كاسترو رمز لحقبة آفلة ؟
غالب قنديل
بقوة الإنجاز التاريخي المتمثل باستقلال كوبا وبنائها اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا فرضت وفاة الزعيم الكوبي فيديل كاسترو اعتراف العديد من خصوم الأمس بالرصيد المعنوي القوي لمؤسس الدولة الوطنية الكوبية التي صمدت وسط أعنف حصار إمبريالي وانتزعت اعتراف عدوها اللدود وجارها الأقرب الإمبراطورية الاستعمارية الأميركية التي سكنها طيلة خمسين عاما رعب كبير من عدوى الثورة التي اجتاحت شبه جزيرة كانت وظيفتها وصفتها الحديقة الخلفية التي توفر الكازينوات والمنتجعات وبيوت البغاء الضرورية لصناعة الترفيه الذي يتطلبه مجون زعماء المافيا الأميركية وأركان نخب السياسة والمال في واشنطن ونيويورك .
مؤسس تلك الدولة كان هوالقائد الثوري الذي تعرض لحملات سياسية وإعلامية كثيرة في حياته وكان هدفا لاتهامات شنيعة من قلب المعسكر التقدمي والتحرري الذي اعتبر احد رموزه وأركانه لنصف قرن فقد تحولت الكاستروية والغيفارية إلى تهمة بالتطرف وبالطفولية اليسارية وبالجنوح الإرهابي وبالمراهقة داخل الحركة الشيوعية العالمية نفسها وهي صفات اعتمدتها احزاب يسارية انتهازية احيانا بناء على تعميمات داخلية صادرة من القيادة السوفيتية أما الرجعيون فلم يبخلوا على كوبا وثوارها بتوصيفات الإرهاب والتطرف والمغامرة …
سطرت آلاف الصفحات التي لم يمارس أصحابها نقدا ذاتيا واحدا ولمرة واحدة في تاريخهم بل تجدهم يفاخرون من سنوات بصور زياراتهم إلى كوبا ومشاركاتهم في مهرجانات الشباب العالمية بعد اعتراف البيرقراطية السوفيتية بخصوصيات النموذج الكوبي للثورة بعيدا عن المخططات الجاهزة والوصفات الإصلاحية والانتهازية البائسة لقيادة الكومنترن قبل حله وبعده.
مات كاسترو وانبرى لنعيه خليط ضاعت في صفوفه الحدود بين التقدميين والثوريين والانتهازيين وعملاء الاستعمار وأزلام الطبقات الحاكمة في أشد دول العالم تخلفا ورجعية واجتمع المتناقضون في زحمة اعترافات تنصف الثورة وزعيمها الكبير وقد فرضها انتصار النموذج الاستقلالي التاريخي الناجح الذي تمثله كوبا الحرة المستقلة والاشتراكية .
فضل الرجعيون وصف الإيقونة ليحبسوا نموذج الثورة في المتاحف بينما صورته تزين بيوت الناس وتحفظ في قلوبهم في كوبا وسائر دول اميركا اللاتينية إلى جانب رفيق كفاحه وشريك احلامه الثورية أرنستو تشي غيفارا بدلا من التراجع امام قوة النموذج الفكري والنضالي الذي قدمه كاسترو قد اعتبروه أيقونة ليفصلوا صورته عن تجربته التارخية كما يفعلون بثوار الكنيسة المطوبين وليزعموا أنه الاستثناء وليس القاعدة فقالوا في معرض الرثاء كلاما يطرب الأسماع من مثال انه لن يتكرر او انه نبي زمن جميل لن نعيشه ثانية قد يكون صحيحا ان الزعماء الكبار لا يتكررون فكل منهم هو مقولة تاريخية قائمة بذاتها ولكن فعلا هل إن كاسترو هو رمز لزمن آفل؟ ام هو عنوان لطريقة ثورية في التغيير الاجتماعي والوطنية والاستقلال تثبت جداواها ويخاف الرجعيون من انتشارها وتفشيها وهي تتصدى لقضايا وعناوين راهنة في معظم دول العالم الثالث بحيث بات ينبغي على مواطنيها الثوريين دراسة التجربة الكوبية والتعلم منها لا إهمالها بذريعة انها من زمن مضى!؟
خبرت القارة الأميركية العديد من تجارب الثورة والاستقلال والتغيير في العقدين الماضيين التي تنتمي إلى فكر كاسترو وغيفارا وبعضها مني بانتكاسات انتخابية لكن الأحزاب والحركات الكاستروية الغيفارية إن صح التعبير تصب جهودها للتعلم من التجربة وتحتفظ بمساندة شعبية لايستهان بها وهي تسعى لتطوير نهجها الكفاحي فتتكيف مع التحديات الجديدة في زمن القوة الاستعمارية الناعمة والشركات متعددة الجنسيات وتبدي قدرة عالية على متابعة النضال في سبيل اهدافها الكبرى وهو ما تعيشه دول عديدة منها البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكولومبيا وتشيلي وغيرها حيث تكيف دعاة التغيير مع مقتضيات التعدد السياسي والنضال الجماهيري والنقابي وخاضوا العديد من الانتخابات فنالوا النجاح أحيانا وذاقوا طعم الهزائم احيانا اخرى من غير ان يتوقفوا او يخضعوا.
اما في سائر دول العالم فإن تجربة كاسترو وغيفارا تجدد مشروعيتها في جميع شواهد النهب الإمبريالي والحروب العدوانية الاستعمارية مباشرة ام بالواسطة وتلقى امتدادها التاريخي والمنهجي الواضح في منطقتنا عبر ملحمة الصمود السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد الذي يتصدى لأعنف حرب إمبريالية استعمارية صهيونية رجعية متمسكا باستقلال بلاده رافضا أي مساومة او تنازل امام العدو الإمبريالي الصهيوني والحكومات التابعة التي تعمل بكل قدراتها مع أسيادها الاستعماريين للنيل من الدولة العربية العلمانية التقدمية الوحيدة التي تتميز بنظامها التعليمي والطبي كشبه الجزيرة الكوبية وبتطلعاتها الإنمائية والعلمية والتقنية العالية …
على طريق كاسترو يقدم الأسد نموذجه الخاص في الصمود ضد الاستعمار والهيمنة وفي القدرة على شبك التحالفات العالمية والإقليمية لتعزيز قدرات الصمود الشعبي والعسكري في سبيل التصدي للعدوان الاستعماري ومثلما فعل كاسترو في اميركا اللاتينية سيرسم الأسد بانتصاره مع شعبه وجيشه طريقا لتقدم خيار التحرر والاستقلال والتقدم في البلاد العربية.