بقلم ناصر قنديل

حكومة في لبنان وكيري في السعودية: إقفال الدفاتر قبل نهاية العام

 

ناصر قنديل

 – يكشف التفخيخ الذي تعرّض له مسار التزامن في خروج مسلحي الأحياء الشرقية في حلب مع محاصري الفوعة وكفريا، أنّ السعودية التي وجدت نفسها خارج التسويات الخاصة بسورية بعد تبوّء تركيا بالانفراد كرسي الرعاية للضفة الخاصة بفصل المعارضة عن جبهة النصرة، وظفت نفوذها على جبهة النصرة لتخريب التوافق وتعطيل التنفيذ، أملاً باستعادة دور في التسوية التي يبدو قطارها مستعداً للإقلاع وفقاً للتوازنات التي رتبتها معارك حلب، والتي قالت بسقوط مشروع الرهان على استثمار جبهة النصرة في المعادلة السورية. والتسوية هنا ليست بين طرفين سوريين رغم ظاهر الإخراج الذي تستدعيه، في صياغات سورية ظاهرة، إنها تسوية قاعدتها روسية أميركية بالتسليم الأميركي بهزيمة مشروعها في سورية وارتضاء عنوان الحرب على الإرهاب مخرجاً لتموضع جديد، وتكتمل بعد حلب بتسوية سورية تركية ترعاها روسيا وإيران برضا أميركي، محورها حسم وحدة سورية وسيادتها في ظلّ مؤسساتها الدستورية، وخصوصاً الرئاسة والجيش، ليتمّ دمج عناوين سورية محسوبة على الأميركيين والأتراك، توضع في رصيدهم القدرة الأميركية والتركية في الحرب على داعش تحت عنوانَيْ درع الفرات وقوات سورية الديمقراطية، لحجز مقاعد في حكومة سورية موحّدة، تمهّد لانتخابات وتكون العنوان للشراكة الدولية الإقليمية لأميركا وروسيا وتركيا وإيران في الحرب على الإرهاب.

 

– اللعبة السعودية مع النصرة من خارج قواعد المرحلة الجديدة، وتأتي دعسة ناقصة في غير مكانها، فيتحرك وزير الخارجية الأميركي جون كيري نحو الرياض لرسم خطوط المرحلة الجديدة، وعناوينها، إقلاع التسوية في اليمن وتسيير التسوية في سورية، ولا مانع من تسوية تضمّ دوما في ريف دمشق الموقع الأخير للجماعات المحسوبة على السعودية على طريقة الحصص التركية في التسوية. لكن قطار التسوية يجب أن يُقلع قبل تسلّم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مهامه، وإلا خاضت السعودية حرباً يائسة وعبثية وبلا أفق شهوراً طويلة قبل أن تنفتح مجدّداً آفاق تسوية، وستتعرّض لحرب استنزاف لن تتمكن من استدراج إيران إليها لتوريط واشنطن وطهران في مواجهة مباشرة على خلفية مواقف دونالد ترامب من الملف النووي الإيراني. والتسويات مسارات متعرّجة تتيح المناورات وتحقيق المكاسب الظرفية، وليس قرارات إجرائية بحلول سحرية، فالحرب تستمرّ على نار هادئة في ظلالها وتلتهب نيرانها في وجهات جديدة وتخمد في الوجهات القديمة وعلى السعودية حزم أمرها.

– في قلب هذين المسارين السوري واليمني، والحراك الأميركي نحو السعودية لضبط إيقاع مشاغباتها، نجح لبنان في زمن قياسي باستيلاد حكومة العهد الأولى بثلاثين وزيراً ضمّت أغلب القوى السياسية، ولبّت الكثير من المتطلّبات التي كان كثيرون يعتبرونها طلبات تعجيزية يطرحها حزب الله، ويتبنّاها رئيس المجلس النيابي لتخريب الإقلاع في تشكيل الحكومة الأولى واستطراداً استرهان العهد وإضعافه في بداياته الأولى، ليقول التشكيل الجديد وبالسرعة والمضمون، أن لا تعقيد مفتعل للحؤول دون تشكيل الحكومة، ولا في مسار إقلاع العهد، بل احتواء للمشكلات وتذليل للعقبات التي قد تنال من هيبة هذا الإقلاع إذا تمّ تجاهلها، وتنفجر من خلفها شكوك واتهامات وانقسامات وعصبيات، لا يريدها حزب الله للعهد، وقد نجح في ما سعى إليه. وهذه النقطة الثانية، أيّ النجاح المتتالي لحزب الله في حسم وإنجاز الاستحقاق الرئاسي والاستحقاق الحكومي، وفقاً لما طرحه مع اليوم الأول لحضور كلّ منهما، العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ممر إلزامي، وحكومة ثلاثينية تضمّ جميع الحلفاء وتمثل من بينهم تيار المردة بصورة وازنة، وتتبنّى السعي لقانون للانتخابات يعتمد النسبية. وهذا كان لافتاً في كلام رئيس الحكومة بعد الإعلان عن حكومته بأنّ الحكومة ستلتزم السعي لقانون انتخاب جديد، يعتمد النسبية وصحة التمثيل، لتتمّ الانتخابات على أساسه منتصف العام المقبل.

– لقد نال رئيس مجلس النواب نبيه بري الكثير من سهام التشكيك في نياته الحكومية، وها هي الحكومة الجديدة تنصفه، فيقدّم التضحية لحلّ عقدة تمثيل تيار المردة من حصته الحكومية، ويضمن تمثيل المرأة في حكومة بزيارة يتيمة هي التي سماها بري، بينما ذهب رئيس الحكومة سعد الحريري لتبني ما سبق لبري ونادى به من كوتا للمرأة في القانون الجديد للانتخابات، لكن ليبتكر وزارة لشؤون المرأة يسندها لرجل.

– تمثل القوميون برئيسهم، وكان طلبهم أن يتمثلوا بوزير لا يتيح لحزب القوات اللبنانية الادّعاء بالقدرة على وضع الفيتو على التمثيل المسيحي، بعد نجاح القوات بإحراج الكتائب لإخراجه، لأنه لم ينوجد من بين حلفاء الكتائب مَن يفعل ما فعله الرئيس بري مع المردة ويمنحه حقيبة من حصته، لكن تمثيل القوميين مسؤولية في كلّ حال، خصوصاً بتولي رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزارة الدولة لشؤون مجلس النواب، التي قد تبدو في ظاهرها مجرد ترضية شكلية، بينما في الواقع وزير الدولة هو الوزير السياسي في الحكومة وشؤون مجلس النواب محور عمل هذه الحكومة من موقع ما يمثله السعي لإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، بالتعاون بين الحكومة والمجلس النيابي، وللقوميين مقاربتهم ومشروعهم ومهمّتهم التي سيضعون ثقلهم لتبصر النور كلياً أو جزئياً، وهي قانون يعتمد النسبية الكاملة على مستوى لبنان دائرة انتخابية واحدة. سيتسنّى للقوميين عبر وزارتهم أن يبيّنوا للأطراف المتوجّسة من هذه الصيغة لقانون الانتخاب كيف أنها تنصفهم أكثر من سواها، ليخوضوا نضالهم في المجتمع والرأي العام بالتوازي مع نضالهم السياسي من منبرَي مجلس الوزراء ومجلس النواب.

– أليس المجيء السريع للحكومة بشروط كانوا يرفضونها تعبيراً عن شيء يشبه الذي جاء بهم من قبل للخيار الرئاسي الذي كانوا يرفضونه ويشبه الذي يجري في كلّ من سورية واليمن؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى