بري لن يصرخ اولاً… ابراهيم ناصرالدين
تكبير حجم الاسباب المعرقلة لولادة الحكومة جزء من «حروب نفسية» تخوضها الاطراف المعنية بالتأليف للضغط المتبادل وتحسين شروط التسوية المرتقبة «عاجلا» او «آجلا». مرة جديدة صراع الاحجام بين القوى المسيحية الذي يفرمل الحلول، ويعطل اطلاق عجلة العهد، دخل سباق التشكيل «الامتار الاخيرة»، انها مرحلة حساسة ودقيقة، حساباتها «محلية»لا خارجية، الرهان على من «يصرخ اولا» ويتراجع، انها «لعبة الوقت» من جديد. لم يتعلم الكثيرون من التجربة شيئاً، عادوا بعد سنتين ونصف من العناد الى «المربع الاول»، فتم الافراج عن «الرئاسة»، اليوم ثمة تكرار للتجربة في الحكومة، مع فارق بسيط انهم لا يملكون ترف «التعطيل» طويلا، لانهم يستنزفون انفسهم ويضعفون «التسوية» التي افضت الى الواقع الراهن…لذلك فان الاستنتاج المنطقي للامور يفيد بان «القصة مش مطوّلة»…؟
هذه الخلاصة، لاوساط في 8 آذار، مطلعة على ما يدور في كواليس التفاوض الحكومي، تظهر ان الرئيس المكلف سعد الحريري اخطأ مرتين، الاولى عندما وضع نفسه تحت ضغط تحديد سقوف زمنية لولادة الحكومة، مع علمه المسبق ان كل التجارب الماضية لم تشهد اي «ولادة» طبيعية لاي حكومة وحدة وطنية محكومة بارضاء غالبية الاطراف المتناقضة… واخطأ ثانيا عندما رضي واستسلم الى «قضاء وقدر» التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وبات اسير هذا التفاهم الذي ضيّق عليه هامش المقايضات مع الاطراف الاخرى، وهنا يطرح السؤال المركزي عمن يتحمل مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة؟
تحسم تلك الاوساط، بان المشكلة داخلية عنوانها الصراع على «الحصص» ولا تتداخل مع اي معطيات خارجية، ولذلك فان الحديث عن «استنزاف» مقصود للوقت لعرقلة انطلاق عهد «الجنرال»، كلام غير جدي يعرفه كل «الطباخين» الحكوميين، واي كلام عن وجود ارادة اقليمية للتعطيل او لاضعاف الحريري من خلال لعبة الاحجام والتوازنات في الحكومة، مناف للمنطق والحقائق، فالرئيس المكلف لا ينازعه احد لا على حصته، كما لا ينازع احد رئيس الجمهورية على حصته، موازين القوى محفوظة للجميع ولن تتغير، سواء حصل تطور اقليمي او لم يحصل، «فك الارتباط» بين الداخل والخارج امر تم التفاهم عليه بين القوى الرئيسية في البلاد، وانتج انتخابات رئاسية عاد من خلالها الرئيس عون الى بعبدا، تبعها تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، ولا توجد رغبة عند احد في الانقلاب على هذا الاتفاق «المفيد لجميع القوى»…
لكن اطلاق هذه «الشائعات» جزء من عملية التفاوض «الساخن»يستخدمها فريق رئيس الحكومة في محاولة للضغط على الطرف الاخر المتمثل برئيس مجلس النواب نبيه بري «لاحراجه» ودفعه لتليين موقفه من العقد المتبقية للتأليف… لكن «لعبة» «عض الاصابع» لن تحقق نتائجها المرجوة، برأي تلك الاوساط، فالرهان على ان «يصرخ» رئيس المجلس اولا «وهم» مناف للحقائق، فهو المفاوض الوحيد غير «المحشور» بالوقت، ولا يعيش ضغط استعجال التأليف، في المقابل يستعجل رئيسا الجمهورية والحكومة لتشكيل حكومة العهد الاولى، ويملك بري بين يديه الكثير من «اوراق» القوة مدعوما بحلفائه، وهو قادر على منع «ولادة» الحكومة، بينما لا يملك عون والحريري لا الرغبة ولا القدرة على تشكيل حكومة «امر واقع»، لان الرجلين لا يطمحان لانطلاقة متعثرة للعهد، ويدركان ان اي «دعسة ناقصة» ستكون «خطوة في المجهول» وستبقى تداعياتها مستمرة طوال سنوات العهد…
المعركة عنوانها مسيحي حيث الصراع على اشده في «لعبة» التوازنات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اللذين يريدان «احتكار» التمثيل المسيحي وبين «المردة» المصر بدعم من الرئيس بري وحزب الله على الحفاظ على حيثيته بين «الكبار»… اذاً الموضوع ليس معركة حلب ولا تطورات الموصل او الحرب في اليمن، المشكلة العالقة تبقى «عقدة» توزير «تيار المردة»، ولذلك يقول العارفون بموقف «حزب الله» إن التعقيدات الموجودة راهنا طبيعية، ولا تستدعي ادارة «محركات الوساطة» في الوقت الراهن، ملف التفاوض عند الرئيس بري الذي يمتلك «كارت بلانش» في ادارة هذه العملية … خصوصا انه لا توجد اي نوايا سيئة عند احد، بالمعنى «التعطيلي»، بل ثمة صراع على الاحجام لا يهدد العهد ولا يشكل خطراً على ملف تأليف الحكومة، ومن خلال عملية تدوير زوايا بسيطة يمكن تجاوز الازمة وانطلاق «القطار الحكومي»…
وفي هذا السياق، تؤكد تلك الاوساط، ان بري لا يسعى الى «التمييع» وكان واضحا في وضع قواعد التفاوض منذ اليوم الاول، ولذلك فان تهمة ابطاء حركة المشاورات مردودة الى الفريق الاخر، فوزير الخارجية جبران باسيل الذي يمثل التيار الوطني الحر في مفاوضات التأليف حزم حقائبه وغادر الى البرازيل في زيارة كان يمكن تأجيلها، واذا كان الرئيس الحريري منشغلاً بالمؤتمر العام الذي يعقده «تيار المستقبل» يومي السبت والاحد، فما يعني الترويج الى احتمال سفره ليومين لأسباب خاصة؟ وما هو تفسير غياب نادر الحريري عن السمع بحجة انه خارج البلاد؟ طبعا التفسير المنطقي هو ان ما يحصل جزء من «عدة شغل» التفاوض، فثمة رغبة في الايحاء بأن عامل الوقت ليس ضاغطا ولا يمكن للفريق الآخر استغلاله للحصول على تنازلات… لكنها «لعبة» مكشوفة لن تغير من موقف فريق «عين التينة» المفاوض الذي يصر على عدم تقديم التنازلات من «جيبه» لتيار المردة لان الامر ليس منة من احد، بل حق مكتسب من «الحصة» المسيحية… ولذلك فان «المراوغة» لن تكون مفيدة بل مجرد تضييع للوقت…
وبحسب معطيات الساعات الاخيرة، فان المعضلة لا تزال تدور حول من يتنازل لتيار «المردة» من حصته، الجميع مقتنع بصعوبة تجاوز عدم تمثيل الوزير سليمان فرنجية في الحكومة، ما عدا «القوات اللبنانية» التي تطمح لحكومة «امر واقع» «لن تبصر النور»، لكن ثمة من يحذر من اطالة لعبة «شد الحبال» لان تحول الامور الى نوع من «التوسل» و«التسول» سيدفع الوزير فرنجية قريبا الى الاعتذار عن المشاركة في الحكومة، والانتقال الى المعارضة البناءة، ما يفتح الامور على مزيد من التعقيدات غير القابلة للحل، مع ربط بري مشاركته مع حلفائه بوجود «المردة» في الحكومة، ولذلك حاول الحريري اقناع رئيس المجلس بالتخلي عن وزارة «الاشغال» واسنادها الى «المردة» لكن هذا العرض قوبل بالرفض، وقدم عرض مقابل يقضي باسناد «القوات اللبنانية» حقيبة الصحة على ان يتخلى الحريري عن حقيبة الاتصالات للوزير فرنجية، وأن يأخذ وزارة الثقافة بدلاً منها. لكن الامور بقيت عالقة دون «اجوبة» نهائية… ما يبقي «الابواب» «مواربة» وغير «مقفلة»، و«مفتاح» الحل بيد رئيس الحكومة المطالب باختصار الوقت «والوفاء» سريعا «لصداقته» المستجدة مع الوزير فرنجية…
(الديار)