سوريا تستعيد حلب: إيلي حنا
مساء أمس، كرّت سبحة الانهيارات في صفوف المسلحين في أحياء حلب الشرقية. الانهيار الكبير لم يكن وليد ساعته ، بل نتيجة ضغط نفسي وعسكري كبير يمارسه الجيش السوري وحلفاؤه في تلك الأحياء. أهم نتائج ذلك الضغط هو تحرير 80% من الأحياء، إضافة إلى دخول عدد كبير من المجموعات باب التفاوض مع الدولة السورية، لتبقى صيغة إخراج تلك المفاوضات بين «تسوية أوضاع» و«باصات إدلب الخضراء». أما «العقدة» الوحيدة فهي قرار البعض الانتحار. وهذا الأمر ــ بحسب مصادر قيادية في حلب ــ لن يغيّر شيئاً في المجموعات التي بلغت اليأس. فالقرار واضح وحاسم وسريع: كل حلب ستعود قريباً جداً، والمعركة الاستراتيجية والنفسية انتهت. سوريا استعادت حلب، وبقيَ رفع الأعلام
لم يعد أمام مسلحي الأحياء الشرقية في مدينة حلب من خيارات سوى القبول بتسوية بشروط الدولة السورية، أو الذهاب نحو قتال يائس في بقعة تتآكل بسرعة يوماً بعد آخر.
عملياً، عجلات هذه التسوية دارت منذ أيام وأنتجت اتصالات عديدة بين مسؤولين معارضين وممثلين عن الجيش السوري، إذ يعيش المسلحون منذ أسبوع أياماً عصيبة تحت ضغط نفسي وعسكري كبيرين، مع تواصل الهجمات والقصف على مواقعهم، وتمكّن الجيش والقوى الرديفة من تحرير أحياء إضافية من المدينة، بأسرع ممّا كان يتوقع أكثر المراقبين تفاؤلاً. مصادر عليمة بالجبهة في حلب تروي أنّ قادة المسلحين، بسبب وضعهم السيّئ للغاية، علّقوا آمالهم على إصدار مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، قراراً بهدنة في المدينة. أكثر من ذلك، حاول حلفاؤهم في ريف حلب فتح جبهة جمعية الزهراء، غرب المدينة، في محاولة للقول إنّ المحاصرين في الأحياء الشرقية غير متروكين، لكن لم يحدث أيّ تغيير هناك، بل إنّ المصادر تؤكد أنه حتى لو نجح الهجوم جزئياً، فإنه لن يغيّر شيئاً في قرار المعركة. كذلك عمل المسلحون على خلق معادلة شبيهة بمعادلة «كفريا والفوعة ــ مضايا والزبداني»، عبر قصفهم المركّز والعنيف على قريتي كفريا والفوعة الإدلبيتين المحاصرتين من قبلهم، وإزهاق أرواح عشرات المدنيين هناك، لكن أيضاً من دون نتيجة. القرار محسوم، يقول أحد القادة الميدانيين، بإعادة كل أحياء المدينة إلى سلطة الدولة السورية وقرارها. هذا القرار الذي تدعمه موسكو، وصل عبر قنواتها إلى واشنطن وأنقرة، والأخيرتان أبلغتا مسؤولي المجموعات المحاصرة بذلك، وهذا ما زاد الضغط النفسي عليهم، وأكد أنّ لا مجال لهم في حال أرادوا النجاة سوى القتال أو التسليم.
ويروي قائد ميداني أنّه منذ صباح أمس كانت الخطّة تقضي بتخفيف الضغط على محاور القتال إفساحاً في المجال أمام التواصل مع المسلحين الذين قبلوا التفاوض. ومنذ يومين، تؤكد الاتصالات السورية معهم أنه ليس أمامهم من خيارات أخرى. ومثلاً، وصلت طلائع الجيش السوري إلى مستشفى العيون أول من أمس، ليصبح على بعد مئات الأمتار من قلعة حلب. وفي حال وصول الجيش إلى القلعة، تُقسّم الأحياء الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة المسلحين إلى قسمين محاصَرين. لكن الجيش ترك الثغرة مفتوحة، وبعث برسالة إلى المسلحين مفادها أنّ من يريد الانسحاب جنوباً فليفعل بسلاحه الفردي فقط، تاركاً الأسلحة الثقيلة والآليات. أما الخيار الآخر، فمحصور في تسليم نفسه لتسوية أوضاعه.
ويشير القائد الميداني إلى أنّ مجمل المجموعات السورية لم يعد لديها أزمة في التفاوض أو التواصل مع الحكومة، لكن مشكلتها أنه لا رأس واحداً لها لاتخاذ القرارات. ومنذ ساعات ليل أمس، حتى فجر اليوم، كان العشرات من المسلحين يسلمون أنفسهم، ومسؤولو مجموعات أخرى يرتقون في سلّم التسوية ويبحثون عن طريقة للإخراج لا أكثر؛ فمنهم من وافق على تسليم أفراده، وآخرون يبحثون مسألة الخروج نحو إدلب، ما عدا بعض المجموعات، وخصوصاً التي يغلب عليها العنصر الأجنبي، ما زالت تحثّ على القتال وترفض أي صيغة تسووية.
وهنا، يقول القائد الميداني إنّ الجيش السوري وحلفاءه سيعطون فرصة للمجموعات التي تريد التفاوض عبر مدة زمنية قصيرة جداً، والقرار بالتعامل الحاد عسكرياً مع التنظيمات التي ستقرر البقاء والقتال أو تخريب المفاوضات.
ويتابع أنّ مدينة حلب نفسياً واستراتيجياً أصبحت بحكم المحررة، وما سيجري التعامل معه ابتداءً من صباح اليوم هو فلول من المجموعات اليائسة المقسّمة بين مريد للرحيل إلى إدلب، وقابل بتسوية أوضاعه مع الدولة، أو منتحر سيقضي في القتال.
وهذه النتيجة السريعة أمس، جاءت بعد تقدّم مبهر لقوات الجيش السوري وحلفائه إثر السيطرة على أكثر من 80% من مساحة الأحياء الشرقية، بعد انسحاب المسلحين أيضاً فجر أمس من حي باب الحديد ومناطق أخرى في حلب القديمة، وذلك بعد أسبوعين على بدء العمليات المباشرة. وبذلك استعاد الجيش قطاعاً جديداً من الأحياء الشرقية كان يعتبر قلب مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في المدينة، مع تحريره أحياء الشعار وكرم الدادا وكامل حي كرم القاطرجي، إلى جانب تقدمه من المحور الجنوبي الشرقي وسيطرته على حيّي الشيخ لطفي والمرجة.
وبالتوازي مع التقدم الأخير في المدينة، شدّدت دمشق على رفضها لأي هدنة لا تتضمن خروج جميع المسلحين من المدينة. وأوضحت وزارة الخارجية في بيان أن «سوريا لن تترك مواطنيها في شرق حلب رهينة لدى الإرهابيين وستبذل كل جهد ممكن لتحريرهم»، مؤكدة أنها «ترفض أية محاولة من أية جهة كانت لوقف إطلاق النار شرق حلب، ما لم تتضمن خروج جميع الإرهابيين منها». وأعربت عن «امتنان دمشق لموسكو وبكين اللتين استخدمتا حق النقض في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يتحدث عن هدنة لا يتضمن خروج المسلحين».
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن مجمل عدد المدنيين الذين خرجوا من المدينة لا يتجاوز عشرين ألفاً، والعدد المتبقي في القسم الجنوبي من الأحياء الشرقية يوازيه أو أكثر بقليل، وهذا ما ينفي كل التقارير الغربية والاعلامية، وتصريحات الدبلوماسيين المعارضين لدمشق، عن وجود أكثر من مئتي ألف مدني في تلك الأحياء.
لافروف: لا حلّ سوى القضاء على المسلحين الرافضين المغادرة
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ «المسلحين الذين قد يرفضون مغادرة شرق حلب من تلقاء أنفسهم، سيتم القضاء عليهم، وليس هناك حل آخر». واتهم خلال مؤتمر صحافي مع الأمين العام لمجلس أوروبا نثوربيورن يغلاند، الولايات المتحدة برفض بحث مسألة خروج الفصائل المسلحة «بجدية». وقال إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «طلب مني دعم وثيقة تتفق مع رؤية روسيا… غير أننا تلقينا أمس (الاثنين) رسالة تقول إنهم (الجانب الأميركي) لن يحضروا اللقاء غداً (الأربعاء)، لأنهم غيّروا رأيهم وسحبوا الوثيقة»، مضيفاً أن «لديهم الآن وثيقة جديدة تعيد كل شيء إلى النقطة الصفر».
وأعرب عن حزنه وأسفه «لمواصلة الدول الغربية، التي تبدي كل يوم قلقها على حقوق الإنسان وعلى الوضع الإنساني في حلب وفي سوريا عموماً، دعم المسلحين المتطرفين»، مشيراً إلى أن مقاتلي المعارضة «خطّطوا بتعاطف مع دول أجنبية» لقصف المستشفى الميداني الروسي في حلب.
من جهته، نفى كيري أن تكون بلاده قد رفضت عقد لقاء مع روسيا «لبحث خطة خروج مقاتلي المعارضة السورية من حلب»، مضيفاً أنه «لا يعلم بأي رفض أو بأية خطة جديدة» حول المدينة.
(الاخبار)