حلب: عجلة الحياة تعاكس «تقسيمها» علاء حلبي
75 ليرة سورية فقط (1.5 $) أصبحت كافية ليتنقل أي مواطن من اقصى غرب حلب حتى أقصى الشمال. خطوط النقل الداخلي باتت متوافرة لنقل مَن يود مِن المواطنين نحو الأحياء التي سيطر عليها الجيش السوري مؤخراً في القسم الشرقي للمدينة التي بدأت تعود إلى الحياة بشكل تدريجي، بعدما عاشت أربع سنوات في قبضة الحرب والمسلحين.
وتأتي هذه التطورات في وقت تواصل قوات الجيش قضم ما تبقّى من مناطق لا تزال تحت سيطرة الفصائل المسلحة في الشطر الجنوبي من أحياء حلب الشرقية، ضمن عمليات عسكرية على عشرة محاور قتالية، وذلك بعد رفض المسلحين الخروج من هذه الأحياء، في حين أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن مسلحي «المعارضة» كافة في حلب يخضعون لأوامر تنظيم «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً).
قبل شهر، كان الانتقال من الأحياء الشرقية ذاتها إلى الشطر الغربي للمدينة يتطلب نحو 15 إلى 20 ألف ليرة سورية، إذ يجب السفر أولاً إلى محافظة حماه، ومنها إلى الأحياء الغربية. ورشات الصيانة التابعة لبلدية حلب تزيل ما تبقى من سواتر ترابية، كما تعمل ورشات أخرى على صيانة وتأهيل ما يمكن تأهيله من البنى التحتية في هذه الأحياء بعدما أنهت فرق الهندسة العسكرية الروسية والسورية عمليات تمشيطها وتفكيك ما تركه المسلحون خلفهم من ألغام.
نحو 150 عائلة عادت إلى الأحياء الشرقية في إطار الدفعة الأولى من عملية إعادة الأهالي إلى منازلهم، على أن تتبعهم دفعات أخرى بحسب تأكيد مصدر مواكب للعملية. يقول المصدر «يجري في الوقت الحالي تقديم المساعدات للأهالي، وتقديم الرعاية الطبية والصحية لمن يحتاج، وقد تم تجهيز قوائم بالأحياء التي باتت آمنة، كما جرى تنفيذ مسح سريع للأبنية التي يمكن لسكانها العودة اليها بعد التأكد من سلامتها، وبناء عليه تمت إعادة القسم الأول من أهالي المدينة».
ويقطن نحو 32 ألف مواطن، تم إخراجهم من أحياء شرق حلب، في مركزي إيواء رئيسيين، الأول في قرية جبرين شرق حلب، والثاني في المدينة الصناعية في الشيخ نجار، كما تتوزع عشرات العائلات على مبان سكنية عدة في أحياء حلب الغربية، أو لدى أقربائهم في تلك الأحياء.
عدد من الناشطين المدنيين في الأحياء الغربية أطلقوا حملة لجمع الملابس والمعونات الإضافية لأهالي الأحياء الشرقية. ويقول أحد القائمين على النشاط «البرد الشديد الذي نعيشه في حلب، وحالة أهلنا في تلك الأحياء تطلبت منا مساعدة الجهات الحكومية والإغاثية لتقديم ما يمكن تقديمه لأهلنا»، يضيف «الحرب قسمت حلب لشرقية وغربية، من قام بهذا التقسيم لا يعرف أن سكان الشطرين هم في الأصل أشقاء وأقارب وأبناء عم، الآن تمت إزالة هذه التقسيمات، وعادت حلب كاملة من دون أقسام، لذلك وكواجب منا قمنا بتنظيم هذه الحملة».
محافظ حلب حسين دياب اشار خلال حديثه إلى «السفير»، عقب زيارة ميدانية أجراها إلى الأحياء التي سيطر عليها الجيش السوري مؤخراً، إلى أن أبرز التحديات التي تواجهها المحافظة في الوقت الحالي «هي حجم الدمار الكبير في المرافق الخدمية من شبكات الكهرباء والمياه ومقسم الهاتف والمدارس».
واستعمل المسلحون خلال فترة سيطرتهم على تلك الأحياء المدارس والمباني الحكومية كمقارّ لهم، وتسببت المعارك العنيفة التي خاضتها الفصائل مع مسلحي تنظيم «داعش» قبل نحو عامين بدمار كبير في مقسم الهاتف وعدد كبير من الأبنية والمرافق الخدمية، أضيف إليها الدمار الذي خلفته المعارك الأخيرة.
وبهدف تسريع وتيرة إعادة الحياة إلى تلك الأحياء، ذكر محافظ حلب أنه «سيتم تسيير سيارات جوالة عائدة لفرع المؤسسة العامة الاستهلاكية، تتضمّن تشكيلة واسعة من السلع والمواد الغذائية، ستقوم بالتجول في شوارع حي هنانو يضاف إليها استمرار توزيع المساعدات الغذائية والاغاثية على الأهالي العائدين وتأمين الخدمات الصحية لهم عبر العيادات المتنقلة، وتوفير مياه الشرب من خلال تجهيز وتركيب عشرة خزانات كحل سريع ريثما يتم تأهيل شبكة المياه، كما سيتم افتتاح المدارس خلال ايام قليلة لإعادة الاطفال الى مقاعد الدراسة «.
ونفى محافظ حلب كل ما تم تناقله خلال الايام الماضية عن عمليات اعتقال نفذتها الأجهزة الأمنية طالت مواطنين تم إخراجهم من أحياء شرق حلب، مؤكداً ان «الحديث عار عن الصحة، وفي حال وجود أسماء حقيقية فلماذا لا يذكرونها للنظر فيها ومتابعتها؟»
تأمين المطار
وبالتوازي مع عمليات إعادة الحياة إلى الأحياء المُحررة، تتابع قوات الجيش عملياتها الضاغطة على المسلحين في ما تبقى من أحياء يسيطرون عليها، حيث وسَّعت القوات الحكومية دائرة سيطرتها في الجهة الغربية لقاعدة النيرب الجوية وجنوب طريق مطار حلب الدولي.
وذكر مصدر عسكري أن قوات الجيش السوري سيطرت على معظم حي الجزماتي واقتحمت أجزاءً من حي طريق الباب وباب النيرب من محاور عدة، في وقت تتابع القوات المتمركزة في حي الشيخ سعيد، أقصى جنوب غرب الأحياء التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، عملياتها للسيطرة على ما تبقى من الحي الذي يمثل خط الدفاع الأول بالنسبة للمسلحين من الجهة الجنوبية الغربية.
وتساهم عمليات الجيش السوري قرب قاعدة النيرب الجوية ومطار حلب الدولي وعلى الجهة الجنوبية لطريق المطار، في تسريع وتيرة تأمين محيطه لإعادة إدخاله في الخدمة بعد أربع سنوات على توقفه، الأمر الذي من شأنه أن يسرع في عمليات إنعاش المدينة.
«جيش حلب»… هروب الى الأمام
بعد ثلاثة ايام على إعلان تشكيل «جيش حلب» الذي يضم معظم الفصائل المرتبطة بتركيا داخل ما تبقى من أحياء شرق حلب، من دون ورود اسم «جبهة النصرة» بينها، والذي جاء بهدف «الدفاع عما تبقى من أحياء حلب»، فشل هذا «الجيش» حتى الآن في حماية أو تأخير تقدم قوات الجيش السوري على جميع محاور القتال، باستثناء جبهة الشيخ سعيد، علما أن هذه الجبهة تشهد معارك عنيفة قبل تشكيل هذا «الجيش».
واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني في روما، أن الإعلان عن تشكيل «جيش حلب» الجديد ليس إلا محاولة لتقديم «جبهة فتح الشام» تحت اسم مختلف، وإخراجها من تحت العقوبات الدولية المفروضة عليها.
وأضاف «أعيد إلى أذهانكم، أن بياناتنا تشير إلى كون كافة الفصائل في حلب الشرقية تقريبا، تخضع لجبهة النصرة، وإذا أعلنوا عن تشكيل هذا الجيش، فمن غير المستبعد أن يكون ذلك محاولة لتقديم النصرة تحت ماركة جديدة، من أجل تجنيبها العقاب الذي استحقته».
وتتوافق تصريحات لافروف الأخيرة مع تصريحات قيادة العمليات العسكرية في حلب، والتي أكدت أن العملية العسكرية لن تتوقف حتى استعادة كامل المدينة.
وفي وقت كان يردد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من بيروت، بعد لقائه الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل أن «(الرئيس السوري بشار) الأسد لا يصلح للبقاء في السلطة»، وأن «أنقرة تجري محادثات مع روسيا وإيران ولبنان في محاولة لإيجاد حلول للأزمة في سوريا»، أكد لافروف أن «المطالب برحيل الأسد غير مقبولة».
كذلك، بحث لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري في روما تفعيل المناقشات حول وقف القتال وآفاق الانتقال السياسي في سوريا.
وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أليزابيث ترودو، أن كيري أعرب للافروف عن قلق واشنطن العميق إزاء الوضع في سوريا، لا سيما هجمات تستهدف مدنيين في حلب، مشيرة إلى أن الوزيرين بحثا «الجهود الرامية إلى تفعيل المناقشات حول نظام وقف الأعمال القتالية وإيصال مساعدات إنسانية وآفاق الانتقال السياسي» في سوريا.
بدوره، اعتبر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، خلال كلمة ألقاها في مركز أبحاث «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، أن «الملايين في سوريا لن يقبلوا أن يُحكموا من قبل الأسد مرة أخرى»، مضيفاً «يجب إيجاد طريقة جديدة للمضي قدماً نحو الأمام، ويجب طي صفحة الأسد».
وفي تعليقه على الدور الروسي في العمليات العسكرية، أوضح أن «المملكة المتحدة ستواصل انتهاج مواقف متشددة تجاه روسيا، ولن تتجاهل الدور الروسي بالمجزرة الجارية في مدينة حلب».
(السفير)