بدلا من توحيد القوى ينشغل الاكراد بالحروب الداخلية: تسفي برئيل
سيطرة الحكومة الفيدرالية”، صرح مؤخرا رئيس الاقليم الكردي في العراق، مسعود برزاني، في خطاب القاه بعد احتلال مدينة بعشيقة شمالي الموصل. واضاف: “لن تكون ايضا حاجة الى استفتاء شعبي”.
أثار هذا التصريح عاصفة ليس فقط في “المنطقة الخضراء” لبغداد، حيث تتجمع الوزارات الحكومية ومساكن المسؤولين بل وأيضا في واشنطن، دمشق، طهران وموسكو. ولكن ليس في أنقرة. فالترجمة العملية للتصريح توضح بان الاقليم الكردي سيواصل التوسع الاقليمي الى كل المناطق التي يقاتل فيها الاكراد ضد داعش في اراضي العراق، وان المادة في الدستور العراقي التي تقول انه في المناطق “موضع الخلاف” يجرى استفتاء، لا تساوي الورق الذي كتبت عليه.
“المناطق موضع الخلاف” تتضمن أيضا مدينة كركوك التي يرى فيها الاكراد جزء لا يتجزأ من الاقليم، وكل المناطق التي يسكن فيها سكان مختلطون، أكراد، عرب وتركمان.
واشنطن وموسكو تعارضان توسيع المنطقة الكردية، حفاظا على وحدة العراق في دولة فيدرالية. والخوف الملموس هو أنه بعد المعركة على الموصل قد تنشأ حرب أهلية مضرجة بالدماء ليس فقط بين القوات التي تقاتل على تحرير الموصل، بل بين الاكراد والحكم العراقي على السيطرة في المناطق “المحررة”. تركيا بالمقابل، راضية جدا عن توسيع سيطرة الاكراد العراقيين، إذ أنهم يعتبرون حلفاء في صراع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر منظمة ارهابية وضد الاكراد السوريين الذين يتطلعون الى اقامة حكم ذاتي في منطقة الحدود بين تركيا وسوريا.
ولكن هذه المنظومة من المصالح معقدة ومركبة اكثر بكثير مما تبدو سطحية. ففي الاقليم الكردي في العراق يدور منذ اشهر عديدة صراع سياسي ضد طبيعة حكم البرزاني. وفي الاسابيع الاخيرة تعاظم الاحتجاج ضده، حين خرج موظفون ومعلمون للتظاهر في مدينة السليمانية في شرقي الاقليم احتجاجا على الازمة الاقتصادية، على تأخير دفع الرواتب والذي يستمر لاشهر احيانا، وعلى الفساد في الحكم.
احتجاجات في الاقليم الكردي
بلغت الاحتجاجات ذروتها قبل نحو اسبوعين، حين هدد الموظفون بالتوجه مباشرة الى الحكم في بغداد لتلقي الرواتب منه واحد قادة معارضيه السياسيين، رئيس البرلمان الكردي ورجل حزب “غوران” (التغيير) يوسف صديق، دعا الحكومة العراقية الى قطع علاقاتها مع البرزاني ومع حكمه في أربيل عاصمة الاقليم ونقل النصيب الذي يستحقه الاكراد من ميزانية الدولة (17 في المئة من المداخل) مباشرة الى المحافظات الكردية وليس عبر الحكومة الكردية. الخلاف الشديد بين البرزاني وحزبه، الحزب الكردي الديمقراطي، وبين حزب غوران، بدأ في الانتخابات للبرلمان في 2013، والذي فاز فيه غوران بربع مقاعد البرلمان وهكذا هز الوضع الراهن السياسي الذي كان بين حزب البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردي، بقيادة جلال طالباني. حزب طالباني ابن الـ 83 والذي يعاني من جلطة دماغية، يتعاون مع حزب غوران وكلاهما يطالبان البرزاني باخلاء كرسيه بعد أن انتهى موعد ولايته الدستورية في 2013 وقبل سنة انتهى تمديد السنتين الاضافيتين اللتين اعطاهما البرلمان.
ان معارضة استمرار ولاية البرزاني لا تعتمد فقط على المواد في الدستور، بل أساسا على طبيعة حكمه. فهو يقرب ابناء عائلته، يسيطر على مصادر الدخل، يعمل بدون التشاور، ولا يقل عن ذلك، أقال وزراء من حزب غوران بشكل غير قانون. وكنتيجة للاقالات بقي الحكم الكردي بلا وزير مالية وبلا وزير دفاع، حيث يقوم بمهامهما رئيس حكومة الاقليم نشريفان برزاني ابن اخت مسعود برزاني.
والبرزاني لم يقل الوزيرين فقط، فقوات امنه منعت رئيس البرلمان، صديق، من الدخول الى مبنى البرلمان في أربيل، حين كان في طريقه من السليمانية الى العاصمة. ومنذئذ لا ينعقد البرلمان ولا يجري التشريع بحيث أن البرزاني يدير عمليا الاقليم من خلال المراسيم. ولكن شراكته مع الحكومة التركية والحرب الناجحة التي تديرها قوات البشمركا ضد داعش جعلت البرزاني مصنا من الانتقاد الدولي كما ان الحكم في العراق لا يمكنه ان يقف ضد تطلعاته ولا سيما لان قوات البشمركا تتعاون مع الجيش العراقي ضد داعش وتحظى بدعم مكثف من الويات المتحدة.
هذه المكانة المتينة تشجع البرزاني على الحديث علنا عن نيته لاقامة دولة مستقلة ما أن تتحرر الموصل، وهي نية ليست مقبولة في هذه اللحظة من خصومه السياسيين، رغم الرؤيا المشتركة لنيل اعتراف دولي بدولة كردية. يدعي خصومه بان في هذا الوقت لا منفعة في اعلان كهذا، من شأنه أن يلحق اضرارا جسيمة، سواء لان تركيا وايران اللتين تشكلان قاعدة اقتصادية هامة للاقليم قد تفرضان عقوبات على الاقليم، أم لان الولايات المتحدة ستعارض ومن شأن العراق ان يفتح حربا وفضلا عن هذه المبررات المنطقية، كما يخشى الخصوم، وهؤلاء يضمون ايضا حزب الاتحاد الوطني الذي يوجد مركز قوته في مدينة السليمانية، فان دولة كردية من شأنها أن تكون هي أيضا “دولة البرزاني”.
المواجهات الجديدة في الاقليم الكردي ليست جديدة. فمذكورة بسوء الحرب الاهلية الكردية التي دارت رحاها في بداية التسعينيات على توزيع مداخيل النفط عندما كان العراق تحت نظام العقوبات وكان النفط يهرب منه عبر الاقليمي الكردي. وتعمق الشرخ بين البرزاني وطالباني في حينه الى داخل القبائل والعائلات وعلى مدى السنين، حتى بعد المصالحة بينهما، كل طرف يعتبر عدوا للاخر وكل طرف كان له ولا يزال جيشه الخاص، اضافة الى الجيش الكردي المشترك. وهذه المرة لشدة الحظ، لا تزال المواجهات لم تؤدي الى سفك دماء والصراع بقي في الساحة السياسية، ولكن الخوف الشديد هو مما من شأنه ان يتطور بعد احتلال الموصل.
على الجانب الاخر من الحدود أيضا، في سوريا، فان مفهوم “الاكراد” يجعل من الخطأ التفكير بان هؤلاء هم مجتمع موحد، مصنوع من جلدة واحدة، يعمل بتناغم لتحقيق أهداف مشتركة. فما لا يقل عن دزينة من الاحزاب الكردية تعمل في المجال الذي بين الحدود الشمالية الشرقية لسوريا والقسم الشمالي الغربي منها. ويبرز بينها الحزب الديمقراطي الكردي PYD الذي تشكل في 2003، والمجلس الوطني الكردي KNC الذي تأسس في تشرين الاول 2011، بعد ثمانية اشهر من اندلاع الحرب في سوريا. وكلاهما يتشكلان من عدة احزاب او فصائل ولكل واحد مهما قوة عسكرية خاص به. الحزب الديمقراطي بقيادة صالح مسلم يتماثل مع ايديولوجيا زعيم حزب العمال الكردستاين عبدالله اوجلان، ولهذا فان تركيا تعتبره حزبا “ارهابيا” يجب تصفيته. وهذا الاسبوع رفعت في تركيا لوائح اتهام ضد نشطاء الحزب ورئيسه، فيما لو امسك بهم وادينوا فقد يقضون 30 مؤبد.
لحزبPYD توجد قوة عسكرية كبيرة، لجان الدفاع الشعبي، التي تقاتل في عدة جبهات – احداها ضد داعش بهدف طرده من الحدود بين تركيا وسوريا لاجل اقامة تواصل اقليمي كردي، والثانية ضد القوات التركية التي اجتاحت سوريا ولا سيما من أجل تطهير الحدود من تواجد الـ PYD وتصفية قيادتهم.
التدخل التركي
لقد أوضحت تركيا بانها لن تسمح باقامة اقليم كردي سوري على حدودها وهي تجسد اقوالها بالشكل الذي تدير فيه الحرب في سوريا. تركيا، بسرعة نسبية، وفي ظل الاستعانة بالجيش السوري الحر، تحتل المدينة تلو الاخرى في شمال سوريا وتفرض في هذه المدن والقرى حكما بتكليف منها، هدفه منع سيطرة رجالPYD واللجان الشعبية في المناطق التي احتلوها من داعش. كما أن تركيا عارضت ان يشارك الحزب الكردي الديمقراطي في المفاوضات السياسية، بخلاف موقف موسكو التي تعتقد بان من الحيوي اشراك الحزب اذا كان يراد منح المفاوضات شرعية جماهيرية.
لموسكو توجد حجة حاسمة اخرى لدعمها لـ PYD لرجال الحزب يعتبرون مؤيدين للاسد بل وعملوا في بداية الحرب لمنع المظاهرات ضده. من جهة اخرى، فان خصم الـPYD المجلس الوطني الكردي (KNC) هو حليف مسعود البرزاني، الذي ساعده لدى تأسيسه بالتمويل وبتدريب رجاله في مناطق الاقليم الكردي. كما أن تركيا ترى في الـ KNC حليفا جديرا بالمساعدة. هذا سبب وجيه بما يكفي لصراع داخلي بين هاتين الحركتين، اللتين الخلافات الايديولوجية بينهما يجب للمرء أن يبحث عنها بكشاف شديد القوة. فكلاهما تؤيدان ظاهرا اقامة اقليم كردي بحكم ذاتي، ولكن بينما الـ PYD يسعى لما يصفه بالكانتونات بتوزيع إداري، فان الـ KNC يتطلع الى اقامة حكم ذاتي موحد. من الصعب ايجاد تعريفات دقيقة أكثر للفوارق الايديولوجية، ويبدو ان كل حركة تسعى أساسا الى البقاء في ظل الاعتماد على حلفاء مختلفين.
المثير للاهتمام هو أن المواجهات بين الحركتين الكرديتين في سوريا – والتي وصلت مؤخرا حتى اعتقال نشطاء الـ KNC من قبل رجال الـ PYD تدحض الفكرة التي تقول ان الاكراد العراق والاكراد السوريين كفيلون بتوحيد القوى لتحقيق هدف قومي مشترك. كما أن من الصعب الاشارة الى اهداف استراتيجية مشتركة. إذ بينما تعتبر حرب الاكراد في سوريا ضد داعش تهديدا على تركيا فان حرب الاكراد في العراق ضد داعش تعتبر تهديدا، وان لم يكن مباشرا، على حكومة العراق، وتهديدا مباشرا على وحدة الدولة. ظاهرا، الكتلتان الكرديتان، في العراق وفي سوريا تريان في داعش عدوا، وهكذا فانهما تخدمان السياسة الدولية، ولكن كما هو معروف، فان لكل حرب توجد “مخارج حرب”، وعندها تبدأ الالغام في الانفجار في وجه السياسة.
هآرتس