العرب والغرب و”إسرائيل” عودة الاستعمار الغربي لاستعباد العرب د.بثينة شعبان
بالتزامن مع انعقاد القمة الخليجية بزعامة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا مي صدر التقرير الأخير للمجلس الأطلسي والذي أعدته مجموعة عمل خاصة عن الشرق الأوسط ترأستها مادلين أولبرايت وستيف هادلي. وفي الوقت ذاته يكتب أفيدور ليبرمان وزير الحرب الإسرائيلي مقالاً عن أمن اسرائيل في شرق أوسط مضطرب يقترح فيه التخلّي عن حدود سايكس بيكو لصالح دويلات عرقية ودينية تنسجم مع إسرائيل وتتعاون معها. ويتناغم معه وفي ذات اليوم عملاء أمثال فهد المصري ” منسق جبهة الإنقاذ السورية المعارضةّ” ومحمد حسين رئيس حركة “سوريا السلام” بأن “سورية الجديدة لن تكون قوة معادية لإسرائيل” وأنهما يعملان مع قواتهما لإنهاء هذا العداء وأنه لديهما ثقة بالإسرائيليين وما يقولونه لهم. في تقاطع هذه الخيوط مع القرار الأمريكي باستئناف إرسال السلاح إلى عملائهم في سورية رسالة جدّية وخطيرة يجب التوقف عندها وتحليل مؤشراتها المستقبلية.
أما القمة الخليجية فلا جديد بها إذ أن مشيخات الخليج كانت سابقاً محميات بريطانية منذ القرن الثامن عشر وتعززت هذه العلاقة بشكل كبير في القرن التاسع عشر حيث كانت العشائر الحاكمة في الإمارات التسع (قطر، البحرين، دبي، أبو ظبي، راس الخيمة، الفجيرة، الشارقة، عجمان) تابعة للتاج البريطاني وتحظى بحمايته وحين سيطر عبد العزيز ابن سعود على نجد في مطلع القرن العشرين، وقع الانكليز معه معاهدة دارين عام 1915 التي اعترفت بموجبها لندن بسيادة ابن سعود على نجد مقابل عدم اعتدائه على امارات الخليج ومشاركته في الحرب العالمية الأولى بجانب بريطانيا ضد تركيا. ومتابعة هذا التاريخ تُري أن الخليج ما زال عبارة عن محميات بريطانية مدعومة أمريكياً، ولذلك فإن ترأس رئيسة وزراء بريطانيا للإجتماع بدا طبيعياً كما كانت كل نتائج الاجتماع تصبّ في مصلحة بريطانيا واسرائيل وأعداء العرب والعروبة.
وفي السياق ذاته فإن تقرير المجلس الأطلسي ومقال ليبرمان، مثلهما مثل اجتماع الخليج يؤكدان على الإنتهاء من مرحلة سايكس وبيكو واقتراح خرائط جديدة للمنطقة تفرض علاقات تبعية وتعهدات استعمارية تُنبأ بعودة الغرب إلى العصور المظلمة للتسلط الأجنبي في المستقبل القريب ضمن مخطط إعادة صياغة الشرق الأوسط بعد أن أفشلت سورية وحلفاؤها مخططاتهم بإسقاط سورية وإلحاقها بالمحميات التابعة لهم مباشرة، فما هو هذا المخطط الجديد؟
ردود الأفعال الأمريكية على الإنتصار الذي حققه الجيش العربي السوري في حلب على عملائهم الإرهابيين بعد أن حاولوا إنقاذهم بكافة الطرق على مدى العامين الماضيين، واستخدموا الدبلوماسية والأمم المتحدة ومجلس الأمن والحملات الإعلامية من أجل إنقاذهم وفشلوا، بعد هذ الفشل قررت الولايات المتحدة استئناف إرسال السلاح ولكن ليس إلى حلب لأن الإرهابيين تركوا اسلحتهم في حلب وفرّوا، ولكن إرسال السلاح إلى عملائهم، ونكتشف أن هؤلاء العملاء هم قوات سورية الديمقراطية في الرقة والحسكة ودير الزور. إذاً انتقل داعم الإرهاب إلى المربع الأخير على الأرض السورية علّه يتمكن من أن يؤمّن محمية لعملائه على الأرض السورية ووافق البنتاغون فوراً على إرسال مئين من قواته الخاصة، وقد يكون العدد أكبر من ذلك، وإرسال الأسلحة في محاولة أخيرة لتأمين عملائهم ببقعة جغرافية ما على الأرض السورية وربما العراقية أيضاً في خرائط جديدة تفرزها أذهانهم الإستعمارية لأرضنا المقدسة وأوطاننا العزيزة.
تقرير المجلس الأطلسي يتحدث عن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعن تحقيقها من خلال دعم “الحلفاء والأصدقاء” وهو التعبير السياسي عن العملاء والخونة لأنهم توصلوا إلى قناعة أن القادمين من الخارج لا يمكن أن يغيّروا وجه الشرق الأوسط ولذلك فإن اعتمادهم سيكون على الخونة من داخل هذه البلدان وأنهم سيتواصلون مع كل فئات الشعب وليس فقط مع الحكومات بل مع الشباب والنساء، ومن خلال التعليم والتدريب وخلق قنوات التواصل مع أعداء الأمس تحت عنوان ” مقاربة استراتيجية جديدة تؤكد على الشراكة” والمطلوب هو “مقاربة للمنطقة برمتها”. وسيتصدر هذا الجهد لاعبون محليون وإقليميون (أي عملاء) بدعم من القوى الخارجية (الاستعمارية) وسوف يستثمر هذا الجهد في الرأسمال البشري الغني وخاصة في مواهب الشباب والنساء (لتجنيد العملاء والخونة والمرتزقة).
إنّ هذا يعني عودة الإستعمار بشكل جديد إلى الأرض العربية لضمان أمن اسرائيل ونهب المزيد من ثروات العرب، ولهذا فإن عملاءه يصرّحون عن استعدادهم لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني كي يحجزوا لأنفسهم مكاناً “كعملاء شركاء” في هذا الواقع الجديد. كما أنه يعني بأن الغرب وكما صرّح ليبرمان لم يعد يعترف باستقلال دول الشرق الأوسط وفق سايكس وبيكو بل يعمل اليوم على خلق واقع جيوستراتيجي جديد لا مكان للصراع العربي الاسرائيلي فيه لأنهم يحاولون تنصيب عملاء اسرائيل أوصياء على مناطقهم كي يخلقوا حالة التعاون والسلام بين المعتدي والمعتدى عليه، وبين من يحتل أرضاً ومن يرى أرضه محتلّة. وهذا يعني بالنسبة لنا شحذ الهمم والاستعداد لمعارك طويلة ربما اقصرها كانت معركة حلب، لأن الخطط والجهود اليوم هي من أجل معارك طويلة ومعقدة يشكّل بها الخونة والعملاء عاملاً أساسياً تحت مسمى “شركاء اقليميين” يحاربون نيابة عن المحتل الأجنبي اخوانهم في اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا كعملاء وخونة. لقد كان بحث “لاختراق النظيف” عام 1997 يؤشر في هذا الاتجاه من خلال الدعوة لاستخدام “حلفاء أو عملاء” الداخل لتمزيق الوطن العربي والذي بدأت المخططات لتمزيقه في مؤتمر كامبل بئرمان الذي عقد في لندن عام 1905 نسبة لرئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت كامبل بئرمان، واستمر انعقاده حتى عام 1907 والذي راى أن خطورة الشعب العربي تأتي من عدة عوامل يمتلكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان” ولذلك لا بد من تمزيق هذا الشعب وتفتيته.
مخطط قديم حديث لا يكلّ ولا يملّ، لأن العالم العربي هو قلب العالم ولأن جغرافيته وثرواته المادية والبشرية وأهله وأرضه يمتلكون مقومات هي محطّ طمع الآخرين. فهل يمكن أن نتوقف عن توصيف استراتيجيات الآخرين ووضع الاستراتيجيات المضادة النابعة من قناعتنا بضرورة خلق واقع جديد وتحصينه يلغي حدود سايكس وبيكو ولكن من أجل تجميع وتكثيف الطاقات العربية وتمكينها من خلق واقع يليق بمقدراتها وامكاناتها؟
يبدو أن من يرغب بالاستمرار بالعيش على هذه الارض عليه أن يبقى مقاتلاً أبدياً من أجل حريتها وعزتها وكرامتها.