مقالات مختارة

أنا أشتاق لغزة: جدعون ليفي

 

معلمة الروضة مستلقية على حمالة، جسمها مغطى بالدماء، الباص الصغير يقف بالقرب منها، الدبابة تطلق القذائف، الاولاد ممددون على الشارع، صورة لاولاد على حائط الروضة في بيت لاهيا، قاموا برسمها قبل عشر سنوات بعد أن قام جنود الجيش الاسرائيلي باطلاق قذيفة أصابت الحافلة الصغيرة التي كانت تقل أولاد الروضة وقتلت المعلمة وولدين كانا يقفان على الشارع.

لقد نشر هذا الوصف بالضبط قبل عشر سنوات من اليوم، في مقالي الاخير من غزة. ومنذ عشر سنوات لم يقم أي صحفي اسرائيلي بزيارة غزة، باستثناء زيارتين لعميره هاس، عن طريق البحر وعن طريق مصر، والمراسلون العسكريون الذين يرافقون الجيش الاسرائيلي ولا يرون أي شيء باستثناء بطولة الجنود. الصحفيون الاسرائيليون كانوا منذ ذلك الحين في سوريا والعراق وليبيا وافغانستان، فقط ليس في غزة، على بُعد ساعة سفر من تل ابيب.

اسرائيل تمنع ولا أحد يحتج. في ساحة العيادة البائسة “كمال العدوان” رأيت في حينه، في زيارتي الاخيرة شيخ مصاب جاء وهو يستلقي على عجلة يجرها حمار بعد اصابته بقذيفة للجيش الاسرائيلي. وبعد ذلك ذهبنا مع أولاد الروضة الى جنازة المعلمة التي قتلت أمام ناظريهم. ولم يخطر ببالي أن هذه ستكون الزيارة الاخيرة لي هناك. الاطفال أصبحوا شباب وشابات، ويمكن أن بعضهم قد قُتل. لقد قتل الجيش الاسرائيلي 344 ولدا في عملية “الرصاص المصبوب”، و180 رضيع و366 ولد في “الجرف الصامد”. وأي صحفي اسرائيلي لا يمكنه رواية قصصهم. القاريء الاسرائيلي لا يعرف أي شيء عنهم وهو لا يريد أن يعرف. فبالنسبة له كل الاطفال القتلى هم مخربون. أو أن المخربون اختبأوا خلفهم. كما تقول الدعاية الاسرائيلية الكاذبة، إن كل غزة حماس وهي تريد القضاء على اسرائيل.

أنا اقرأ مقالاتي الاخيرة من غزة: زيارة لدى بقايا عائلة أبو عودة: الأب محمد الذي قتل إبنه اسماعيل وإبنته حنان على أيدي الجنود. دام العز حماد التي تبلغ 14 سنة من عمرها، هي الابنة الوحيدة للأم المشلولة، قتلت بسبب صاروخ أطلقه سلاح الجو على البيت المجاور. وقد قتلت دام وهي نائمة في احضان أمها. وقد قالوا في الجيش الاسرائيلي إن هذا كان هجوما على نفق. عبد الله الزاك، تعرف على نصف جثة إبنه في غرفة الاموات بواسطة الحزام، في عملية “حديقة مغلقة”. وفقط بعد خروج الجيش وجد نصف الجثة الآخر، لقد كان عمر محمد 14 سنة وقد دُفن مرتين. د. نبيل أبو سلمية فقد زوجته وأبناءه السبعة بسبب قصف سلاح الجو. وخالد وهبة، طفل يبلغ السنة والنصف من عمره، يعيش على الاجهزة، أمه الحامل قتلت وكذلك عمه. وقد كانوا يتناولون غداءهم احتفالا بالعم الذي جاء من السعودية عندما اصاب الصاروخ منزلهم في خانيونس.

كوارث مريم رالية: اخوتها الاربعة وإبني اخوتها وحفيدها قتلوا اثناء قصف بساتين التوت التابعة لهم. وبعد بضعة اشهر فقدت أخ آخر، وكذلك إبنتها وخمسة من أبناء اخوتها في نفس البساتين التي قمنا بزيارتها مرتين.

حمدي آمن ايضا، في صيف 2006 فقد أمه وزوجته وإبنه بصاروخ لسلاح الجو أصاب سيارته التي اشتراها في ذلك الصباح. وقد قالوا في اسرائيل إن ذلك احباط موضعي. إبنته الصغيرة ماريا أصيبت اصابة بالغة وبقيت في العناية المكثفة في مستشفى شيبا. في ساحة الرمل في بيتهم، رفض حمدي التحدث معنا في حينه من شدة غضبه. وقد تم نقل ماريا الى مستشفى شيبا، وبعد ذلك الى مركز آلين، ومنذ ذلك الحين هم يعيشون في اسرائيل. ماريا مشلولة بشكل كامل، وهي تقوم بتحريك كرشي المقعدين بفمها وهي ترسم صور رائعة بفمها ايضا. وقبل بضعة اسابيع احتفلوا بعيد ميلادها الـ 15.

هذه هي الذكريات الاخيرة من غزة. كيف يمكن القول للاسرائيلي إننا يجب أن نقوم بهذا العمل، وإنني أشتاق الى غزة رغم مصيرها السيء، أشتاق الى شواطئها والمناظر فيها وروح السكان الرائعة الذين التقيت معهم في ذلك الوقت.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى