مقالات مختارة

تضخيم خطر القوات «وهم» والتسوية لن تكون على حساب مسيحيي المقاومة ابراهيم ناصرالدين

 

عندما نبهت وحذرت بعض القوى السياسية الفاعلة في فريق 8آذارحزب الله، وتحدثت بلغة «نقدية» حول مخاطر عودة «المارونية» السياسية الى الساحة السياسية اللبنانية اذا ما انتخب الجنرال ميشال عون رئيسا، لم يتوقف «القطار»ومضى الى محطته الاخيرة… لكن عندما جاء من يحذر من دور القوات اللبنانية وينبه الى مخاطر تضخم حجمها، «فرمل» تشكيل الحكومة الى حين تذليل بعض العقبات الضرورية… ليس في الامر استجابة لتلك «الاوهام» غير الموجودة… ولكن حفاظا على مكونات مسيحية اساسية ليس مقبولا بان تدفع ثمن «تحالف» «الضرورة بين «معراب» و«الرابية» فيما هي شريكة في «النصر الاستراتيجي»…

هذه الخلاصة لاوساط فاعلة في 8آذار، تحاول تبسيط وشرح المعوقات الحقيقية التي ساهمت في «التعثر» المؤقت في ولادة الحكومة، وتلفت الى ان تكبير حجم «الخوف» من دور القوات اللبنانية، «وهم» يستمتع به الدكتور سمير جعجع، ويدفع شركاؤه وخصومه الى المضي قدما بهذه «اللعبة»، يعرف كيف يستغلها في الشارع المسيحي، وهو يحاول تقمص دور الحزب المستهدف في تاريخه وحاضره ومستقبله، لان في ذلك تعمية على حقيقة انه «دفع» «ويدفع» ثمن خياراته الخاطئة، وليس اي شيءآخر… واليوم يريد ان يجر معه التيار الوطني الحر الى «قوقعة» مسيحية لا تشبه «التيار» في طروحاته الماضية والحاضرة، خصوصا بعد ان وصل «الجنرال» الى قصر بعبدا… «النق» وخوض معارك وهمية لاستعادة حقوق المسيحيين لم تعد تجد «آذانا صاغية» لانه ليس وحده من يمثلهم..الان وبعد وصول الرئيس القوي الى سدة الرئاسة، حقق المسيحيون الحد الاقصى المتاح بعد ان سلموا بعدم امكانية تعديل اتفاق الطائف في ظل توازنات القوى القائمة حاليا، ولكي لا ينسى احد «ربح» المسيحيون باصرار حزب الله على انتخاب حليفه «القوي»، بصفته مرشحا طبيعيا، يساهم انتخابه باخراج المسيحيين من حالة الاحباط المزمنة، وبعد سنتين ونصف «عجاف»، تقلبت خلالها القوات اللبنانية، وحليفها تيار المستقبل، في خياراتهما «الدونكيشوتية»، وصلا في نهاية المطاف الى خيار «مجبر أخاك لا بطل»…

ثمة واقع مذهبي وطائفي لبناني يمنع اي طرف من السطو على حقوق الطرف الآخر، ما كتب في الدستور وفي الاعراف المرعية الاجراء، لم يتجرأ احد على تجاوزه منذ اتفاق الطائف، حقوق الجميع محفوظة، تقول تلك الاوساط، ولكن تتغير الاسماء والاحزاب الوصية على «تركة» كل مجموعة طائفية بتبدل الظروف والمعطيات السياسية الداخلية والخارجية، فعندما نفي الجنرال عون، وسجن جعجع، «وعزلت» الكتائب اللبنانية، كان بديلها في السلطة مسيحيون وليس مسلمون، وفي مرحلة ما يعرف بـ«الحقبة» السورية لم يقتصر روادها «وابطالها» على القيادات الاسلامية، بل «فرخت» زعامات مسيحية شاركت في تقاسم السلطة والنفوذ «والجبنة» مع الاخرين، وبعد حصول المتغيرات الاقليمية والمحلية التي كانت نقطة التحول فيها عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عاد المنفي، وخرج المسجون، وانضم كل منهما الى خيار سياسي، وتحملا نتائجه السلبية والايجابية..

خسارة المعركة مع حزب الله، و«ظلم ذوي القربى» وتخلي دول الاقليم والرعاة الغربيين عن «ثورة الارز»، دفعت «الحكيم» الى حضن «الجنرال» طمعا في كثير من الامور، تؤكد الاوساط، ليس مهما طمعه بوراثة «زعامة» عون، وليس مهما دخوله شريكا «مضاربا» في حصة المسيحيين ورغبته في تقاسمها مع التيار الوطني الحر، هذا شأن تحسن او تخطىء في تقديره «القيادة البرتقالية»، لكن ما ليس من حق هذين الطرفين المسيحيين هو «شطب» المسيحيين الاخرين عن «الخريطة»، انطلاقا من عقدة «نقص» موروثة هذا ما رفع عاليا «صوت» حزب الكتائب، وما استدعى من حلفاء تيار المردة رفع درجة الاستنفار لحماية حيثية وحقوق الوزير سليمان فرنجية..     .

وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان حزب الله لا يشعر «بالقلق» ازاء التقارب بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ليس قلقا على تأثير محتمل «للحكيم» على الخيارات الاستراتيجية «البرتقالية، لثلاثة اسباب:

الاول ان جعجع لا يمثل وحده ثقلا قائما بذاته يمكن اعتباره خطرا داهما، فمع توفر الدعم الخارجي في سنوات ما بعد 2005، اختارت «القوات» «اللعب» في الخطوط الخلفية، وكانت تتلطى وراء تيار المستقبل، ولا يبدو في الافق اي معطيات يمكن ان تحفز جعجع على اتخاذ خيارات «انتحارية»…

ثانيا، ثمة ثقة «متينة» بالثوابت الاستراتيجية لقيادة التيار الوطني الحر برئاسة الجنرال عون قبل وصوله الى الرئاسة وبعدها، وبقيادة الوزير جبران باسيل الذي لم يرتكب اي «هفوة» على هذا الصعيد منذ توليه رئاسة المسؤولية القيادية في «التيار»…

السبب الثالث فيعود اصلا الى انعدام الخيارات الجدية امام التيار «البرتقالي» الذي يعرف جيدا ان شراكته مع حزب الله وحدها ما سمح له في استعادة حقوقه وتحقيق اهدافه السياسية بعد نحو 26 سنة من التقلبات والانقلابات التي وصلت به الى «حائط» مسدود، يدرك جيدا انه لا يستطيع دون الحزب الصمود في «حقل الالغام» اللبناني…

لكن على التيار الوطني الحر ان لا يغفل حقيقة ان في الشارع المسيحي حلفاء «اصيلين» لخط المقاومة، وهي احلاف «بالولادة»، صحيح ان التيار «البرتقالي» ربح معركته الرئاسية بحدودها «الضيقة»، لكن الاصح ايضا ان نظرة اشمل على الصورة تشير الى ان خيار حزب الله الاستراتيجي هو من انتصر، قالها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو مقتنع بذلك بعيدا عن «الحروب الصغيرة» مع «العونيين»، وهذا يعني انه من غير المنطقي ان يدفع ثمن هذا الانتصار، هو شريك اساسي في منظومة محور المقاومة التي دفعت، وصمدت، وانتصرت في نهاية المطاف، واذا كان من «تضخم» في حصص القوات اللبنانية في العهد الجديد، فعليه ان يكون من حساب حليفه «الازرق»، اوشريكه «البرتقالي»، ليس من شان احد ان يملي على قيادة التيار خياراتها، تريد ان تزيد حصة القوات «حسنا فهذا سيكون من «كيسها» وليس من «كيس» الاخرين»، ثمة من في «التيار» اصبح «ملكيا» اكثر من «الملك» ومتحمس لخيار التكامل مع «الحكيم»، في مقابل تيار الاخر يتعامل مع الملف بحذر شديد، ويستمع الى النصائح، انه جزء من تجاذب داخلي سيستمر وستحكم عليه التجربة، لكن الى ان تتظهر النتائج ليس مسموحا ان يسقط «ضحايا» من الفريق المسيحي الرابح في خياراته الاستراتيجية مع المقاومة…

وفي الخلاصة، تبدو محاولة استعطاف الرأي العام المسيحي بالحديث عن «فيتوات» يقودها حزب الله لمنع القوات من الحصول على حقائب سيادية، جزء من «بروباغندا» دعائية لنيل الاستعطاف، لا أكثر ولا أقل، تؤكد الاوساط، لان الاصل في الموضوع يبقى السؤال، هل تستحق القوات بما تمثله من كتلة في المجلس وفي الشارع المسيحي بكل هذه «الحصة» المتورمة؟ وهل فقط حزب الله من يمانع حصولها على تلك الحقائب؟ هل سئل احد قيادة الجيش والمؤسسة العسكرية رأيها في وجود «قواتي» في وزارة الدفاع؟ طبعا لا، لا داعي لذلك،لان الجميع يعرفون الجواب؟ وهل ثمة من يعتقد ان الرئيس الحريري كان في وارد التخلي عن وزارة الداخلية؟ طبعا المالية كانت خارج النقاش الجدي.. اما الخارجية فحكما لم تكن مطروحة على «بساط البحث»، عدم امكانية ان يكون وزير من حزب الله على رأس الوزارة، يفسر ايضا لماذا لا يمكن ان يكون «قواتيا» هناك؟ ثمة واقعية سياسية تريد ان تحولها «القوات» الى معركة «طواحين هواء» لن تثمر شيئا، «القوات» اللبنانية ليس هاجسا لاحد، لكن الفريق الرابح في المعادلة الاستراتيجية، لن يسمح بان تتحول الحكومة الاولى للعهد عنوانا لهزيمة شركائه المسيحيين وغير المسيحيين…        

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى