الترامبية تهز أوروبا
غالب قنديل
ليست مصادفة ان يتصدر العنوان السوري موجة التغييرات السياسية التي تعصف باليمين الإمبريالي في دول الغرب فبعد استفتاء البريكس البريطاني وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة يعاكس مشيئة المؤسسة الجمهورية التقليدية التي التحقت شطور منها بمنافسته زعيمة حزب الحرب هيلاري كلينتون تبدو العلامات الفارقة لمشروع ترامب وفريقه الجاري تكوينه متمحورة حول العلاقة بروسيا وحول العنوان السوري واولوياته ومؤخرا ظهرت مفاجأة اليمين الفرنسي بصعود نجم فرانسوا فيون لخوض الانتخابات الرئاسية إلى جانب مرشحة أقصى اليمين السيدة ماريان لوبن وكلاهما يتبنيان موقفا مساندا للدولة السورية ضد الإرهاب الذي دعمته الولايات المتحدة ودول الناتو والحكومات الخليجية والإقليمية التابعة في زمن حكم اوباما وكلينتون لواشنطن.
اولا تحدث تلك التحولات السياسية في قلب الغرب الرأسمالي الغارق في الركود الاقتصادي ووسط المجتمعات المذعورة من ارتداد الإرهاب التكفيري الذي دعمه حكامها اليمينيون ووظفوه في استهداف سورية والمنطقة العربية بعد فشل خطة الأخونة التي نفذوها بالشراكة مع السعودية وقطر وتركيا الأردوغانية التي تبدو في نظر الأوروبيين مصدر الذعر الأول من الإرهاب والتطرف ومن موجات النزوح الوافدة إضافة لاسيما بالنسبة لكل من إيطاليا واليونان وقبرص الدول المتوسطية الأوروبية.
في هذا المناخ يبدو ما جرى في الولايات المتحدة منطلقا لتغييرات زاحفة في صفوف النخب الغربية الحاكمة تتناغم مع ظهور الترامبية كما باتت التسمية الرائجة في الإعلام الغربي الذي عمم صورة مشوهة للرئيس الأميركي المنتخب بالتناغم مع الإمبراطوريات الأميركية الكبرى التي استهدفته وقد مني الإعلام الأوروبي بالخيبة والنكسة نفسها التي انزلتها نتائج الانتخابات بالإعلام الأميركي الذي كسر طواطم الإعلام واستطلاعات الرأي التي كانت فضيحتها بالغة الوقع في نتائج الانتخابات الأميركية.
ثانيا إن العلاقات داخل المعسكر الغربي محكومة بمركزية أميركية مالية واقتصادية انتجت تبعية سياسية اوروبية وهذا ما تظهره التحولات التي شهدتها اوروبا في واقعها السياسي خلال ربع القرن الماضي بحيث حكمت البلدان الأوروبية مجموعات واحزاب كانت برامجها وتوجهاتها هي الصدى الفعلي لخطب وتوجهات النخب الأميركية الحاكمة بجمهورييها وديمقراطييها ويقع أصل هذا القانون في محورية الدور الأميركي داخل اوروبا وفي العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بحيث تجذرت معالم الهيمنة الأميركية في عموم المعسكر الغربي اقتصاديا وماليا وسياسيا وامنيا ليس فحسب بسبب الاستقطاب بين المعسكرين الغربي والسوفيتي خلال الحرب الباردة وصعود دور الناتو كحلف عسكري وامني خلال تلك الحقبة بل أساسا بسبب هيمنة اميركية شبه شاملة على بيوت المال والشركات البنكية العابرة للقوميات التي تقودها الطغمة المالية الأميركية التي يرمز إليها اليوم بنادي وول ستريت الذي قاد موجة العولمة المالية والاقتصادية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ثالثا مرة اخرى يبدو ان بريطانيا كانت السباقة فقد جاءت نتائج البريكس قبل عاصفة ترامب كما سبقت التاتشرية انتخاب رونالد ريغان ولكنه قانون موضوعي أشمل وأبعد من حدود الارتباط والتفاعل الأنكلوساكسوني حيث علينا ان نضع في الاعتبار الترابط العضوي المالي والاقتصادي بين دول الغرب وغياب الأسس الموضوعية المحركة لاستقلال اوروبي فعلي عن واشنطن كقاعدة منهجية في التعامل مع الدومينو السياسي الذي بدأ يهز اليمين الأوروبي بعد الاستفتاء البريطاني والانتخابات الأميركية فملامح الأزمات هي نفسها ارتباطا بعوامل حاسمة :
1- الحروب الإمبريالية الفاشلة التي تورطت بها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وليبيا وكذلك وأساسا فشل الحرب الاستعمارية بالوكالة التي شنت على سورية.
2- تناقضات العولمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على شرائح البرجوازية المحلية داخل دول الغرب وصعود نزعة حمائية جديدة لتقييد تدفق السلع المنافسة بعد تحرير التجارة.
3- الركود الاقتصادي الخانق الذي فاقمته الحروب والمغامرات العسكرية الأميركية ونتائجه الخطيرة على الاستقرار الداخلي لدول الغرب.
4- تصدع الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم وصعود دول عظمى منافسة فشلت الولايات المتحدة في محاصرتها ومنع تقدمها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وهذا ما ينطبق على روسيا والصين والهند وإيران كذلك.
5- تقدم خيار رفض الحروب والانكفاء لإعادة بناء الداخل انطلاقا من الولايات المتحدة بسبب الهزائم والتكاليف التي اورثتها مغامرات الخمسة عشر عاما الماضية ونتائج التداعيات الاجتماعية لتناقضات العولمة.