إصلاح الأمم المتحدة ؟
غالب قنديل
في اول كلمة له بعد تسلمه منصبه خلفا لبان كي مون دعا امين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس إلى الإصلاح والتغيير في المنظمة الدولية لتصبح اكثر فاعلية وتأثيرا معتبرا صنع السلام عنوانا لمهام السنة الجديدة في عالم مضطرب تعصف به الأزمات والصراعات والحروب والكوارث الإنسانية ويهدده الإرهاب.
مما لاشك فيه ان الأمم المتحدة كما هي اليوم تحولت إلى مستعمرة اميركية تديرها بيرقراطية واشنطن الممسكة بتلابيب جهازها الوظيفي والمهيمنة على المعادلات الدولية وتعبيراتها السياسية منذ عقود ومن الواضح تماما ان المنظمة الدولية تحولت في عهد الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم إلى قفاز بيد البنتاغون الأميركي على الصعيدين القانوني والعملي ولولا حالات الاعتراض الروسي والصيني بالفيتو في العديد من المواضيع والقضايا ولا سيما حول سورية لاستمر تسخير الأمم المتحدة في تغطية وتشغيل آلة الحروب العدوانية الأميركية في العالم كما جرى في غزو العراق واحتلال ليبيا.
لم تجر مراجعة جدية لعمل الأمم المتحدة وآلياتها رغم انكشاف فضيحة التزوير الدولية التي قام بها كولن باول ومعاونوه في الخارجية الأميركية لتسويق قرار الحرب على العراق ولتأمين تغطية اممية لتدمير بلد جرى إنهاكه في حصارات وحروب متلاحقة خطط لها الأميركيون ودفعوا إليها الحكومة العراقية السابقة نفسها ومعها حكومات خليجية أخرى لحساب الولايات المتحدة وإسرائيل كما تبين لاحقا وظهر ان اجهزة الأمم المتحدة اشتغلت في استصدار تقارير تحت الطلب الأميركي ولخدمة القرار الأميركي بشن الحرب واحتلال العراق كما تورطت في صفقات نفطية مشبوهة وفقا للتحقيقات اللاحقة التي جرت داخل المنظمة الدولية وكتمت تفاصيلها .
الفساد يلاحق اجهزة الأمم المتحدة في كل مكان وفضائح مؤسساتها وكبار موظفيها كثيرة ومواكبة لجميع الحروب والكوارث التي تحرك الموظفون الأمميون في إطارها تديرهم نخبة بيرقراطية عالمية متنفذة تحت الحماية الأميركية تدير صفقات ضخمة يختلط فيها النفط بالدم بتجارة البشر بنهب المعونات لتجني تلك النخبة عمولات كبيرة على حساب الضحايا من المشردين وضحايا الحروب والكوارث الذين لا يصلهم سوى القليل من الموازنات المرصودة باسمهم وباسم مساعدتهم .
المسألة اكبر وأعقد من نوايا الأمين العام الجديد وهي سياسيا تستدعي تصحيح المعادلة وتحرير الأمم المتحدة من الهيمنة الأميركية المتحكمة بجميع المفاصل وهذا يفترض ان يكون هما رئيسيا على جدول أعمال روسيا والصين والهند وإيران وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول الساعية إلى تصحيح العلاقات الدولية وتثبيت التوازنات الجديدة في العالم كما ينبغي ان يكون موضوعا رئيسيا في أي حوار مع الإدارة الأميركية الجديدة التي تتحدث عن شراكة ندية مع روسيا.
الأمين العام الجديد غوتيريس نفسه غير متفائل إلى هذه الدرجة ويدعو لخفض سقوف التوقعات حول إصلاح المؤسسة الدولية التي تسلم قيادتها وسيكون اول مستويات فحص ابتعادها عن صورة المستعمرة الأميركية تصرفات الأمين العام نفسه فمن سبقوه في المنصب كانوا تابعين بالإشارة للمشيئة الأميركية في كل ما يقولون ويفعلون وكفى دلالة ان يكون بان كي مون قد سلم جميع ملفاته السياسية لمعاونه الأميركي جيفري فيلتمان وتفرغ هو لبيانات الأسف والقلق !