«السفير» تكشف تفاصيل فك ارتباط «النصرة» و«القاعدة» سيف العدل عارضه.. و«طالبان الشام» لم تُلغ عبد الله سليمان علي
تتمركز النواة الصلبة لقيادة تنظيم «القاعدة» العالمي في محافظة إدلب السورية التي باتت تستحق بجدارة لقب «قندهار الشام». وفيما ينشط أعضاء هذه النواة في تكريس مخططات ومشاريع عسكرية وأمنية تتجاوز الحدود السورية وتصل إلى بعض الدول الغربية، تُبذل بالتوازي جهود مضنية من أجل إخفاء اسم «القاعدة» وإبعاده عن الضوء لتجنّب تعقيدات الوضع الداخلي للجماعات المسلحة في سوريا، وكذلك لتفادي اتخاذ الاسم ذريعة من قبل بعض الدول لشرعنة قصف إدلب.
وقد كانت مسرحية «فك الارتباط» التي تكشف «السفير» بعض فصولها من أبرز الجهود المبذولة في هذا السياق، وإن كان من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان فك الارتباط قد جاء في سياق توزيع الأدوار بين قادة «القاعدة» أو تعبيرا عن خلاف حقيقي بين تيارين داخله.
وفي كافة الأحوال، فإن الغاية الأساسية من «فك الارتباط» كانت تحويل «القاعدة» في سوريا ممثلا بجبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) إلى كيان غير مرئي يصعب تعقّبه ومراقبة تحركاته، وفي الوقت نفسه تُعفى الفصائل الأخرى من تحمل تبعات الاسم وعواقبه الوخيمة، أي كما كان عليه الحال منذ عام 2011 وحتى ربيع 2013 حيث كانت «جبهة النصرة» تعمل من دون إعلان علاقتها مع «القاعدة» (أو دولة العراق الاسلامية)، وذلك بناءً على توصية من زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري آنذاك.
لكن بعض القيادات ذات الاجتهادات الخاصة لا تمانع في أن يتدحرج «فك الارتباط» ويتفاعل مع الواقع الحقيقي في سوريا، ولو أدى به الأمر إلى افتراق فعلي مع التنظيم الأم في أفغانستان.
في هذا السياق، علمت «السفير» من مصدر مقرب من تنظيم «القاعدة» يقيم حالياً في محافظة إدلب، أن القرار القاضي بإعطاء زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني الضوء الأخضر لاتخاذ قرار «فك الارتباط» لم يكن يحظى بالاجماع في قيادة التنظيم العالمي، لا ذلك الشق من القيادة الموجود في أفغانستان وباكستان وغيرهما، ولا الشق الثاني والأهم الذي انتقل إلى سوريا وبات يشكل من حيث نوعية أعضائه وتعدادهم ثقلاً وازناً داخل التنظيم.
لذلك، حسب المصدر، فوّض أيمن الظواهري مهمة الاشراف على «جبهة النصرة» لنائبه أبي الخير المصري الموجود في سوريا منذ أواخر العام الماضي. وقد كان معروفاً عن أبي الخير أنه من المؤيدين لفك الارتباط، وهو ما يحاول البعض الاستناد إليه للقول إن الظواهري لم يكن يريد الوقوف في وجه هذه الخطوة التي كان قد ربطها سابقاً بلزوم الاندماج بين الفصائل وتشكيل حكومة إسلامية. غير أن البعض الآخر كان له رأي مختلف.
وقد عُيّن أبو الخير في منصبه بعد مقتل ناصر الوحيشي زعيم فرع «القاعدة» في اليمن الذي كان يشغل منصب نائب الظواهري. ويُعرف أبو الخير بلقب «إبراهيم سياسة» نظراً لحنكته ودهائه وقدرته على تقديم الخدمات السرية وتأمين موارد التمويل بالإضافة إلى خبرة كبيرة في التزوير والتهريب، وكذلك سرعة في التنقل والحركة. وهو من مواليد عام 1957 في الشرقية بمصر، محكوم عليه بالإعدام في قضية «العائدون من ألبانيا» في عام 1998، وكان بمثابة الذراع اليمنى لأيمن الظواهري منذ أيام «الجهاد المصري» في تسعينيات القرن الماضي.
كما تولى مسؤولية محطة السودان عام 1993 قبل ان تنتقل قيادات التنظيم السري برفقة بن لادن إلى أفغانستان، وأشرف على لجنة خاصة مهمتها توفير جوازات السفر المزورة لعناصر تنظيم «القاعدة» من السودان الى دول اوروبا وآسيا، وهو من المُدرجين على قائمة الارهاب الأميركية منذ عام 2005، ويُعرف باسم أحمد حسن لكن اسمه الحقيقي حسب البيانات الواردة في سجل المدرجين على قائمة الارهاب هو عبدالله محمد رجب عبدالرحمن.
ووفق المصدر الذي تحدث إلى «السفير»، فقد استند أبو الخير المصري على منصبه كنائب للظواهري وعلى التفويض الممنوح له بالاشراف على «جبهة النصرة» لفرض رأيه القاضي بإعطاء الجولاني الضوء الأخضر لإعلان «فك الارتباط» عن «القاعدة»، استجابة لمتطلبات المرحلة التي كانت تشهد بوادر اتفاق روسي ـ أميركي لاستهداف «النصرة». لكنّ فريقاً من قادة «القاعدة» الموجودين في إدلب، شمال سوريا، كان لهم موقف معارض بشدة لرأي أبي الخير.
على رأس هؤلاء يقف كل من سيف العدل وأبي محمد المصري وأبي القسام الأردني، وكل شخص من هؤلاء القياديين له مكانته الخاصة في تنظيم «القاعدة».
سيف العدل كان يتولّى قيادة العمليات العسكرية بالإضافة إلى كونه عضواً في مجلس شورى التنظيم، وهو من القيادات التاريخية ذات الرمزية الخاصة ويُنسب إليه تخطيط الهجوم على السفارتين الأميركيتين في دولتي كينيا وتنزانيا عام 1998.
أما أبو محمد المصري المدرج على قائمة الارهاب واسمه عبدالله عبدالله، فكان يتولّى مهمة التدريب العسكري لأعضاء التنظيم ويمتلك خبرة عالية في تخطيط العمليات. كما كان أبو القسام الأردني واسمه خالد العاروري من قيادات التنظيم المميزة وشغل منصب نائب أبي مصعب الزرقاوي في العراق.
ويعتقد هؤلاء، لا سيما سيف العدل الذي يوصف بأنه شديد التعصب لتنظيم «القاعدة»، بأن صلاحيات أبي الخير لا تخوّله منح الجولاني صلاحية اتخاذ قرار «فك الارتباط». وكان رأي هؤلاء الذين ما زالوا متمسكين به، أنه «كان ينبغي مخاطبة زعيم التنظيم أيمن الظواهري للفصل في هذه المسألة، فهذه مسألة لا بد فيها من فصلٍ من رأس الهرم ولا يكفي فيها أن يؤخذ القرار من طرف واحد هو الشيخ أبو الخير».
ويدل إصرار هؤلاء على وجوب مخاطبة الظواهري أن موقف الأخير من قضية فك الارتباط لم يكن محسوماً. وربما هذا ما يفسر عدم ظهور الظواهري لإعطاء الضوء الأخضر للمباشرة في فك الارتباط، وظهور أبي الخير مكانه في خطوة غير مسبوقة.
ومن الصعب التكهن حالياً بحقيقة موقف الظواهري من فك الارتباط، غير أن صمته الذي أعقب إتمام الخطوة يشير إلى أنه لا يمانع من ترك الآخرين يجربون وصفة أبي الخير، على أن يكون له موقف آخر بحسب التطورات ونجاح التجربة أو فشلها. غير أن غموض موقف الظواهري كانت له تداعيات قوية على الأرض، تطورت مؤخراً حتى وصلت لدرجة التهديد بشق صف «فتح الشام»، الاسم الجديد لفرع «القاعدة» في سوريا.
وتجلّى هذا التهديد من خلال المساعي التي جرى الحديث عنها في بعض وسائل الإعلام، بخصوص تشكيل «طالبان الشام».
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «السفير»، فإن العمل على تشكيل «طالبان الشام» كان خطوة جدية قام بالإشراف عليها سيف العدل وأبو محمد المصري. وكان هدف هذه الخطوة هو إبقاء اسم «القاعدة» حيّاً، وإيجاد شبكة واسعة من القادة والخلايا التي تأتمر بأوامر الظواهري مباشرةً من دون المرور عبر «فتح الشام» ومؤيدي فك الارتباط.
والغاية البعيدة من وراء ذلك هي الاحتياط من إمكانية استدراج «فتح الشام» نتيجة الظروف الخاصة بالصراع السوري، لتبتعد أكثر فأكثر عن قيادة التنظيم في خراسان، وبالتالي تجنب أن تتحول خطوة «فك الارتباط» من ضرورة لمواجهة ظرف معين إلى أمر واقع لا يمكن تغييره أو التحكم بتطوراته وتداعياته.
وقد انضم إلى مساعي هذين القياديين، جميعُ من انشق عن «جبهة النصرة» بعد فك الارتباط، ومن أبرز هؤلاء إياد الطوباسي أبو جليبيب الأردني قائد «النصرة» في الجنوب السوري، وبلال خريسات أبو خديجة الأردني قاضي الأمنيين، وكذلك أبو همام السوري القائد العسكري العام السابق. ولقي هؤلاء تشجيعاً خاصاً من الشيخ الأردني أبي محمد المقدسي الذي كان أول من دعا إلى تشكيل «طالبان الشام».
كما أن سامي العريدي المسؤول الشرعي العام السابق يؤيد هذا الاتجاه ويدفع نحو تقوية العلاقة مع خراسان، وذلك بالرغم من أنه لم يقطع علاقته مع «فتح الشام» نهائياً، حيث ما زال يشغل منصب عضو اللجنة الشرعية. ومن غير المستبعد أن يكون السبب وراء عدم انشقاقه هو محاولة ممارسة التأثير على قادة «فتح الشام» من الداخل لمواجهة التيار الذي يريد اللحاق بالتطورات، ولو أدت إلى الانفصال عن «القاعدة» الأم.
لكن مساعي تشكيل «طالبان الشام» اصطدمت بعقبتين اثنتين: الأولى تسريب المعلومات حولها إلى الإعلام، برغم أن التسريبات لم تذكر اسمي سيف العدل وأبي محمد المصري من بين القائمين على التشكيل. والثانية هي الهزيمة المدوية التي لحقت بالفصائل المسلحة في حلب، والتداعيات الكبيرة التي من المتوقع أن تحصل بسببها وخصوصاً على صعيد عودة الحديث عن اندماج الفصائل وتوحدها ضمن كيان جامع.
وبسبب ضغط هاتين العقبتين، اضطر سيف العدل وابو محمد المصري إلى تعميم رسالة باسميهما حول موقفهما من تطورات الساحة السورية بعد هزيمة حلب. وهي المرة الأولى التي يصدر فيها موقف من هذين القياديين بخصوص هذه الساحة، برغم جميع التعقيدات التي مرت عليها منذ دخولهما إلى إدلب أواخر العام الماضي.
وقد حصلت «السفير» على نسخة من هذه الرسالة التي كان يفترض ألا تكون علنيةً، وأن يقتصر توزيعها على نطاق ضيق فقط.
ومما جاء في هذه الرسالة أن «علينا من جانبنا أن نجنب الساحة السورية المزيد من الانشقاقات والخلافات، وأن يعمل الجميع واضعاً نصب عينيه مصلحة الساحة الجهادية أولاً، ويدع كل رغباته الشخصية خشية أن نخسر كل شيء». ودعيا «الجميع إلى إجراء مراجعة شاملة لكل ما حصل من أخطاء وإنجازات، ووضع برنامج عمل صحيح يدفع عجلة الجهاد بالاتجاه الصحيح».
وكان من اللافت تشديد القياديين في رسالتهما على «تجنيب الساحة أي انشقاقات وتأجيل الخلافات إلى وقت آخر حتى نتمكن معاً من اجتياز هذه الأزمة». وهذا يعني في ما يعنيه أن الخلافات مستمرة وأن مشروع «طالبان الشام» لم يلغ، بل جرى تأجيله فقط.
لكن هذه الرسالة التي نشرت «السفير» بعض فقراتها، تشكل دليلاً قاطعاً على أن تنظيم «القاعدة» لم يرفع يده عن الساحة السورية، وأنه ما يزال يتدخل في كل شاردة وواردة فيها. كما أن احتشاد هذا العدد من كبار قادة «القاعدة» ذوي الثقل المعنوي والرمزي الكبير داخل التنظيم، في محافظة إدلب، يشير إلى أن هذه المحافظة تحولت بالفعل إلى قندهار الشام. وما يزيد من خطورة الأمر، أن القائمين على تشكيل «طالبان الشام» يسعون إلى استقطاب عدد من قيادات تنظيم «داعش» لضمه إلى صفوفهم. وهنا يتخوف البعض من أن يكون انشقاق بلال الشواشي، تونسي الجنسية، ورفاقه عن «داعش» وهروبهم إلى إدلب، مؤخراً، إنما يأتي في هذا الاطار.
(السفير)