حزب الله… بكل هدوء
ناصر قنديل
– يقارب حزب الله من ضمن النظرة الشاملة للوضع في المنطقة والمعارك الكبرى التي يشكل جزءاً عضوياً فيها وفي صناعة انتصاراتها المتدحرجة، مناقشات الداخل اللبناني وتشعّباتها، واتصالها بالإنجاز الكبير الذي حققه بالصبر والهدوء والبناء المثابر للوقائع التي ترجمت أخيراً بارتضاء الخصوم الاعتراف بأنّ خيار السير بالمرشح الذي اتهموا حزب الله بتخريب الاستحقاق الرئاسي وتعطيله بسب دعمه له، مخرجاً مناسباً لهم وللاستحقاق، حتى وصلوا أن سوّقوا لهذا الخيار كرهان على محاصرتهم لحزب الله وخياراته، وينظر الحزب بذات عين مقاربته السابقة للتحديات الجدية الراهنة واثقاً بذات الثوابت ونوع الأداء والعزيمة والروح والروية، التي تجمّعت له فهيأت هذا النصر في الظروف الأصعب والأشدّ تعقيداً، ولذلك وقد صبر سنتين ونصف على الاتهامات والتخويف واليأس والطريق المسدود ونجح بفتح الكوة في الجدار، فكيف ينفعل ولم يمض على النصر الرئاسي شهر بالكاد، يفترض أنه مهلة الاحتفال وتقبّل التهاني قبل البدء بالحديث عن المهام والتعقيدات والمخاطر، فلا يجوز وفقاً لمن صبر في الظروف الأصعب وظفر أن ينفعل بهذه السرعة بكلمة من هنا وموقف من هناك وتثبيط همم أو تهبيط حيطان من هنا وهناك معاً.
– يدرك حزب الله حجم المراهنات على الفتنة التي يشتغل على إشعالها بينه وبين التيار الوطني الحر، ويقارب هذا الرهان بمعادلاته الخاصة فهو يرى أنّ الاستثمار على الفتنة هنا هو اعتراف بأهمية وقوة ومتانة هذه العلاقة وحجم ما تشكل من مصادر قلق للمتربّصين بلبنان والمقاومة وحزب الله الذي يشكل حزبها الأبرز، والمسيحيين والتيار الوطني الحر الذي منح المسحيين وحقق لهم فوزاً كبيراً وبتحالفه مع حزب الله قدّم نموذجاً لتجذّر مسيحيّي الشرق بقوة معادلات شراكاتهم الوطنية لا بالرهان على علاقات بالخارج لم تجلب لهم خيراً بعدما جعلتهم وقوداً للثورات الوهابية التي لا تبشرهم بغير السبي والتهجير، ويعرف حزب الله محاولة التصيّد التي تنتظر التيار وقد ربح الرئاسة، لإبعاده عن حزب الله، وإغرائه، لكنه يثق بعلاقته بالتيار وزعيمه وبرئيسه ويعتبر أنّ الشهر الرئاسي زاده ثقة بخياره وبهذا التحالف وثبات التيار على الخيارات المتعاهد عليها بين الحليفين، وينظر حزب الله للمعادلة المفتعلة لوضع ثنائيتين مختلفتي الظروف والنشأة والدور بوجه بعضهما، كمشروع مصطنع، فلا التيار الوطني الحر ممتعض من ثنائية حزب الله وحركة أمل، وهو يعرف أسبقيتها على التفاهم معه، ويعرف ميدانها المختلف عن ميدان التفاهم الثنائي بين الحزب والتيار، وقد اختبر تعايش وتساكن تحالف الحزب مع الحركة والتيار ولم يجد ما يوصف بالتضارب والحاجة للمفاضلة، وحزب الله لا يعتبر أنه طرف برفض وقبول تفاهم التيار والقوات اللبنانية ويعرف أسبقية تاريخ التفاهم معه على هذا التحالف مع معراب، ويعرف ميدان العلاقتين المختلفتين، ويثق بأنّ إدارة التيار لهما تعرف كيف لا تضعهما وجهاً لوجه، لا في مفاضلة ولا في مواجهة، فكيف لحزب الله أن يرتضي معادلة تقوم على الخداع البصري عنوانها مواجهة بين ثنائيتين افتراضيتين شيعية ومسيحية، تعني ضمناً تبشيراً بمواجهة مسيحية شيعية ضحيتها الأولى العلاقة النوعية التي غيّرت وجه لبنان وصنعت رئاسته وهي العلاقة بين الطرفين الشيعي والمسيحي حزب الله والتيار الوطني الحر.
– لا يتوقع حزب الله أن تكون مسيرة تشكيل الحكومة بستان ورود، لكنها قطعاً ليست كمسيرة الاستحقاق الرئاسي تعقيداً داخلياً وخارجياً، كما لا يتوقع أن يكون وحلفاؤه على موجة واحدة من ملفات الحكومة وما يدور حولها، وقد تقبّل وتقبّلوا الخلاف والاختلاف في الملفّ الأهمّ وهو الرئاسة، ولم يفسد الخلاف في الودّ قضية، لأنّ الحوار والثقة وضبط الأداء على بوصلة أولويات شكلت جميعها صمامات الأمان للتحالفات التي صمدت في الظروف الأصعب وفي القضايا الأهمّ، وفي مراحل تشوّش إقليمية ودولية قياساً بالوضوح الراهن، ومثلما لم يخض الحلفاء المختلفون في خيار رئاسي مخالف وبقي اختلافهم اجتهاداً لا يحرج حزب الله في خياره الرئاسي، لن يخوض حزب الله في خيار حكومي متخلياً عن حلفائه الذين رافقوه المسار الرئاسي الموافقين والمخالفين له رئاسياً على السواء، مطالباً التيار بتفهّم هذا الخيار والتعاون لإنجاحه وتوفير مقتضياته، ومثلما العلاقة بالحلفاء علاقة حوار، هي العلاقة بالتيار علاقة حوار، لا يفسد خلاف فيها في الودّ قضية.
– يثق حزب الله بأنّ الأمور ستكون بخير ووفقاً للخواتيم التي اعتادها في قضاياه الكبرى، مقارناً بين فرص الثقة بفوزه بخياره الرئاسي عند المشككين بثقته اليوم بفوزه بحلّ عاقل ومعقول للخيار الحكومي، وفرص الثقة اليوم، ويعيد أنّ فوزه الرئاسي لم يكن حظاً موفقاً ولا صدفة بلا خطة، بل استثمار واع على عناصر الثقة بما يجري في المنطقة وانعكاسته اللبنانية عبر دور اللاعبين الكبار دولياً وإقليمياً في توفير حاضنة التعقيد والتصعيد، وحجم ما أصابها من ضعف ووهن رغم الصراخ والصوت العالي، وعلى دور الحزب في تغيير هذه المعادلات، ومن حقه أن يطلب اعتبار ما قدّمه من تمرين لقراء السياسة في التجربة الرئاسية ميدان بحث لاستخلاص العبر، وفهم أسرار ثقته بالقدرة على الأقلّ وفقاً لمعادلة الفقه والقانون التي تقول بانّ من يستطيع الأكثر يستطيع الأقلّ، ومصادر الاستثمار العميقة لحزب الله على هذه الثقة هي فوق القراءة الإقليمية والدولية ومكانته فيهما وتغيّر اتجاهاتهما، ثقته بالمكانة المتبادلة التي تحتلها العلاقة بينه وبين كلّ من حركة أمل والتيار الوطني الحر، في تحالفهما معه عندما يصير وقت الخيار الحاسم فلا يبيع ولا يبيعون، ولو كان ظنّ حليفيه الواحد بينهما بالآخر مختلفاً عن ظنّهما به وظنّه بهما، فظنّ الحزب فيهما واحد، ويبادلهما كما يبادلانه حرية الحركة والمناورة حتى لحظة القرار واستقراء حجم الأولوية للخيار في حساب كلّ منهما، ليرسما معاً حدود الممكن الواجب، ودليل الإمكان هنا هو الوقوع فما جرى في الخيار الرئاسي دليل على إمكانية هذين التحالفين اللذين يشكلان رئتي الحزب في السياسة المحلية، على تحمّل الظروف الصعبة وتخطيها واجتيازها بأمان، وهذا ينطبق على الحلفاء في قوى الثامن من آذار وفي طليعتها تيار المرده الذي لم يبخل بالتضحية لحساب قراءة حزب الله الرئاسية عملياً وهي تضحية لا تضاهيها تضحية، ولا يمكن أن تكون مكافأتها في قاموس حزب الله بأقلّ من الوفاء.
– يبني حزب الله على مثلث يتشكّل من توسطه العلاقة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، صورة هرم للحياة السياسية اللبنانية يتسع لحسابات شريكيه كلّ على حدة، حيث يمسك هو وحليفه رئيس المجلس النيابي بعلاقة مع النائب وليد جنبلاط ويمسكان معاً كما يمسك من طرف مقابل مع حليفه الثاني التيار الوطني الحر بالعلاقة مع تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، وفي الهرم مكان لمعادلات الحلفاء، حلف حزب الله في الثامن من آذار وحلف الرئيس الحريري والقوات اللبنانية في الرابع عشر من آذار، وتطلع خاص لمكانة العلاقة بين التيار والقوات اللبنانية، يشبهها تطلع لخصوصية لتيار المرده يحملها التحالف بين حزب الله وحركة أمل وسائر قوى الثامن من آذار.
– حزب الله بكلّ هدوء في دنيا غير دنيا الصخب والضجيج التي يعيشها الكثير من السياسيين اللبنانيين، وفي الوقت متسع لجمع الاستحقاقات بالمعقول، دون مفاضلة بينها أو فرضيات مواجهة، فيمكن الفوز بالحكومة وقانون الانتخابات والانتخابات، ويمكن الجمع بين الثنائيات، ويمكن للتحالفات ان تتسع للمختلفين والمخالفين، ومن يقرأ تجربة المسار الرئاسي يستنتج الكثير إنْ تمتع بالصبر للتوقف أمام المحطات والتفاصيل.
(البناء)