ضوابط لا يمكن تجاوزها في تشكيل الحكومة :العميد د. أمين محمد حطيط
بعد أن طويت صفحة الرئاسة على مشهد ضبابي بالنسبة للبعض إلى الحدّ الذي جعلهم، وبكلّ تجاوز للحقيقة يدّعون أنهم هم وحدهم من انتصر في إيصال العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة، وبعد أن حاول هذا البعض أن يمدّد أو يوسّع منطق انتصاره المدّعى ليشمل تشكيل الحكومة إلى الحدّ الذي جعله يطالب بحصة في الحكومة تعادل 3 أضعاف ما يمكن أن يستحق، حسب حجمه النيابي، وليس هذا فقط بل ويتجاوز حدوده الى محاولة وضع الفيتو على تمثيل هذا أو يحدّد حجم أو نوعية تمثّل ذاك، الأمر الذي أدّى الى عرقلة تشكيل الحكومة، وبات واجباً أن يذكّر الجميع بضوابط أساسية لا بدّ من مراعاتها دستورياً وميثاقياً كما يحلو للبعض أن يردّد اليوم صباح مساء أما هذه الضوابط في الحدّ الأدنى، فهي :
1 ـ قاعدة العيش المشترك وتمثيل جميع الطوائف في الحكم من دون التوقف عند أعدادها. فلبنان لا يمارس الديمقراطية الحقيقية الديمقراطية العددية بكلّ معاييرها وشروطها، حتى أنّ عبارة الديمقراطية التوافقية التي تُردّد في لبنان ليس لها محلّ في القاموس القانوني الدستوري، لأنّ الأمر إما أن يخضع لمنطق الأكثرية وتحدّد صندوقة الاقتراع مَن هي هذه الأكثرية أو يخضع للتوافق بصرف النظر عن العدد. وبما انّ العيش المشترك المسلّم به من قبل الجميع وبات في مقدمة الدستور قاعدة إلزامية بمقتضاها تحدّد شرعية السلطة، ولأنّ العيش المشترك يفرض وجود الجميع في الحكم، فإنه لا بدّ من قيام تفاهمات وتوافقات بين الطوائف لا تُخرج من المشهد أحداً. وهذا يجب أن ينسحب كقاعدة عامة تقول برفض الإقصاء والاستئثار بين الطوائف وفي داخل الطوائف أيضاً. وان يكون لكلّ مكوّن طائفي أو سياسي الحق في أن يمثل في الحكومة بمن في ذلك الطائفة العلوية التي تُقصى اليوم عن جميع مشاريع تشكيل الحكومة، نعم يجب أن لا يُقصى أحد ولا تمسّ حقوق الأحزاب الممثلة في مجلس النواب بنائبين فأكثر سواء كانت أحزاباً طائفية كالكتائب والمردة أو علمانية كالحزب القومي السوري وحزب البعث العربي الاشتراكي.
2 ـ قاعدة التمثيل العادل داخل الطوائف. إذا كانت قاعدة العيش المشترك تؤدّي الى تجنّب إسقاط تمثيل بعض المكونات السياسية، فإنّ قاعدة التمثيل العادل تسقط نزعة الاستئثار داخل الطوائف ذاتها. وهنا يجب أن تُراعى أحجام الأحزاب في مجلس النواب رغم التشكيك بصحة التمثيل في ظلّ قانون انتخاب مشوّه للعدالة وان تحترم أحجام المكونات السياسية داخل طوائفها، فلا يكون فيها إفراط ولا تفريط، كما لا يكون فيها بخس ولا رهق ولا يُعطى المكوّن أكثر مما يستحق، ولا يظلم المكوّن بأن لا يُعطى ما يستحق، وهنا نعود مرة أخرى لما يجري من مناورات لإقصاء الأقلية السنية وتهميشها المستمرّ منذ العام 2005 إلا عندما فرض حزب الله توزير فيصل كرامي كما والمناورات لإقصاء تيار المردة وحزب الكتائب أيضاً.
3 ـ قاعدة المصلحة الوطنية في التمثيل وتوزيع الحقائب. وهنا نلفت إلى أنّ بعض الحقائب الوزارية تفرض تعامل الوزير مع الخارج، حيث للبنان علاقات متنوّعة سياسية وأمنية واقتصادية الخ… وبما أنّ الانقسام اللبناني حول النظرة إلى الخارج حادّ الى حدّ التناقض، فينبغي هنا أن يبعد المتطرفون في مواقفهم عن الوزارات الحساسة ذات البعد الخارجي في الأداء، لأنّ الوزير يمثل في هذه العلاقات كلّ لبنان، فإذا كان عاجزاً عن ان يفصل بين موقفه الشخصي وموقف حزبه من جهة، وبين موقف الدولة ومصلحتها من جهة أخرى، فعليه ألا يتصدّى لشأن يلحق عبره الضرر بلبنان، ولهذا فإنّ وزارات أساسية كالدفاع والخارجية والاتصالات والزراعة إلخ… لا يمكن ان تكون بيد من يناصبون سورية العداء، أيّاً كان حجمهم وموقعهم، أو مَن لا يزال يحنّ الى تاريخه في العلاقة مع «إسرائيل». ويجب ألا يتكرّر شيء من مسرحية الحريري في تلقي التهاني بعيد الاستقلال، حيث انسحب حتى لا يصافح السفير السوري، ونحن نقول إنّ لسعد أن لا يصافحه كسعد الحريري، وهذا هو شأنه، والأرجح انّ السفير السوري لا يمكن أن يقصد سعد الحريري ذا المواقف العدائية ضدّ سورية من أجل أن يهنّئه، أما قيام السفير بتهنئة رئيس حكومة لبنان في يوم وطني فهي شهامة لا يتردّد السفير السوري في ممارستها، لأنها من صلب تكوينه الشخصي والدبلوماسي ويجب أن يردّ على الفعل بمثله بين دولتين.
4 ـ مراعاة الكفاءة والاختصاص قدر الإمكان. هذه القاعدة هي في الأصل من البديهيات، ولكنها في لبنان لا تحترم لأسباب طائفية وغير طائفية. وأننا نذكر بها الآن في ظلّ عهد على رأسه رجل محترف يعتني بالاختصاص ويولي الكفاءة ما تستحق من أهمية. وهنا يجب أن يقود المكوّن السياسي أو الطائفي للحقيبة التي يخصص بها الشخص الكفوء لها. ولذلك يجب أن تتمّ عملية التشكيل أولاً بتعيين الحصص وعدد وزراء كلّ مكون طائفي أو سياسي ثم يتمّ تعيين الحقائب من قبل الجهة المولجة بالتشكيل بالتفاهم مع المكوّنات التي يترك لها في النهاية أمر تعيين الشخص للحقيبة المخصصة على ان يبقى للجهة المولجة بالتشكيل والتوقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ممارسة الفيتو على الاسم غير الملائم، دونما أن يكون في الأمر كيدية أو تعسّف.
(البناء)