لنظام انتخاب قدوة للمنطقة: عبد الله بوحبيب
عودة لبنان إلى حياة سياسية طبيعية تتطلب بالضرورة، بعد تشكيل الحكومة، قانونًا جديدا للانتخاب، عصريا وميثاقيا وعادلا ومنصفا لكل من المكونات اللبنانية الكبيرة والصغيرة، وفي أسرع وقت ممكن .
منذ الانتخابات الأولى بعد اتفاق الطائف في خريف 1992 واللبنانيون يختلفون حول صياغة قانون الانتخاب. اتُّهِم السوريون بفرض قوانين انتخاب خلال سنوات الوصاية، ولكن عندما انتهت تلك الفترة أجريت انتخابات نيابية بحسب قانون عام 2000 الذي دُعِي «قانون غازي كنعان»، ممثل الوصاية السورية وقتذاك. في مؤتمر الدوحة الذي انعقد بعد حوادث 7 أيار 2008، اتفق القادة المؤتمرون على العودة إلى قانون 1960 مع تعديل جذري في دوائر محافظة بيروت. الجدير بالذكر أن تغيير قانون الستين كان مطلبا أساسيا للمعارضة الإسلامية واليسارية خلال حرب 1975.
يعترف معظم المعنيين بصنع قانون جديد للانتخاب أن قانون الستين استُهلِك وحان الوقت لدفنه وبات تغييره واجبا وطنيا. نظام اللوائح والبوسطات المرافقة يعمل به فقط في لبنان وسوريا، وتخلصت منه الكويت منذ حوالي عقد من الزمن. إلى ذلك، بات قانون 1960 الذي أَفرَزَ من انتخابات 2009 تمثيلا أحاديا لكل من المذاهب الإسلامية وإجحافا في حق كل من المذاهب المسيحية، غير ميثاقي وغير ديموقراطي ولا يسمح لأكثرية برلمانية أن تحكم وأقلية أن تعارض.
هناك نظامان للانتخابات يُعمَل بهما في الدول الديموقراطية حول العالم: نظام الدائرة الفردية (لكل دائرة نائب واحد ولكل ناخب صوت واحد)، والنظام النسبي (عدد النواب الذي تحصل عليه كل من اللوائح المتنافسة يساوي نسبة ما تحصله اللائحة من مجموع المقترعين). لكن التوزيع الطائفي والمذهبي والمناطقي للمقاعد البرلمانية في لبنان يجعل استعمال كل من النظامين، كما يمارسان دوليا، صعبا، إن لم يكن مستحيلا.
لكن، استطاع معنيون لبنانيون تعديل كل من النظامين ليتلاءما مع المعطيات المحلية، فأضيف، مثلا، إلى النظام النسبي الصوت التفضيلي. بكلام آخر، يتطلب النظام النسبي من الناخب أن يختار إحدى اللوائح المتنافسة في دائرة قد تكون المحافظة أو كل لبنان، مع إشارة إلى مرشحه المفضل في تلك اللائحة. وبينما تحدد نسبة المقترعين للائحة عدد النواب الذي تناله، يقرر الصوت التفضيلي مَن مِن اللائحة يفوز بالانتخابات.
بالنسبة إلى نظام الدائرة الفردية، يمكن الإبقاء على الدوائر الانتخابية الحالية، على أن يختار الناخب مرشحا واحدا فقط، عوض اقتراعه لعدد نواب الدائرة الذي يتراوح في لبنان بين الإثنين والعشرة، فيتساوى في هذا النظام الناخبون في كل لبنان بالحقوق مقارنة بما يحصل حاليا، إذ إن الناخب يصوت لمرشح واحد فقط.
أما في ما يتعلق بالنظام المختلط، فيمكن تطبيقه على النحو المشار إليه أعلاه، فينتخب نصف النواب مثلا بحسب النظام النسبي، بينما ينتخب النصف الآخر بحسب نظام الصوت الواحد للناخب الواحد. إن انتخاب نصف النواب، بحسب النظام الأكثري الحالي، هو استمرار للزبائنية والتأخر وانعدام الميثاقية.
لبنان في حاجة إلى قانون انتخاب يعطيه الشفافية والتعددية والميثاقية والعدالة والإنصاف، ويمكنه من أن يتقدم إلى مصاف الدول الديموقراطية، ويفرز عند تطبيقه التعددية التمثيلية في كل من المكونات اللبنانية الأساسية، وينصف المكونات الصغيرة، بالإضافة إلى إعطاء المجال لأكثرية نيابية أن تحكم.
إن انعدام الاستقرار السياسي في لبنان منذ انتهاء عهد الوصاية السورية مرده إلى غياب التمثيل الميثاقي الحقيقي. لذلك، فإن اعتمادَ النسبيةِ أو اعتمادَ نظامٍ أكثريٍّ على أساس لكل ناخب صوت واحد، يحقق الميثاقية والتوازن السياسي ويرتفع بالديموقراطية إلى درجة أسمى ومشاركة فعلية وعملية لكل المكونات اللبنانية.
إلى كل ذلك، ربما يصبح المشروع الذي نتفق عليه قدوة لبعض الدول العربية التي يتصف تكوين شعوبها بالتعددية الإثنية أو الطائفية أو المذهبية أو القبلية أو حتى السياسية.
(السفير)