بقلم ناصر قنديل

أين العرب في لقاء موسكو وهو لقضية عربية؟

ناصر قنديل

تداول كثير من القوميين العرب المنقسمين في الموقف من الحرب على سورية سؤالاً مشتركاً تحت عنوان التساؤل، «أين العرب في لقاء موسكو والقضية عربية؟». والسؤال يتضمّن احتجاجاً إيحائياً بأنّ العرب هنا، وفي هذه الحالة التي تخصّ الحرب على سورية ومستقبلها وبحضور إيران وروسيا، مغيّبون وتؤكل لحومهم من غير العرب يتقاسمونهم ويتفاوضون على جلدة رأسهم، والسؤال لم يطرح بالتأكيد يوم يلتقي الأميركي مع الروسي والفرنسي، ليس ثقة بروسيا، بل حرصاً على مشاعر الأميركي والفرنسي، لكن يبقى السؤال مطروحاً ويستحق الجواب .

الردّ على السؤال بسؤال يكشف خلفياته وتفاهته إحدى التقنيات المسموحة في السجال، فنسأل هل كان السؤال ليختفي لو حضر محمد بن سلمان أو أحمد أبو الغيط، وهما الشخصيتان العربيتان المرشحتان افتراضياً للحضور، أم أنّ حضورهما هدف السؤال؟ أليس حضور أبو الغيط وبن سلمان بعد نضج تركيا للخروج من الحرب على سورية والبحث عن دور في منظومة الحلّ السياسي والحرب على الإرهاب، تعبير معاكس عن منح قوى الحرب مزيداً من فرص التعطيل، طالما أنّ الموقف الذي يمثله كلاهما واضح من تصريحاتهما أو مقالات ومواقف الإعلام القريب منهما، المندّدة بالتحوّل التركي من خيار الحرب، وصولاً لوصفه بالخيانة؟

يبقى أن تحضر سورية الدولة كتلبية لطلب المتسائلين، أو الصادقين منهم في رؤية حضور عربي في تناول قضية عربية، فهل كان جائزاً أن تحضر، وهل حضورها قوة أم ضعف للقضية العربية نفسها، فالتفاوض من قبل الدولة السورية حول شؤون تتصل بسيادتها ومستقبلها، هو تنازل سيادي وتفريط بالاستقلال غير جائز، بينما تلاقي دول منخرطة في حرب تدور فوق أراضيها بينهم حليف وبينهم عدو لتنسيق المداخلات بحثاً عن مواءمتها والبحث عن مشتركاتها، بغيابها فلا يمنح لما تقرّره هذه الاجتماعات شرعية إلا بمقدار ما ينقل الحلفاء للدولة السورية حصيلتها وتكرّسه بقرارات سيادية صادرة عنها، كمثل العفو عن حاملي السلاح، أو تشكيل وفد للتفاوض مع وفد مقابل للمعارضة، أو سواها من الشؤون المشابهة.

التفاوض ليس معيباً بالتأكيد، والعبثيون وحدهم يفترضون حروباً لا تنتهي بالتفاوض، فالنصر الذي تسعى إليه سورية وحلفاؤها لا يتوّج بلا تفاوض يفكّ الحصار ويعيد السفارات ويفتح أبواب السوق النفطية للإنتاج السوري، ويفتح أبواب مصارف الغرب للاعتمادات التجارية السوريةز وهذه هي عائدات النصر على الشعب السوري التي يفترض أن تسعى الدولة لتحقيقها ويستحيل تحقيقها دون تفاوض، لكن للتفاوض توقيت وشروط، والتوقيت مرهون بتسليم جبهة الأعداء بالهزيمة واليأس من مواصلة حربهم، والشروط ترجمة هذا اليأس بالانخراط في تسويات تنهي الحرب وتفتح مسار الحلّ السياسي لسورية. وهذه وتلك تستدعي تفاوضاً غير مباشر يخوضه الحلفاء وتغيب عنه سورية، لكنها تكون مرجعها في قول الكلمة الفصل.

العرب الذين يكون لحضورهم فائدة وخير للقضية العربية، التي لم يعُد يمثلها أحد بين الحكومات العربية غير سورية، أو على الأقلّ بمثل ما تمثلها، كانوا حاضرين في لقاء موسكو حيث يتلو الروسي والإيراني على التركي الشروط التي وضعتها سورية الدولة السيدة، لقبول تفاوض مع جماعات تعمل تحت العباءة التركية، وهي إعلان الأولوية منهم ومن الأتراك للحرب على الإرهاب بدلاً من شعار إسقاط النظام، ألم يسمع هذا الكلام المتسائلون؟

عسى أن يحضر العرب في مفاوضات تتصل بمستقبل فلسطين لغير بيعها وبيع كرامة شعبها، وأن لا يحضروا كما حضروا في سوق مجلس الأمن لسلخ جلد الليبيين وبيع فروة رأسهم، ولا كما حاولوا الحضور لتكرار الأمر مع سورية، فكانت روسيا والصين الصوت العربي الوحيد، ولا كما حضروا في مجلس الأمن قبل عشر سنوات يلومون «الإسرائيلي» على عجزه عن مواصلة الحرب على المقاومة وسحقها، فيما كانت سورية صوت العرب في الميدان مع المقاومة وحدها، وكانت إيران بدعمها للمقاومة عربية أكثر من كثير من الحكومات العربية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى