سنة الحصاد والتحولات
غالب قنديل
بعد مخاضات صعبة ودامية عاشها العالم خلال السنوات الأخيرة مع حروب الإمبراطورية الأميركية وغزواتها العسكرية يفتح العام الجديد أبواب التحولات التي ظهرت في كل مكان نتيجة مقاومة ضارية خاضتها شعوب ودول وحركات تحررية في وجه الهيمنة الأميركية وادواتها وحروبها وحيث كانت البلاد العربية أبرز الميادين من سورية إلى العراق واليمن وليبيا وبالذات فإن القلعة السورية الصامدة بقيادة الرئيس بشار الأسد سطرت الملحمة الكبرى التي تلاقت في سياقها قدرات محور المقاومة وروسيا والصين.
المعركة مستمرة والإمبراطورية التي هزمت ومنيت بالفشل تقلب خياراتها مع انتخاب دونالد ترامب ولا يقين حتى اليوم في جميع التوقعات حول نهج الإدارة الجديدة لكن مؤشرات كثيرة تنبيء باحتمالات التراجع على اكثر من جبهة كما تشي بوجود رهانات مستمرة على خوض معارك جديدة ضد صعود عمالقة الشرق انطلاقا من السعي لتفكيك التلاحم الذي حققته المواجهة المشتركة ضد الهيمنة الأحادية بين الصين وروسيا والهند وإيران وفي منطقتنا تتبدى المؤشرات من خلال التجديد الصارم لتعهد الولايات المتحدة بجميع رؤسائها وبحزبيها ضمان قوة إسرائيل التي باتت مذعورة من تعاظم قوة المقاومة اللبنانية ومن بشائر نهوض سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وانتصارها واقتراب عودتها إلى ميادين الصراع الإقليمي .
السنة القادمة ستكون لحصاد ثمار الصمود الكبير الذي زعزع الغزوة الاستعمارية وحيث يشكل الاعتراف الأميركي والغربي المرتقب بالصعود الروسي خلال السنة الجديدة قوة مضافة لجميع الشركاء والحلفاء أي الصين والهند وإيران وسورية والمقاومة .
ثمة ما يوحي بتوجه إدارة ترامب إلى العمل بقاعدة امبراطورية قديمة لاستثارة تناقضات بين خصومها ومنافسيها ولتوليد تمايزات وتعارضات وهي عازمة على تجريب فرص استفراد الصين وإيران ومهادنة روسيا والهند وسيكون على هذه القوى ان تعزز التنسيق في ما بينها ورص الصفوف لتتناغم في إدارة الصراع لأن ما يجمع بينها من مصالح استراتيجية واقتصادية تعمق وتوسع وتعمد بقوة خلال السنوات الصعبة ولأن معركة البشرية ضد الهيمنة ومنتجها الشيطاني المتمثل بالإرهاب التكفيري لاتزال مستمرة متواصلة وتقتضي جهودا مركزة وهي جميعا مدركة ان معركتها واحدة ورسيا التي يعتزم ترامب التفاوض معها تحركت غير مرة باسم هذا المحور مجتمعا وأسقطت جميع رهانات واشنطن على التلاعب بمنسوب الثقة والتعاون بينها وبين إيران والصين وخابت جميع الرهانات في هذا المجال خلال الأعوام السابقة .
الغزوة الاستعمارية مستمرة لكنها مضعضة وحلفها مفكك وادواتها مضروبة مهزومة سواء في سورية ام العراق ام اليمن وبالتالي سيكون العام المقبل فرصة للحصاد بتوظيف التوازنات الجديدة لصالح محور المقاومة والاستقلال الذي تشكلت عبره معادلات العالم الجديدة.
الخيار الموضوعي يقتضي اليقظة المستمرة اتجاه ما تخطط له الدوائر الأميركية في المرحلة القادمة واستكشاف نهج الإدارة الأميركية الجديدة في الأشهر القادمة ورص الصفوف وإحكام القبضات على إرادة المقاومة في ضوء خبرات التجارب فلا ينبغي الاستسلام لما تروجه واشنطن عن نفسها وتصديق الروايات والحبكات الترويجية التي تؤنس العقل السياسي التقليدي عن اتفاقات وصفقات وعلينا ان نتذكر في كل لحظة ان الولايات المتحدة هي إمبراطورية استعمارية مهيمنة على العالم تجيد احتواء هزائمها والتكيف مع المعادلات لكنها لا تكف عن التآمر على دعاة التحرر والاستقلال والندية في العالم بكل الوسائل الممكنة وتلك هي مشكلتها الأصلية مع روسيا بوتين ومع سورية الأسد ومع إيران الخامنئي ومع حزب الله واحرار اليمن ومع كل قوة حرة في العالم كبيرة كانت ام صغيرة.
مخاض العالم الجديد سيتواصل في العام المقبل وسيتقدم بقوة الدماء والتضحيات التي تقدمها الشعوب الحرة ومحاربون أشداء من اجل الحرية في وجه الهيمنة والتوحش والإرهاب.