بقلم ناصر قنديل

عودة 8 و14 والخلاف سياسي

ناصر قنديل

– نجحت الانقسامات والخلافات حول الخيار الرئاسي بعد ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية، وانضمام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لتأييد ترشيح العماد ميشال عون، بالإيحاء أنّ زمن الانقسام السياسي الذي عرفه اللبنانيون منذ العام 2005 بين فريقين كبيرين على أساس الخط السياسي، تجاه القضايا الإقليمية والتموضع حول خطوط الناشئة عنها، قد صار من الماضي، وأنّ ما عُرف بقوى الثامن من آذار ومثلها ما عُرف بقوى الرابع عشر من آذار، قد تفتّتت وتشكلت منها كتلتان جديدتان، واحدة تدعم المرشح سليمان فرنجية وتضمّ قوتين بارزتين واحدة من الثامن من آذار هي حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري والثانية من الرابع عشر من آذار هي تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، والكتلة المقابلة تدعم ترشيح العماد ميشال عون وتضمّ قوتين بارزتين واحدة من الثامن من آذار هي حزب الله، والثانية من الرابع عشر من آذار هي القوات اللبنانية.

– مع انضمام الرئيس سعد الحريري إلى صفوف مؤيدي ترشيح العماد ميشال عون بدا أنّ كتلة تفوز وكتلة تخسر، والأمر لا يخصّ في الربح والخسارة لا الثامن ولا الرابع عشر من آذار. وأصرّ البعض على تقديم هذا التوصيف في مقاربة مساعي تشكيل الحكومة، عبر الدعوة لحصر الحكومة بحلف الرابحين، فيما اكتفى الآخرون بالدعوة لنسيان مرحلة الثامن والرابع عشر واصفافاتهما، والنظر مع العهد الجديد لمعادلات جديدة هي التفاهمات التي رافقت ولادته من تفاهم زعيمه مع حزب الله من جهة، وتفاهمه مع القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة أخرى، ويستمرّ السعي لتعميم مفهوم يقوم على الخدعة البصرية بتصوير الصراع المرافق لتشكيل الحكومة كصراع تنافسي على حقائب وحصص بين رابحين ينالون حقوقاً ومستلحقين لخسارتهم يعطّلون طمعاً بدخول جنة الحكم.

– يمكن ببساطة القول إنّ ما قامت به القوات اللبنانية وما لحقها بالقيام به تيار المستقبل من تبنّ لترشيح العماد ميشال عون نابع أصلاً من بقاء الفراغ الرئاسي الذي لا يزال المتّهم الرئيسي بإحداثه حزب الله، تمسكاً بترشيح العماد عون للرئاسة، والذي لا يمكن إنكاره من الفريقين القواتي والمستقبلي أنه لولا تمسك حزب الله بهذا الترشيح مستنداً إلى تراكم فائض القوة الذي يحققه في الحرب الإقليمية الدائرة، التي تمنحه مكانة خاصة بين حلفائه في الداخل والخارج، لكان النائب سليمان فرنجية رئيساً بتصويت تيار المستقبل لحسابه، قبل أن تقدم القوات على تبني ترشيح العماد عون، وأنّ الرابط السياسي الذي يمثله خط الثامن من آذار هو الذي منع الرئيس بري والمرشح فرنجية وسائر قوى الثامن من آذار من الذهاب في هذا الخيار انتصاراً لخطهم السياسي الذي يقاتل حزب الله في المنطقة وينتصر لحسابه.

– عند التحقق من بلوغ مرحلة نضج خيار حزب الله الرئاسي الذي يمثله العماد عون، تغاضت قوى الثامن من آذار التي كان لها موقف رئاسي مخالف عن خصوصية موقفها، وتشاركت في إنجاح الخيار الرئاسي للفريق الذي يخوض حربها الإقليمية وينتصر، وشراكتها كانت بتأمين النصاب أو بالتصويت، وفقاً لظروفها، ووضعت ثقلها لترجيح كفة السير بقانون الانتخابات النيابية الذي يجمعها، وهو قانون يعتمد النسبية كأساس لمواكبتها لمهام الحكومة الجديدة، منعاً لتمديد جديد للمجلس النيابي أو للسير بقانون الستين مرة أخرى، وبدا في المقابل أنّ ما قامت به قوى الرابع عشر من آذار على مرحلتين مختلفتين بالتموضع وراء الخيار الرئاسي لحزب الله، تبعاً لاختلاف ظروف فريقيها الرئيسيين، تيار المستقبل والقوات، جاء تسليماً بالمتغيّرات المرافقة للحرب التي يخوضها حزب الله وينتصر، وتفادياً لربط الاستحقاق الرئاسي بتبلور نهائي قاتم لوضع الحلفاء الإقليميين. وهم حلفاء يثبت حضورهم في كلّ سانحة منذ التحقق من أنّ تبني الحريري لترشيح عون لن يلقى مصير ترشيحه لفرنجية فيخرجهم بخيبة لا يتحمّلونها. وها هي قوى الرابع عشر من آذار تتماسك في محاولة مصادرة العهد الرئاسي من حلفه السياسي، وجعل الحكومة تقاسم مغانم تحت شعار حكومة الرابحين، وتصوير المنتصر الحقيقي مهزوماً والمهزوم الحقيقي منتصراً، والقضية ليست حقائب ولا عدد وزراء، بل النصاب اللازم والحقائب اللازمة للانتخابات النيابية المقبلة، قانون الانتخابات، والتحالفات الانتخابية.

– ببساطة يمكن القول إنّ الثامن والرابع عشر من آذار تتواجهان مباشرة في قلب معادلة الحكومة الجديدة، ومن السخافة التعمية على هذه الحقيقة، وإنه بدرجة حماس قوى الثامن من آذار لقانون على أساس النسبية ومقاربتها للحكومة من زاويته، درجة حماس موازية لدى قوى الرابع عشر من آذار لمنع ولادة قانون جديد للسير بالانتخابات على أساس قانون الستين، ومثلما تبدو القوات ويبدو المستقبل على قدم المساواة مشاريع تسلّق على النصر الرئاسي لصرفه انتخابياً بتحالف مع التيار الوطني الحر يضمن للثلاثي التيار الوطني الحر والقوات والمستقبل ثلثي مجلس النواب المقبل، ويمنح ثنائي المستقبل والقوات أكثر من ثلث المجلس منعاً لتشكل الثلثين من تحالف التيار الوطني الحر مع قوى الثامن من آذار، كما يبدو السعي لحكومة ينال فيها الثلاثي ثلثي الحكومة ويضمن ثنائي القوات والمستقبل أكثر من الثلث لمنع تشكل الثلثين إذا تحالف التيار الوطني الحر مع قوى الثامن من آذار.

– ببساطة شديدة أيضاً يبدو التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الإشتراكي قوتين كانتا في انطلاقة الرابع عشر من آذار، وغادرها كلّ منهما في توقيت وظروف دون الانضمام إلى قوى الثامن من آذار حفاظاً على خصوصية، ويبدوان اليوم خارج اصطفاف الطرفين، مسلّم لهما من الطرفين بأحقية الموقف والموقع، فالاشتراكي حليف منتصف الطريق بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، والتيار الوطني الحر محاط بتفاهمات منتصف الطريق وصفها رئيسه، بتفاهم قوة لبنان مع حزب الله وتفاهم الشراكة مع الحريري وتفاهم قوة المجتمع المسيحي مع القوات، ويجوز السؤال عرضاً هل الشراكة حصراً يصنعها التفاهم مع المستقبل؟ وهل للتفاهم مع حزب الله وجهة واحدة هي القوة؟ وبعيداً عن الاستطراد يبدو الصراع على الحكومة صراعاً بين المكونين الرئيسيين للمشهد السياسي، الثامن من آذار والرابع عشر من آذار، والقضية في التمثيل الحكومي أولاً وأخيراً بشجاعة الإعلان عن العودة إلى السياسة والخروج من التمويه والخداع، فالقضية ليست قضية تمثيل الطوائف وحصصها السهلة، ولا قضية تفاهمات تمّت بين قوى سياسية تلزمها وحدها، ويمكن مواءمتها مع التفاهم الأكبر حول الحكومة إذا تحرّر النقاش من الخداع البصري الموروث من المشهد الرئاسي وعدنا إلى المشهد السياسي الحقيقي بين الفريقين المتصارعين على الخيارات والتحالفات والأدوار والأحجام وقضيتهما اليوم قانون الانتخابات والانتخابات. وقد نجح فريق الرابع عشر من آذار من التسلل لصفوف الثامن من آذار لتفريقها والعودة إلى مواقعه الأصلية متحالفاً ومتماسكاً، وافتدى قانون الانتخابات بقبول رئيس لا يشبهه ولا ينتمي لمعسكره، وبقي أن يستردّ فريق الثامن من آذار تماسكه ويخوض معركة الحكومة على هذا الأساس، نصاب إقرار ومنع إقرار قانون الانتخاب، وفقاً لمعادلة أنّ امتلاك الثلثين في حال التشارك مع التيار الوطني الحر وامتلاك أكثر من الثلث بدون هذا التحالف، هي ميزة يسمح بامتلاكها بالتساوي بين الفريقين أو تمنع على كليهما، في حكومة الأربعة والعشرين كما في حكومة الثلاثين: متساويان بالعدد، متوازنان بالحقائب، بالقدرة على الترجيح والقدرة على التعطيل.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى