ماذا تضمّنت رسالة نصرالله إلى جنبلاط؟: عماد مرمل
لم تحمل الجلسة النيابية العامة المخصصة لمناقشة البيان الوزاري مفاجآت سياسية، خصوصا أن حكومة «استعادة الثقة» تكاد تكون في الأساس «برلماناً مصغراً»، بفعل تمثيلها لمعظم الكتل النيابية .
ولولا «مفرقعات» المشادة بين النائبين خالد الضاهر ورياض رحال، و «تمايز» بعض الكلمات النوعية لعدد من النواب، لكانت الجلسة عادية، مع الإشارة الى أن مجرد انعقادها بعد غياب طويل قد منحها، في الشكل، شيئا من الجاذبية.
واستكمالا للإيقاع السريع في عبور مراحل ترميم السلطة، من المقرر ان يتم اليوم الاستماع الى رد الرئيس سعد الحريري على الكلمات التي أُلقيت، والتصويت على الثقة في الحكومة، علما ان النواب سامي الجميل وبطرس حرب والضاهر أعلنوا خلال مداخلاتهم أمس عن حجبها اعتراضا على كيفية مقاربة البيان الوزاري لدور المقاومة ومبدأ السيادة، فيما كان لافتا للانتباه أن النائب حسن فضل الله ركز في كلمته على مقاومة الفساد باعتبارها ممرا إلزاميا نحو إعادة بناء الدولة، واختبارا لمدى قدرة الحكومة على كسب الثقة الشعبية، عارضا بالأرقام والوقائع نماذج عن هذا الفساد الذي يتخذ أحيانا كثيرة طابعا مقوننا.
وبينما ساهمت حكومة الوحدة الوطنية في فتح شرايين سياسية مسدودة، أعادت زيارة وفد قيادي من «حزب الله» للنائب وليد جنبلاط، قبل أيام، تثبيت «براغي» العلاقة الثنائية التي تقوم منذ فترة طويلة على ركيزتي التعاون في مساحة القواسم المشتركة، وربط النزاع في مساحة الخلاف، لا سيما بالنسبة الى الملف السوري.
يحصل أحيانا، أن تهتز هذه العلاقة بفعل «مطبات هوائية» طارئة، كما جرى مؤخرا بعد استعراض «سرايا التوحيد» في الجاهلية، الذي وضعه جنبلاط حينها في سياق توجيه رسالة اليه من الحزب عبر «البريد السريع».
احتار جنبلاط في أمره آنذاك، وهو الذي لم يجد تفسيرا واضحا لدوافع هذه «الرسالة المفترضة»، في ظل التقاطع الواسع بينه وبين الحزب داخليا، مع اقتناعه في الوقت ذاته بأنها موجهة اليه شخصيا.
تجنب جنبلاط الإفصاح عما يختلج في نفسه بصوت عال، لتفادي أي توتر علني وظاهر مع «حزب الله»، مفضلا أن يعبر عن مكنوناته في اللحظة المناسبة عبر أقنية التواصل التقليدية التي تربطه بمركز القرار في الضاحية.
ثم أتى «شبح» النسبية الكاملة ليزيد من أرق جنبلاط وقلقه، بعدما شعر أن هناك ضغطا متزايدا في اتجاه الدفع نحو اعتماد هذا النظام الانتخابي الذي لا يتناسب مع حسابات المختارة وحساسيتها.
لاحقا، التقطت «رادارات» الحزب انزعاج جنبلاط من دلالات «استعراض الجاهلية» بناءً على اعتقاد لديه بأنه موجّه عن بُعد، فيما كانت إشارات اعتراضه على النسبية تصبح ايضا أكثر وضوحا وتسارعا.
أدركت قيادة الحزب أن السبب الأساسي لهذا الالتباس المستجد في العلاقة مع جنبلاط إنما يعود الى سوء فهم أو سوء تفاهم، بُنيت عليه فرضيات سياسية غير واقعية، فكان لا بد من توضيح تولاه في المرحلة الاولى سفير «النيات الحسنة» على خط الضاحية – كليمنصو وفيق صفا (مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله»).
أكد صفا للمعنيين في «الحزب التقدمي الاشتراكي»، عبر اتصالات في الكواليس، أن «حزب الله» لا يعتمد مع جنبلاط أسلوب توجيه الرسائل بالواسطة، وإذا كان هناك ما يريد أن يبلغه إياه، فهو يفعل ذلك مباشرة ومن دون مواربة، «ثم ليس هناك ما يستدعي أصلا توجيه أي رسالة اليه، ذلك أن هناك تناغما معه في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية وتثبيت الاستقرار الداخلي وتشكيل الحكومة وتفهم الهواجس المتعلقة بقانون الانتخاب، أما التباين حيال الأزمة السورية فهو تحت السيطرة على قاعدة تنظيم الخلاف».
وبعد ذلك، أطل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، مشددا على أن دعم خيار النسبية الكاملة لا يلغي ضرورة تفهم هواجس القلقين وأخذها بعين الاعتبار. ترك موقف نصرالله معطوفا على توضيحات صفا ارتياحا لدى جنبلاط، وبالتالي أصبحت الأرضية جاهزة لعقد لقاء بين الجانبين.
وإذا كان صفا قد أصبح من «أهل البيت»، بحكم «تخصصه» في التنسيق مع جنبلاط، فإن وجود المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل في اجتماع كليمنصو الأخير لم يخلُ من الدلالة السياسية المعبرة، بحيث انطوى هذا الحضور لاثنين من أبرز معاوني نصرالله على لفتة خاصة من «السيد» في اتجاه رئيس اللقاء الديموقراطي، ما عكس رغبة الحزب في طمأنته حتى أقصى الحدود الممكنة.
في مستهل اللقاء الذي حضره أصلان جنبلاط ومسؤولون في «التقدمي»، نقل وفد الحزب الى وليد جنبلاط سلام نصرالله واطمئنانه الى صحته، فبادل التحية بمثلها، مستفسرا بدوره عن أحوال «السيد» وصحته.
وأكد الوفد تمسك الحزب بالعلاقة الوطيدة مع جنبلاط، ووجوب تفعيل التواصل واستمراره وفق القاعدة المتبعة أصلا وهي توثيق التعاون في الملفات الداخلية التي تجمعهما وتنظيم الخلاف في القضايا التي يتباينان في شأنها.
وفي مسألة قانون الانتخاب، أبلغ الوفد جنبلاط تفهم نصرالله لخصوصية موقفه، وأوضح له أنه عندما تكلم «السيد « عن ضرورة مراعاة هواجس البعض حيال النسبية الشاملة فإنه كان يقصده تحديدا. كما شدد الوفد على أن التفاهم حول قانون الانتخاب يحتاج الى حوار بين مختلف المكوّنات اللبنانية ولا يمكن اختصاره بتوافق بين طرفين فقط، لافتاً الانتباه الى أن الواقع اللبناني يحول دون إقرار أي قانون انتخابي لا يحظى برضى جميع المكونات الداخلية أو معظمها.
وفيما تفادى جنبلاط الخوض في تفاصيل هذا الملف، بادر أحد قياديي «التقدمي» الى القول إن الثقل الأساسي للطائفة الدرزية موجود في الشوف وعاليه، ونحن معنيون بأن نحافظ على وجودنا..
واتفق الجانبان على أنه لا يجوز ربط كل الأمور بقانون الانتخاب، لئلا تتعطل مصالح المواطنين الحيوية أو تتعثر ربطا بالخلاف الانتخابي، كما تطرق النقاش الى شؤون إنمائية ومعيشية، ومستقبل الوضع الحكومي وكيفية تنشيطه، وأهمية تفعيل التواصل بين الحزبين.
وعلم أن جنبلاط أبدى بعد اللقاء ارتياحه الشديد الى ما سمعه من خليل وصفا، «بحيث يمكن الجزم بأن صفحة الالتباس طُويت نهائيا، وان العلاقة الثنائية استرجعت نضارتها ورصانتها»، كما قالت أوساط قيادية في «التقدمي» لـ «السفير»، مشيرة الى أن وفد الحزب نقل حرص نصرالله على تفهم هواجس جنبلاط.
وقالت مصادر مقربة من «حزب الله» لـ «السفير» إن الزيارة لجنبلاط اندرجت في إطار تعزيز التعاون والتنسيق، مؤكدة انها كانت ودية وإيجابية.
وكان نصرالله قد أكد في كلمة له أمس، خلال حفل تأبين الشيخ الراحل عبد الناصر جبري، أن التكفيريين أوصلوا الأمة الى أخطر ما يمكن أن تصل اليه ويجب ان نتحمل «المسؤولية ونُحاصر ونعزل الذين يبثون الفتن».
وشدد نصر الله على «وجوب الدفاع عن المقاومة ومحورها ومجتمعاتها»، لافتا الانتباه الى أن «محور المقاومة سيخرج منتصراً من هذه الحرب الكونية عليه لان المقاومين في المنطقة مصرون على المواجهة حتى الانتصار النهائي». وأضاف: ان المستقبل هو للمقاومة ومحور المقاومة.
(السفير)