بقلم غالب قنديل

في حساب الموقف التركي

غالب قنديل

المسعى الروسي الإيراني للتأثير على الموقف التركي في سورية بلغ مرحلة جديدة مع الإعلان عن اتفاق وقف القتال الذي شمل سائر الأذرع التركية من الجماعات المسلحة واستثنى داعش وجبهة النصرة ومثيلاتهما التي ستبقى تحت نيران الجيش العربي السوري وحلفائه .

تستند موسكو وطهران في التطلع إلى التأثير على سياسة انقرة إلى عوامل موضوعية مهمة لا يمكن إنكارها وهي تشكل أساسا لفرصة تعطيها القيادتان الروسية والإيرانية اهمية بالغة بتفهم وتعاون سوريين رغم الحذر والتحفظ المشروعين .

         تستثمر كل من روسيا وإيران ثقل المصالح الاقتصادية والتجارية الثنائية بين تركيا و كل من البلدين وقد كانت تجربة العقوبات الروسية اختبارا تأديبيا لأدروغان اظهر جدواه هذا فضلا عن عناصر التشابك الإقليمي الكثيرة الإقليمي نتيجة الجوار التي تفرض على تركيا مراعاة الموقفين الروسي والإيراني مما يجري في سورية.

         الأساس الحاسم هو التبدل النوعي في توازن القوى السوري بعد تحرير حلب واضطرار تركيا للانخراط تحت إشراف روسي في عملية إخراج المسلحين الذي وفرت لهم كل أشكال الدعم منذ بداية الحرب على الدولة السورية التي شاركت فيها القيادة التركية هجوميا وسعت عبرها إلى اختبار رهانات واوهام كثيرة تساقطت تباعا بفعل الصمود السوري الشعبي والعسكري والصلابة القيادية السورية المشهودة .

         الاضطراب التركي الداخلي الناتج عن التورط في العدوان على سورية والذي وضع أردوغان وحكمه في حالة من القلق الاستراتيجي امام تداعيات انشقاق الحزب الحاكم الذي عبرت عنه محاولة الإنقلاب والتحدي المتجدد للتمرد الكردي المسلح وبفعل نذر ارتداد الإرهاب في الحضن التركي الذي قدم لجميع الجماعات الإرهابية مقرات وموارد مالية وعسكرية بمعونة السعودية وقطر وقصص شراكة تركيا في داعش وجبهة النصرة وغيرهما تتناسل يوميا في وسائل الإعلام العالمية رغم بيانات النفاق عن محاربة الإرهاب.

         وجود مؤشرات من واشنطن حول اعتزام الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته الجاري تكوينها انتهاج خط جديد في التعامل مع الوضع السوري ألمح إليه ترامب خلال حملته الانتخابية ومفتاحه التعاون مع روسيا واولوية مقاتلة الإرهاب والتخلي عن السعي لإسقاط الدولة السورية .

         البعد الأميركي رئيسي وحاسم في النظر إلى هذه العناصر لأن حسابات النظام التركي قائمة على قاعدة التبعية للهيمنة الأميركية التي تشكل عصب هذا النظام منذ زمن بعيد وهو دائما كان يقيم توازنا بين علاقاته الإقليمية وتلك السمة التكوينية الحاسمة أي التبعية لواشنطن والانخراط في استراتيجياتها وخياراتها وحيث يتبدى اليوم كل تجاوب مع موسكو بوصفه تهيئة لمواكبة ما ستطلبه واشنطن من انقرة لاحقا .

         إن افتراض قدرة تركيا على الخروج من قبضة الهيمنة الأميركية ليس له أساس موضوعي لا اقتصاديا ولا سياسيا فالنظام القائم لا يتمتع بتكوين مستقل ذاتي المركز كما هي حال روسيا وإيران ومعلوم ان الرئيس فلاديمير بوتين خاض معركة ضارية للتخلص من المرتكزات الاقتصادية والسياسية التي انشاتها الولايات المتحدة للسيطرة على القرار الروسي في زمن يلتسين بينما تكفلت الثورة الإيرانية باوسع عملية تغيير وتطهير للتخلص من مرتكزات التبعية بعد إسقاط نظام الشاه وليس في نهج ادروغان وحزبه وأفكاره ما يدل على شيء من هذا القبيل .

الوقائع ترجح ثبات أدروغان في المحور الأميركي الغربي ورضوخه للتوازنات بوقف للقتال والتفاوض السياسي يحتمل انتظار تبلور الخيارات الأميركية في سورية خلال الأشهر القليلة القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى