النار في خدمة الصراع ضد اسرائيل: ايال زيسر
أحداث العام 1929 التي اندلعت في أعقاب معارضة العرب تغيير ترتيبات الصلاة بالنسبة لليهود قرب حائط المبكى الغربي، كانت أحد أحداث العنف الاولى الشديدة التي عرفتها الحاضرة العبرية في اسرائيل. لقد قُتل في حينه 133 يهوديا وأصيب المئات. وعشرات المناطق السكنية اليهودية تم استهدافها واحراقها، وبعضها أُبيدت وعلى رأسها الحاضرة اليهودية القديمة في الخليل، حيث تم ذبح عشرات السكان على أيدي جيرانهم العرب.
هذه الأحداث كانت سببا للاغنية التي لا تنسى لعمانوئيل الروسي “نم يا إبني”، وهي قصيدة أب شاب قلق على إبنه الصغير بسبب أحداث الفترة الدموية. لا يمكن عدم تذكر هذه الكلمات: “الغورن تحترق في تل يوسف، ومن بيت ألفا يتصاعد الدخان، لكنك لن تبكي لأنك نائم، كل ليلة تأكل النار القش، محظور أن نيأس وغدا سنبدأ من جديد”.
إن اعمال الاحراق اليوم ما زالت جزء من القصة اليهودية العربية في البلاد التي تعيش في صراع منذ بدايتها. حيث أنه في أيام التمرد العربي الكبير في منتصف الثلاثينيات وايضا في الانتفاضة الاخيرة، ولا سيما عملية الاحراق الكبيرة في احراج الكرمل في صيف 1989 اثناء الانتفاضة الاولى.
إن الصراع الفلسطيني ضد اسرائيل عرف صعودا وهبوطا، والتجديد الذي يحمل التقليد ايضا لطرق عمل الماضي. وفي كل مرة يصل فيها الصراع الفلسطيني الى طريق مسدود أو يتلاشى، يكون هناك من يبحث ويجد طرق عمل قديمة – جديدة. أحيانا تكون الخطوة منظمة من أعلى، وأحيانا تكون عنفا محليا أو تلقائيا.
في موجات الارهاب قبل عقد تبينت قدرة المنفذ الوحيد الذي يحمل عبوة على إحداث كارثة. وبعد أن وجد “الشباك” والجيش الاسرائيلي الرد على هذه العمليات، جاء دور عمليات الطعن والدهس التي نعيشها منذ سنة. والآن بعد أن اتضح بأن هذه الموجة قد استنفدت، جاء دور الاحراق. يمكن القول إنه في الايام القريبة القادمة، وطالما سمحت الاحوال الجوية بذلك، سيكون هناك بعض الشباب، تحت تأثير التحريض في الشبكات الاجتماعية، الذين سيقومون بتقليد العملية. والامطار التي ستهطل قريبا ستمحو أعقاب الحريق، وتنهيه ايضا حتى السنة القادمة.
هذه الموجة ايضا يمكن منعها. فليس من المعقول أن بعض الاشخاص، أو شخص واحد، يمكنه اشعال حريق، يضطر عشرات السكان في حيفا الى اخلاء منازلهم. وتظهر تجارب الماضي أن جواب كهذا سيتوفر عاجلا أو آجلا.
الأمر الذي يجب الاهتمام به، اضافة الى الامساك بالفاعلين، هو الدعم المعنوي الذي يحصلون عليه، خصوصا في الشبكات الاجتماعية، سواء من الجمهور الفلسطيني أو من العالم العربي. والأمر المشجع هو رؤية مصر والاردن والسلطة الفلسطينية، تقدم المساعدة لاسرائيل من اجل اطفاء الحرائق، لكن الامر المحبط هو حجم كراهية اسرائيل التي هي مثل الجمر في العالم العربي. هذا الجمر الذي يجب اطفاءه من اجل منع الحريق القادم.
الفلسطينيون ايضا يجب عليهم القلق. فالعودة مئة عام الى الوراء واشعال الحرائق، وكذلك عمليات الطعن التي هي اعمال فردية، تشير الى عودة الفلسطينيين الى نقطة الصفر وبداية الصراع، وكأنه لم تمر مئة سنة، وكأنه لم تنشأ حركة قومية فلسطينية لديها الآن سلطة في الضفة الغربية. الحركة القومية الفلسطينية على شفا الانهيار في ظل غياب انجازات، وبسبب الطريق المسدود. افعال فردية في ظل غياب الطريق تؤكد ذلك أكثر من أي شيء آخر.
لكن يمكن رفع المعنويات من خلال الاصوات التي تندد بهذه الافعال في القيادة الفلسطينية، والتي قامت بارسال طواقمها للمساعدة في اطفاء الحرائق، خلافا لحماس. الأمر الذي يعني أنه حتى في ظل غياب أفق للحل السياسي، فان جزءً كبيرا في أوساط الشعبين يفهم الحاجة الى العيش بسلام الى جانب بعضهم البعض، بل ومع بعضهم البعض.
اسرائيل اليوم