اختبار استراتيجي لقوات الطواريء: عاموس هرئيل
موجة الحرائق التي تعربد في أرجاء البلاد منذ ثلاثة ايام تتراكم بالتدريج الى درجة حدث استراتيجي. وفي ذروتها، أمس، استدعت اخلاء سريعا لعشرات الاف السكان من حيفا، الحقت ضررا جسيما بعشرات المنازل وخلفت دمارا سيتطلب اعادة بناء يستغرق اشهر ان لم يكن سنين. في بند الآثار الاقل حرجا، اعادت الحرائق ايضا موجات البث المفتوحة في قنوات التلفزيون وسمحت لوزراء الحكومة أن يستعرضوا ستراتهم القتالية، ولوزير التعليم ومفتش عام الشرطة ان تلتقط لهما الصور بسيماء وجوه غريبة في الوقت الذي كانا يركبان فيها الدراجة النارية. ولشدة الحظ، لم تكلف الحرائق حتى الان خسائر في الارواق، ولكن يبدو أن الحدث ليس وراءنا بعد.
لقد زادت كثرة بؤر الحرائق الاشتباه، بانه لا توجد هنا جملة من الصدف. فقد بدأت الحرائق يوم الثلاثاء، يبدو بسبب جملة من الرياح القوية واهمال العمال والمتنزهين. في المخابرات وفي الشرطة يفحصون امكانية ان تكون الاضرار التي ألحقتها الحرائق في اليومين الاولين جلبت في اعقابها موجة من اعمال التقليد على خلفية قومية. ومع ذلك، فان القطع الذي وصف فيه هذا الافتراض في البث أمس يبدو مبالغا فيه في مرحلة مبكرة كهذه من التحقيق. ومثله التصريحات الرسمية للوزراء، والتي لطفت بعضها في المساء، عن ان 50 في المئة من الحرائق على الاقل هي افعال متعمدة.
اشعال الحرائق، ولا سيما في الاحراش وفي المناطق الزراعية، يستخدم احيانا كسلاح فلسطيني ضد اسرائيل منذ عشرات السنين، بما في ذلك في ايام الانتفاضة الاولى في الثمانينيات. ومثل موجات الطعن فان هذه عمليات يصعب على جهاز الامن جمع المعلومات عنها واحباطها مسبقا. فاشعال الحرائق سهلة التنفيذ نسبيا، وليس مثل عمليات الطعن، لا تنطوي تقريبا على خطر الاصابة او الاعتقال في زمن الفعل. واذا كان ثمة هنا فعل ارهابي حقا، فقد لحق من خلاله ضرر نفسي واقتصادي كبير، في جهد قليل جدا.
في كل الاحوال، مشكوك أن يكون الحديث يدور هنا عن خطوة لشبكة ارهاب مخططة ومنظمة. بدا أمس بقدر اكبر بانه يوجد هنا ركب على موجة وطنية من خلال مزيد من اشعال الحرائق، على موجة حرائق تعربد منذ الان. وكعادة العصر، ففي الشبكات الاجتماعية الفلسطينية زادوا لهيب النار بكل القوة، رغم أنهم في فتح اعربوا بشكل استثنائي عن تحفظهم من الافعال بل وعرضت السلطة الفلسطينية المساعدة على اسرائيل.
ولكن مركز الاهتمام هنا ليس الفلسطينيون في الضفة الغربية، بل العرب في اسرائيل. اذا ثبت بان عربا من مواطني اسرائيل كانوا مشاركين في اشعال النيران، فسيحتدم التوتر مع المواطنين اليهود وتحتمل أيضا أعمال عنف مثلما حصل في فترات عاصفة سابقة.
احداث أمس، ولا سيما في حيفا تكشف كم هي قابلة للاصابة التجمعات السكانية في شمالي البلاد ليس فقط في الحرب وفي اعمال الارهاب، بل وحتى في الكوارث الطبيعية. وقبل اسبوع بلغت “هآرتس″ عن خطة قيادة المنطقة الشمالية وقيادة الجبهة الداخلية لاخلاء 78 الف مواطن من خط المواجهة على حدود لبنان في حالة حرب مع حزب الله. وأمس اخلي عدد مشابه من السكان تحت تهديد الحرائق. في حرب مستقبلية يحتمل أن يتعين على اسرائيل أن تواجه خطري في آن واحد: نار مكثفة من الصواريخ من الشمال تؤدي الى ضرر شديد للبلدات وللبنى التحتية المدنية، والى جانبها اعمال تخريب متعمدة من الجبهة الداخلية.
واستدعت عربدة النار أمس، ولا سيما حول حيفا، جهدا تجنيديا شاملا لقوات النجدة. وفي اثناء اليوم استخدم الجيش الاسرائيلي ايضا كتائب نظامية من قيادة الجبهة الداخلية، جند بضع مئات من جنود الاحتياط في مهام محددة واوقف اجازات السبت في المنظومة القتالية وفي قواعد التدريب، بهدف مساعدة رجال الاطفال والشرطة. هذه ايضا فرصة لقيادة الجبهة الداخلية، وباقي محافل الطواريء فحص مستوى تصديها لحدث بهذا الحجم والتعقيد.
لا يزال من السابق لاوانه محاولة تقدير أداء السلطات في معالجة الحرائق واضرارها – وبالتأكيد يجدر الانتظار قبل احتفالات توزيع أوسمة الشرف. ولكن في الانطباع الاول واضح بالتأكيد أنه استخلصت بضعة دروس من مصيبة الكرمل قبل ست سنوات وان الحكومة وقوات الامن ردت بشكل سريع على التطورات. الاختبار التالي بدأ منذ يوم امس. عشرات الاف الاشخاص ممن تطلب اخلاؤهم من بيوتهم يحتاجون عنوانا يعالج امورهم وأماكن لمبيتهم. اذا وجد المواطنون أنفسهم يتنقلون بحثا عن مأوى، ستقل الثقة العامة بقدرة الدولة على معالجة شؤون السكان عند التحديات الاكبر، وعلى رأسها الحرب.
هآرتس