مقالات مختارة

أضرار هوس إدارة أوباما: يعقوب عميدرور

 

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كان من اولئك الذين آمنوا بأن مفتاح المستقبل الجيد للشرق الاوسط هو الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي أعقاب التطورات في الشرق الاوسط فإن عدد الذين يؤمنون بذلك تناقص بشكل كبير، لكن بقي هناك من هو مهووس بهذا الامر.

هل يعقل أن يكون السيد كيري هو أحد هؤلاء؟ لأنه لا يوجد أي تفسير منطقي آخر للخطاب الطويل الذي فيه الكثير من الاقتباسات الذي ألقاه قبل أسبوع. حتى لو افترضنا أنه لم يخطيء في المعطيات التي طرحها، وكانت كل الاقتباسات صحيحة، ما زال هناك سؤال كبير حول هذا الخطاب.

إن وزير الخارجية الأمريكي يعرف بشكل جيد الآن ماذا يحدث في الشرق الاوسط. وهو يعرف أنه ليس هناك أي دولة عربية تضمن استمرار استقرارها حتى لو لم تتعرض للأحداث الصعبة. وهو يعرف أن كثيرا من الدماء سفكت في المنطقة وأنه لا توجد طريقة لإعادة الهدوء بين السنة والشيعة في أي مكان. وهو يعرف أن الحركات الإسلامية المتطرفة تهدد نسيج الحياة في الدول السنية من الداخل.

ويفترض بكيري أن يعرف ايضا بأن إيران تتحول إلى قوة رائدة، خصوصا في اعقاب الاتفاق النووي وبفضل تحالفها مع روسيا التي اصبحت القوة العظمى الوحيدة في المنطقة. نعم، الولايات المتحدة لم تعد ذات صلة الآن في الحروب الكثيرة التي تجري في المنطقة (باستثناء عمليات قصف داعش).

ورغم ذلك، فإن وزير الخارجية في خطاب الوداع اهتم فقط بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني من بين كل هذه القضايا. وفي هذا اشارة واضحة على عدم قدرته على وضع المشكلة الفلسطينية في سياقها الصحيح. وهذا تشوه كبير لا يمكن اعتباره خطأ تقنيا. إن خطأ كيري الكبير، ليس فقط فيما قاله، بل ايضا فيما لم يقله. الاهتمام المهووس بالمستوطنات كان يمكنه أن يكون مبررا لو كان وضع في سياقه الصحيح، لو قال كيف أن سلوك الفلسطينيين يسهم في عدم تحقيق الاتفاق وغياب الثقة في المفاوضات.

ولم يتحدث كيري عن كيف أن السلطة الفلسطينية تقوم بدعم عائلات القتلة والمخربين القابعين في السجون، وكيف أن ذلك يتسبب بسفك الدماء. وهو لم يطلب من أبو مازن وقف ذلك، رغم أنه بالنسبة للفلسطينيين تصعب رؤية أي شيء يضر أكثر بمصداقية المفاوضات المحتملة. وهو لم يعبر عن تحفظه بالقدر نفسه من التحريض الفلسطيني، ولم يطلب وقفه، رغم أن أبو مازن يمكنه فعل ذلك بشكل سهل وبالتالي، تقليص العمليات الإرهابية. ومن اقوال كيري يمكن أن يفهم الفلسطينيون والعالم أن هناك مشكلة واحدة فقط هي المستوطنات.

الوزير الأمريكي لم يعرض الحقائق حول المستوطنات والمفاوضات وكأن فشل استئناف المفاوضات بدأ وانتهى بالمستوطنات. ولم يذكر أنه في العام 2010 وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه على تجميد البناء في المستوطنات لعشرة اشهر، لأن الولايات المتحدة وعدت بأن أبو مازن سيأتي إلى المفاوضات، وهو لم يأت.

كيري لم يذكر ايضا أنه هو نفسه قد توصل إلى اتفاق لأن تطلق إسرائيل سراح قتلة في مقابل أن يجري أبو مازن المفاوضات، وأبو مازن لم يصل.

ولم يكشف كيري عن السر الكبير، سر رفض أبو مازن للاقتراح الذي تم تقديمه من الرئيس الأمريكي في العام 2014، في الوقت الذي قدم فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية رد ايجابي على اقتراح الرئيس. وقد كان ذلك هو الاختبار الاهم حيث نجح فيه رئيس الحكومة وأبو مازن فشل.

من الواضح أنه لو كان كل ما جاء في خطاب وزير الخارجية صحيح، ففي هذه الحالة الحديث هو عن حقائق جزئية. وكما هو معروف فإن نصف الحقيقة اسوأ من الكذب. ولا شك أن التشوه الكبير هو الذي دفع دولتين تعتقدان أنه لا يحق لإسرائيل البناء في المستوطنات، إلى استنكار خطاب كيري. وفي بريطانيا واستراليا فهموا ما لم يفهمه الوزير: عندما يتم الخروج عن الإطار الصحيح وطرح أنصاف الحقائق، حتى لو كانت دقيقة، فإن هذا يتسبب بالضرر.

المشكلة العميقة التي تكمن في اقوال وزير الخارجية، وقرار الرئيس السماح لمجلس الأمن باتخاذ قرار، لا تكمن في المغزى الفوري. قرار مجلس الامن هو قرار غير ملزم قانونيا، وأقوال وزير الخارجية التارك ليس لها أي قيمة سياسية، لكن لهذين الأمرين مفعول أخلاقي.

نظرا لأن دولة إسرائيل تدير صراعا صعبا ضد حملة سلب شرعيتها، فإن هذه القرارات ستصعب عليها جدا. وسيكون من السهل الادعاء أن إسرائيل هي المسؤولة عن عدم وجود المفاوضات. ومن السهل فرض العقوبات على منتوجات المستوطنات كخطوة اولى، وضد دولة إسرائيل كخطوة ثانية.

كارهو إسرائيل سيستغلون اقوال كيري، وبشكل غير مباشر ستساعد هذه الاقوال على تصاعد اللاسامية في العالم، لأن هناك مسافة قليلة تفصل بين المستوطنات وبين إسرائيل بشكل عام، ومسافة أقصر بين محاربة إسرائيل وبين كراهية اليهود. واحيانا يشكل جانب واحد غطاء للجانب الآخر.

لن يستطيع الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته القول إنهما لم يقصدا ذلك. وسيكونان المتهمين بأن هذه مسؤوليتهما كقادة للدولة الأكثر صداقة لإسرائيل. حسب طريقة الرئيس ووزير خارجيته، القرار والخطاب هي امور غير حكيمة. ولنفرض أنهما أرادا التأثير واستئناف المحادثات بين الاطراف، فإن هذه الأعمال ستمنع تحقق هذا الحلم. لأن استنتاجات الطرفين ستضر بالمفاوضات.

لقد نشأت حاجة في إسرائيل للرد على قرارات الادارة الأمريكية من اجل البرهنة على أن إسرائيل هي دولة سيادية لا يمكن لأحد أن يلوي ذراعها. والنتيجة ستكون تسريع البناء في المستوطنات أو ضم أجزاء من المناطق ج، الامر الذي سيتسبب باشتعال الميدان، وشعور الفلسطينيين بأنه لا يوجد من يمكن التحدث معه.

وفي الجانب الفلسطيني سيستخلصون من الخطاب ومن قرار الامم المتحدة أنه ليس من الجدير اجراء المفاوضات التي تستوجب تنازل الطرف الفلسطيني ايضا. فبدون المفاوضات وبدون التنازل عن أي شيء، يثبت الواقع أنه بين خطاب وخطاب لوزير الخارجية، وبين قرار وقرار لمجلس الامن، فإن وضعهم الدولي يتحسن. ولم يكن وزير الخارجية دقيقا عندما قال إن القرار ليس فيه أي جديد في صالح الفلسطينيين، حيث أن القرارات السابقة لم تتحدث عن عاصمة فلسطينية في القدس. هذه الاحداث تثبت مجددا أن الهستيريا والغضب هما الخلفية لاتخاذ القرار. ويبدو أنهما السبب من وراء الخطاب والامتناع في الامم المتحدة. وعلى الرد الإسرائيلي أن لا يقع في نفس الخطأ.

إسرائيل اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى