فرنسا: خروج ساركوزي ووسائل الإعلام: بوعز بسموت
من الواضح أن الامر هو اتجاه معين: بالضبط مثلما في الولايات المتحدة، ففي فرنسا ايضا لم يتعاط الناخبون أول أمس مع توقعات وسائل الإعلام والاستطلاعات، وفضلوا اتخاذ قرار مستقل في انتخابات اليمين التمهيدية. في الوقت الذي توقع فيه الخبراء مواجهة في الاسبوع القادم بين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وبين رئيس بلدية بوردو ورئيس الحكومة السابق آلان جوبيه، جاء فرانسوا فيون وأخذ كل الأوراق. 44 في المئة للمنتصر فيون، 28.6 في المئة لجوبيه وفقط 20 في المئة لساركوزي المُقال.
في فرنسا ايضا يريدون التغيير. إلا أن الامر هناك قد يكون تهديدا. من يقترح التغيير الكبير في المجتمع والسياسة الفرنسيين هو حزب اليمين المتطرف، الموجود خارج البنية الجمهورية ـ الجبهة القومية بقيادة مارين لوبين. من الافضل البحث عن التغيير في الاحزاب الممأسسة. فيون هو رئيس حكومة سابق في فترة ساركوزي، وتتوفر لديه المعايير كرجل تغيير ـ ولكن من الداخل المطلوب هو علم الاحياء وليس علم الجمهورية.
نظرا لأن الاشتراكيين برئاسة فرانسوا أولاند منقسمون، ونظرا لأن الجبهة القومية للوبين تجد صعوبة في اجتياز نسبة 22 في المئة على المستوى القومي، فإن المنتصر في اوساط اليمين التقليدي هو المرشح للفوز في الانتخابات الرئاسية في شهر أيار/مايو المقبل. وبسبب ذلك تابعت فرنسا باهتمام انتخابات اليمين التمهيدية، وكلف 4 ملايين شخص أنفسهم عناء المجيء للصناديق من اجل انتخاب مرشحين يصلان إلى المرحلة النهائية.
في فرنسا، مثلما في الولايات المتحدة وفي إسرائيل ايضا، المحللون مقطوعون عن الميدان. كما قالت أمس صحيفة «لا بارزيان». فيون الذي وضع في المرتبة الرابعة من بين مرشحي اليمين قبل عشرة ايام فقط، تجاوز الجميع وفاز على خصومه (ازداد بنسبة 30 في المئة في عشرة ايام).
وفي المقابل، الرئيس السابق ساركوزي هُزم وانسحب من السياسة من البوابة الخلفية. ومن حلم بالعودة إلى قصر الأليزيه هُزم في معركتي الانتخابات الاخيرتين اللتين شارك فيهما: الاولى قبل خمس سنوات في مقابل الرئيس أولاند، وأمس كانت الهزيمة أكبر حيث كانت في داخل البيت.
عمليا، الانتخابات التمهيدية كانت هامة جدا. في الوقت الذي ينتصر فيه اليمين في بريطانيا وفي الولايات المتحدة ويعد بامتيازات اجتماعية للمواطنين، فقد جاء مرشح اليمين في فرنسا ليفوز تحت عنوان التاتشرية. فيون يقترح نظرة ليبرالية جدا وهو ينوي فصل نصف مليون موظف من موظفي الدولة لتحسين الاقتصاد واخراج فرنسا من الوحل الموجودة فيه، وتحويلها في العقد القادم إلى رائدة في اوروبا. وكان فيون هو الوحيد ايضا الذي منح الناخبين اطارا صحيحا. ففي الوقت الذي تحدث فيه الجميع عن المشكلات، تحدث هو عن الأمل، هو الوحيد الذي تحدث عن فرنسا بمفاهيم القاطرة التي تقود القطار. يبدو أن المصوتين لا يريدون التغيير فقط، بل الأمل ايضا. وقد ساعد ذلك اوباما وترامب. فلماذا إذا لا يساعد فيون؟.
لا يمكن الحديث عن الانتخابات التمهيدية في فرنسا دون الحديث عن نهاية السيرة السياسية لساركوزي الذي تعرض للاهانة. السياسي المواظب الذي بدأ سيرته السياسية في جيل صغير كرئيس بلدية نويي في باريس، كان على قناعة بأن الأمر مضمون مثل هيلاري كلينتون. إلا أنه لم يأخذ في حسابه غياب تأييد الجمهور له، الامر الذي دفع كثير من الاشتراكيين إلى التصويت ضده في الانتخابات التمهيدية لليمين. وقد اعتقد ساركوزي أن موجة العمليات الاخيرة في فرنسا ستدفع المواطن إلى تأييده لأنه المرشح الأمني، ولم يعتقد أن الخوف من داعش ومن المهاجرين سيدفع الناخب إلى التصويت للمرشح الذي يتحدث عن خط متشدد وأسنان في القانون الفرنسي. ولكن ما لم يأخذه ساركوزي في الحسبان هو أن الحياة اليومية هامة ايضا للمواطن. وفي فرنسا ايضا، إنه الاقتصاد يا غبي.
كاريكاتور صحيفة «لا بارزيان» أمس يقول كل شيء. يظهر فيون هناك وهو يقول: «أريد إقالة نصف مليون موظف من موظفي الدولة والكثير من المستطلعين».
إن قول «الاستطلاع هو كذب» لم يكن صحيحا إلى هذا الحد. يبدو أنه حان الوقت لملاءمة الاستطلاع مع المرحلة أو الكتابة وراء كل استطلاع «الامر ليس مؤكدا».
إسرائيل اليوم