إميل لحود: «المافيا» ستحكم.. «إذا عُدنا إلى الستين» ملاك عقيل
من يعرف الرجل جيدا يعلم بأنه حين كان قائدا للجيش لتسع سنوات، ثم رئيسا للجمهورية لتسع سنوات كان ملزما بمجالسة من لا يطيق النظر بوجهه، وبواجبات تفرضها الضرورة. أما بعد خروجه من قصر بعبدا، فهو لا ينفكّ يردّد عبارة «أعيش أجمل ايام حياتي. أتخيّل نفسي جالسا بين امين الجميل وميشال سليمان وفؤاد السنيورة في العرض العسكري: سيكون ذلك كابوسا حقيقيا»!
في بناية برج الغزال، وتحديدا في الطابق 17 المزنّر بالزجاج الكاشف للرؤية ولبيروت التي تعني له الكثير في العديد من أماكنها وذكرياتها، يقضي الرئيس إميل لحود معظم أوقاته.
ساعة سباحة يومية، صيفا وشتاء في مسبح يمتدّ على مساحة 20 مترا. قراءة صحف وكتب ومتابعة انترنت، ولقاءات محدودة مع عدد قليل من الاصدقاء «الحقيقيين» وليس على شاكلة من كانوا «لا يتكنّسون»، حين كان في موقع قوة ثم أداروا ظهرهم له عند الازمة.
لدى اميل لحود ما يقوله في المشهد الرئاسي والتأليف الحكومي. يحمل نصيحة «ذهبية» للرئيس ميشال عون، لكنه كعادته، ليس من النوع الذي يطرق الابواب ليُسمِع رأيه، وبالتالي لا يرى ضرورة ليحمل سماعة الهاتف ويطلب موعدا للقاء «فخامته». «إذا أراد مشورتي فأنا حاضر. حتى حين كنت قائدا للجيش لم اكن أطلب موعدا للقاء ميشال سليمان. كنت أحضر فقط إذا طلبني».
لا شك لدى لحود بأن انتخاب عون هو «انتصار لخطّنا السياسي». يعود بالذاكرة الى آخر سنة في ولاية ميشال سليمان حيث جرت محاولات للتمديد «لمنّ حوّل المعادلة الثلاثية الذهبية الى خشبية». الاسرائيلي والاميركي والسعودي والخليجي كانوا يتمنّون التمديد لميشال سليمان».
تمسّك «حزب الله» بميشال عون، برأي لحود، أوصلنا الى هذا المشهد الرئاسي «فقد راهنوا على الفراغ حتى سقوط بشار الاسد وبعدها يأتون برئيس يكون صنيعتهم. لكن حين بدأ القصف الروسي قطعوا الامل. من الاميركي الى السعودي الى سعد الحريري جرى الايعاز بالسير بخيار سليمان فرنجية لتخفيف الأضرار ومنعا من خسارة الورقة اللبنانية بالكامل و «لمقاسمة» الفريق الرابح انتصاره خصوصا مع الخوف من وصول دونالد ترامب الى السلطة، غير أن إصرار «حزب الله» على مرشحه، جعلهم ينتقلون إلى الحضن العوني بعد التأكّد من ان الدكتور (بشار الاسد) باق».
اما عون «الرئيس» فعليه ان يختار، كما يقول لحود، بين ان يرضي حلفاءه او الالتزام بتحالفاته الرئاسية السابقة لانتخابه. «بالنسبة لي من يمشي بخطي أنا معه. هو أصلا أتى الى هذا الخط وليس العكس. خطنا ربح وعلى هذا الاساس نحن سنساعده حتى ينجح، لكن ليس لـ «بيع» هذا الخط».
وهل يفعلها ميشال عون؟ يردّ لحود تلقائيا:»ما بيعملها. كرمال هيك نحن معه».
لا يخفي لحود رأيه الايجابي بسليمان فرنجية، «صاحب الاخلاق». هو بين قلّة من السياسيين لم تنقطع علاقة الودّ معهم.
يرى ان «عون نيته طيبة»، و«بدو يشتغل». لكن التفاهمات التي ارتبط بها مسبقا، وهي حقه طالما أنها توصله الى الرئاسة، «غير مفهومة». ففرنجية، المرشح للرئاسة، الذي التزم مع «حزب الله» ولم ينزل الى مجلس النواب لا يحق له بوزارة فيما تنال «القوات» ضعف حجمها؟ هل يعقل في زمن انتصار محورنا أن يُعامَل فرنجية هكذا. لقد اصبح عون رئيسا للجمهورية ويجب ان يفتح صدره للجميع، خصوصا القوى التي هي في صلب خطه السياسي».
رئيس الجمهورية الاسبق الآتي من بيئة عروبية وطنية، وتجربة عسكرية خلاصتها توحيد الجيش وتثبيت عقيدته وتدشين خدمة العلم بولديه اميل ورالف، وتجربة رئاسية تمقت الممارسات الطائفية والفئوية المجبولة بالفساد، لا يرى نجاحا للعهد الرئاسي إلا وفق الخارطة الآتية: عمر حكومة الانتخابات لن يتعدى ثمانية أشهر فليمشِ بحكومة تكنوقراط «ويللي مش عاجبو يبلّط البحر»، ثم انتخابات نيابية فحكومة سياسية. لازم يرجع مفهوم الرئيس القوي. رفيق الحريري كان يحسب حسابي لاني لم اكن اطلب شيئا لنفسي. وعون اليوم لديه الحيثية الشعبية المطلوبة ليرسي هذا المفهوم».
لكن يبقى قانون الانتخاب هو الاختبار الاهمّ للعهد «أما إذا ضلّينا هيك ورجعنا للستين، مش بس العهد بيروح، البلد كلّو بيروح».
يوضح لحود «انا كنت من مؤيّدي عون بمطالبته باستفتاء شعبي لانتخاب رئيس جمهورية من الشعب. واليوم اقول، من الآن حتى إلغاء الطائفية السياسية، هناك ضرورة لاعتماد قانون يعتمد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة، اي انتخاب وطني خالص وليقم عون باستفتاء شعبي على هذا القانون. أما كل قوانين النسبية الاخرى المطروحة فستذهب بنا مجددا نحو الحرب الاهلية التي ستسهّل مهمة الاسرائيلي بجرّنا الى المحظور. بهكذا قانون ستسقط هالة الكثير من الزعماء».
وماذا عن «حكم الاقوياء» عون ـ بري ـ الحريري، الصفة التي أطلقها فريق ميشال عون على الثلاثية الرئاسية قبل انتخابه رئيسا للجمهورية؟
يردّ لحود: «ستكون «حكم المافيا» وليس حكم الاقوياء إذا لم يتمّ السير بقانون انتخاب ينتج طبقة وطنية غير طائفية، فيما الطقم الحالي يحمي الفساد بالمذهبية. إذا لم يتحصن عون بهذا القانون لن يستطيع القيام باي شيء. وعليه أن ياتي بالاكفاء حتى ولو أنه لا يعرفهم، «نافضا» عنه كل أصحاب التاريخ الموبوء والفاسد».
يعترف لحود أنه «بعد ولايتي الرئاسية وخلال الممارسة السياسية عرفت مساوئ قوانين الانتخاب المذهبية. انا كل ما يهمني كان قوانين تنتج قماشات كسليم الحص الذي اردته رئيسا للحكومة في اول عهدي، لكن بالتجربة تأكدت ان لا دولة حق تقوم من دون قانون انتخاب على اساس وطني. انا وقفت ضد التحالف الرباعي، وعندما اغتيل الرئيس الحريري ارسلوا إليّ قانون الستين، ولاول مرة كرئيس للجمهورية ردّيت القانون لأنه طائفي ومذهبي، وبعدها قامت القيامة عليّ».
يرى ان لعون «مصلحة شخصية وسياسية في إرساء قانون وطني. أولا لأنه لديه شعبية وثانيا سيذكره التاريخ. وعندها تتألّف الحكومات في يوم واحد».
يجزم لحود قائلا: «على أيامي لم يكن يتأخر التأليف لأن «مطالباتي وطنية وما حدن كان قادر يحارجني». كنت اختار الاكفاء، وأتحدى أن يأتي من يقول بأن السوري فرض عليّ وزيرا واحدا، حتى اني رفضت السير بتشكيل حكومة قبل انتهاء عهدي بشهر كي لا أصبح امين الجميل آخر. وردّا على مَن اتهمني بالخضوع لضغوط اميركية قلت لحظة خروجي من القصر: بوش وساركوزي والعالم كلو وأجري سوا…».
في ضوء هذه الجردة، يصبح طبيعيا أن يغيب اميل لحود عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وعن التهنئة في قصر بعبدا، ثم عن حضور العرض العسكري بمناسبة عيد الاستقلال وحفل الاستقبال الذي تلاه.
(السفير)