2002 بتجميد المشروع النووي مقابل رفع العقوبات.

لاحظ اوباما الفرصة ولم يتردد في استغلالها. إن سياسة الحذر وملاحظة الخيارات الاقل تهديداً ميزت سياسة اوباما نحو اسرائيل ايضاً. الجهود الدبلوماسية الكثيرة التي بذلتها ادارته من اجل احياء المفاوضات انتهت بالاعتراف بأنه خلال ولايته لن يحدث تغيير حقيقي في مواقف الاطراف. «لا تستطيع الولايات المتحدة الرغبة في السلام أكثر من الاطراف المتصارعة»، هذا كان قول وزير الخارجية جيمس بيكر في ولاية الرئيس بوش الأب. اوباما كان لديه طموح كبير وكان مستعداً لبذل الجهد، لكنه اختار في النهاية الخيار الافضل له ولبلاده. وهو الخيار الممكن.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى