من المَضحّي: القوات أم حزب الله؟
ناصر قنديل
– كلما خرج مسؤول في القوات اللبنانية للحديث عن الحكومة الجديدة يُتحفنا بمطالعة حكيم حزبه ورئيسه الدكتور سمير جعجع عن تضحية القوات بالتخلّي عن حقيبة سيادية والقبول بثلاث حقائب، منها حقيبة عبر وزير صديق هو الوزير ميشال فرعون، وفوقها نائب رئيس الحكومة بدلاً من الحقيبة السيادية. وفي الكلام تلاعب على فرضية ما توهّمت القوات أن تناله كثمن لتبنّي ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والتي كان حساب القوات حسب ما رسمه اتفاق معراب أن تصل إلى ما يعادل حصة التيار الوطني الحر، مضافاً إليها حصة رئيس الجمهورية، التي لم تحسب منفصلة في تفاهم معراب عن حصة التيار، فيكون وعد القوات في حساباتها نصف الحصة المسيحية من الحكومة، وفي حكومة الأربعة وعشرين وزيراً، تعادل ستة وزراء بينها وزير أرمني لكلّ من طرفي التفاهم يمنحها لحزبي أو حليف ومن ضمنها حقيبة سيادية لكلّ من الطرفين، فجاءت تضحية القوات بالقياس للأحلام والوعود أكثر من النصف بقليل، وصارت تضحية.
– بالقياس لكلّ الأطراف المشاركة في الحكومة أو المفترض أن تشارك في حكومة يُقال إنها ستكون حكومة وحدة وطنية، تنال القوات أكبر من حجمها، ويضحّي الآخرون كرمى لرئيس الجمهورية بقبول ما يعرض عليها تيسيراً لتشكيل سريع للحكومة، فتيار المستقبل بنوابه الفوق الثلاثين والشريك مثل القوات لتبني ترشيح العماد عون رئيساً، ينال ستة وزراء في تشكيلة الأربع والعشرين وزيراً، أيّ أقلّ من ضعف حصة القوات بقليل، بينما يتمثل في المجلس النيابي بأقلّ من أربعة أضعاف تمثيل القوات بقليل، والتيار الوطني الحر ينال مثل القوات تقريباً مع فارق الحقيبة السيادية للتيار مقابل نائب رئيس الحكومة للقوات، وللتيار ما يقارب ثلاثة أضعاف تمثيل القوات نيابياً أو أقلّ بقليل، وباستبعاد المقارنة مع الذي لم يتبنّوا ترشيح العماد عون للرئاسة، لأنّ الوزارة بالمفهوم القواتي جوائز مستحقة لمن ساهم بالترشيح وصوّت بالتأييد، يبقى حزب الله الذي ينال بما يعادل وزن القوات نيابياً لمرة ونصف، لكنه ينال نصف ما تناله عملياً في الحكومة، كمّاً ونوعاً، فلتدلّنا القوات على التضحية، كي لا ندلّها على أنّ قبولها بهذا الحجم المضخّم والمفخّم والمتورّم هو تضحية كبرى من الآخرين لحسابها، لأنه تورّم وتضخّم على حساب ومن حساب سائر المشاركين، وغير المشاركين، خصوصاً عندما يجري وضع اليد على منصب نائب رئيس الحكومة المستحقّ لممثل وازن في الطائفة الأرثوذكسية وفقاً لقاعدة تمثيل الطوائف بمن يعبّر عن الأوسع تمثيلاً بينها، إنْ لم يتبيّن أنه على حساب الحكومة كلها، وربما على حساب الوطن، وهي تضحية لا يملك أيّ طرف لا شرعية ولا مشروعية منحها.
– إنْ لم تكن في حصة القوات تضحية وزارية، وإنْ كانت حصتها الواقعية لا تتعدّى الوزيرين، واحدة بحقيبة خدمية وزانة وثانية عادية، فأين تكمن التضحية المتجذّرة كمفهوم في خطاب القوات الحكومي، والسياسي؟ وهل القصد هنا هو التضحية بقبول ترشيح العماد عون، خصوصاً أنّ المقارنة مع تمثيل حزب الله حكومياً من جهة، ومقارنة حجم دور القوات ودور حزب الله في المسافة الفاصلة بين الترشيح والانتخاب توصلان للعكس تماماً، ومن هنا يصير السؤال موجّهاً للعهد ورئيسه، فيستقيم الحديث عن حصة القوات وحلفائها ومن خارج الطائفة المارونية التي يمكن قبول وزنها التمثيلي لكتلة من ناخبيها، إذا استقام مثلها الحديث عن حصة لحزب الله وحلفائه، تمنحه حق تسمية عدد من الوزراء ونوع من الحقائب، يعادل ما تناله القوات محسوباً مع فارق التمثيل النيابي، ليصير مرة ونصفاً مما نالته القوات، وهذا يعني حصة بخمسة وزراء ووزير صديق بينها ما يعادل نائب رئيس حكومة ووزارة وازنة، مرة ونصفاً أيضاً، أيّ زيادة على الحال الراهن للوزيرين الحزبيين بحقيبتين عاديتين لحزب الله، ثلاثة حلفاء من غير طائفته بحقائب تعادل الوزن النوعي للأشغال أو الاتصالات المعروضتين على القوات ونائب رئيس الحكومة، وإلا صارت التضحية من قبل التيار الوطني الحر وليس من القوات، وعلى حساب حزب الله، وليس على حساب التيار ولا القوات، بعدما صار جزء منها على حساب الطائفة الأرثوذكسية.
– مكافأة في السوية تساوي حزب الله مع القوات، وهذا ظلم لحزب الله، لكنه غير محقق. فالكفة راجحة للقوات بقوة، وتضحية بالسوية تعني أنّ الذين تشاركوا بالترشيح متشاركون بإنجاح ولادة حكومة العهد الأولى سريعاً، فمن حقنا أن ننتظر التضحية موزعة بالتساوي بين حزب الله والقوات بالتناسب مع الأحجام النيابية لكليهما، مأخوذ بالاعتبار تسامح في حجم الطلب من حزب الله بعد التضحية الكبرى التي تحمل أوزارها منذ يوم الترشيح الأول وتصويره من القوات قبل سواها معطلاً للرئاسة بجرم مشهود ضبط به متلبّساً هو التمسك بترشيح العماد عون للرئاسة وممراً إلزامياً لها، فهل هذا هو الحال، وهل ترتضي القوات ذلك وهل يسعى له التيار؟
– التفسير الوحيد للمبالغة القواتية ليس الحصص الوزارية في حكومة نصف سنة، والقوات ارتضت مراراً البقاء خارج الحكومة. إنه قانون الانتخاب والانتخابات، حيث تعرض القوات على التيار إغراء عنوانه الحلف الثلاثي الانتخابي للقوات والتيار ومعهما تيار المستقبل لحصاد يقارب ثلثي مجلس النواب، وشرطه ضمان امتلاك الثلث المعطل المزدوج، لثنائية القوات وكلّ من تيار المستقبل والتيار الوطني الحر لمنع مرور قانون لا يرضي القوات، والهدف منع مرور قانون أيّ قانون، وتضييع الوقت الحكومي وصولاً لإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين. وهنا يكون التيار الوطني الحر قد ارتكب التضحية الكبرى بالحلم الكبير للتغيير، وبالخيارات الكبرى التي تنتصر في المنطقة وكان انتصاره بعضاً منها، لكنها تضحية برصيد كبير وضع في حسابه هو رصيد حزب الله، مقابل ماذا؟
– طريق تشكيل سريع للحكومة معلوم وهو العودة لحكومة وحدة وطنية تضمّ المشاركين على طاولة الحوار الوطني بأوزان تعادل أوزانهم في المجلس النيابي لكتلتين متساويتي التمثيل، هما الثامن والرابع عشر من آذار، بعدد من الوزراء ونوعية حقائب تحققان التوازن بينهما في القدرة والتمثيل والفاعلية، وتشكل كتلة وسط من التيار الوطني الحر ووزراء رئيس الجمهورية ووزراء كتلة النائب وليد جنبلاط، انطلاقاً من تساوي مكوّنات هذه الكتلة بوقوفها في تأسيس الرابع عشر من آذار ومغادرتها دون الانضمام للثامن من آذار، بل للدخول في حلف متساوٍ بالقوة مع فريق قوي من الثامن ومثله من الرابع عشر، المستقبل وأمل في حالة جنبلاط، وحزب الله والقوات في حالة التيار الوطني الحر، وخلاف ذلك ستكون الحكومة أمام مخاطر التشكل بلغة الأمر الواقع التي يلمح إليها البعض، من الرابع عشر من آذار مع التيار الوطني الحر، دون مشاركة اي من مكونات الثامن من آذار، فمن يرغب بحكومة كهذه ويقدر على تحمّل نتائجها ويعتبرها بداية ميمونة؟
– قد يقرّر حزب الله مواصلة منه لمسيرة التضحيات التدخل لتمرير صيغة حكومية مجحفة بحقه وحق حلفائه، ويرتضي تمثيلاً للرابع عشر من آذار يعادل مرة ونصفاً لحصة الثامن من آذار، ويرتضي معها مخاطرة العبور بين فخاخ تنتهي بقانون الستين وفق معادلة أنّ المهمّ تيسير شؤون عهد يلتزم بإخلاص بخيار المقاومة، ويخوض حزب الله بذلك مغامرة نشوء تحالف ثلاثي بين التيار الوطني الحر والقوات وتيار المستقبل في الانتخابات النيابية أملاً بنيل ثلثي المجلس ويصير التحالف الثلاثي رباعياً، حيث يكون حزب الله، لكن في هذه الحالة على حزب الله والتيار الوطني الحر مصارحة اللبنانيين والحلفاء بأنّ سقف المتاح هو تحقيق الإشباع في التمثيل الطائفي من ضمن صفقة الطائف مع تعويض فوائد الدين المترتب للذين حرموا من هذه النعمة خلال ما يصفونه ولا يزالون بعهد الوصاية، والقول وداعاً لفرصة التغيير التي إنْ لم تبدأ الآن عشية الانتخابات النيابية المقبلة فلن تكون بعدها، لألف سبب وسبب. والمصارحة هنا بالقول إنّ سقف التمني في لبنان هو السلم الأهلي وحماية خيار المقاومة، ويصير على حزب الله المصارحة لجمهوره وحلفائه بالقول إنّ ما أنجزه في الاستحقاق الرئاسي يستحق التضحية وهو تثبيت معادلتي التمسك بثوابت وخيارات إقليمية واضحة من جهة، وتحقيق توازن الطوائف عبر تسلّم أقوياء الطوائف لمناصبها وأدوارها في الحكم من جهة أخرى. والمصارحة تستدعي هنا القول من موقع الصفة الثانية لحزب الله كممثل لطائفته، إنه يرتضي ويذهب إلى هذا الخيار بصفته إنجازاً، ولو كان في ذلك مخاطرة أخرى في طريقة التطبيق المتاحة تتمثل في ولادة ثنائية معاكسة للتي ولدت غداة الطائف عنوانها تحالف مسيحي سني، يكون الشيعة والدروز في هذه الثنائية خارج الثلثين اللازم في الحكومة والمجلس النيابي لتوفير النصاب والتصويت في القضايا والاستحقاقات الكبرى، وحكماً خارج ضرورة تشكل الأكثرية العادية اللازمة للقرارات والاستحقاقات العادية، ويمكن لحزب الله أن يقول إنه يفعل ذلك بكامل وعيه ذلك، لأنه يثق برئيس الجمهورية ويعتبر هذه الثقة بديلاً كافياً عن قانون انتخاب يعتمد النسبية وعن الثلث الضامن.
(البناء)