مخاض تطبيق الطائف – 1
غالب قنديل
يمثل مسار تأليف الحكومة الاولى للعهد اول اختبار لمعادلات الشراكة في الحكم على قاعدة تطبيق اتفاق الطائف بدون استنساب وفقا لما اعلنه الرئيس ميشال عون في خطاب القسم وجعله المحور المركزي والهدف الأساسي لولايته الرئاسية .
اولا تطبيق الطائف من خلال حكومة وحدة وطنية يعني تمثيلا حكوميا شاملا لسائر الأطراف والقوى السياسية ويقتضي رفض كل نزعات الإقصاء والتهميش والعزل التي شكلت مصدر الخلل المشكو منه في مسار التطبيق المشوه الذي الذي خلف الكثير من التعقيدات والازمات في الحياة الوطنية خلال ربع القرن الماضي وهذا ما يعطي صفة سلبية وخطيرة للضغوط القواتية التي تتركز ضد تمثيل الحزب السوري القومي وتيار المردة وحزب الكتائب وحيث تزعم القوات لنفسها جميلا على العهد هو في الواقع انتحال سياسي لتغطية ابتزاز ضد التيار الوطني الحر وضد العهد الجديد بنتيجة ما يوليه التيار من حرص على المصالحة بين الفريقين التي ختمت مرحلة من التصادم والنزاع انطلقت عشية الطائف وخلفت الكثير.
إن انتخاب الرئيس ميشال عون ختم الكثير من الجراح التي خلفتها تلك المرحلة الحافة بالتشوهات وبأعراض التوتر الطائفي والغبن والإحباط التي خلفتها انحرافات الممارسة السياسية عن مضمون الطائف وعن قواعد التوازن الوطني التي تضمنتها نصوصه وكانت قوانين الانتخاب الاكثرية مع تفصيل الدوائر هي الأداة التي استخدمها الفريق الحاكم وبالتأكيد فإن الرئيس ميشال عون ومن موقعه الدستوري والوطني سيكون في موقع التصدي لإعداة إنتاج ذلك التشوه ومن هنا تشديده على تنفيذ الطائف دون أي استنساب .
ثانيا إن القراءة الواقعية لما جرى قبل انتخاب الرئيس ميشال عون تبطل خرافة الفضل المزعوم على الرئيس وعهده لكل من رئيس حزب القوات سمير جعجع والرئيس سعد الحريري اللذين دعما انتخاب عون بقوة الاضطرار وبعد فترة طويلة من الرفض والتمنع والمناورة والالتفاف وكانت لكل منهما دوافعه السياسية والمصلحية في حسم خياره الرئاسي لصالح انتخاب الجنرال .
بعدما كان مرشحا للرئاسة باسم 14 آذار وبعدما تصدر التصدي لترشيح الرئيس ميشال عون اضطر جعجع للانتقال إلى مصالحة التيار الوطني الحر الذي ولد استقطابا شعبيا واسعا في الشارع المسيحي من موقع تصديه لتشوهات تطبيق الطائف ولمظاهر استهدافه بوصفه القوة التمثيلة الوازنة مسيحيا في قلب معادلات الشراكة الوطنية وهو ما اوجب على جعجع التراجع امام خيار انتخاب الجنرال لرد الاعتبار للشريك المسيحي القوي والأوسع تمثيلا وفقا لمعادلة النظام الطائفي وأراد جعجع بذلك ان يحمي حيثيته السياسية عدا عما ينسب إليه من حسابات ورهانات في قلب تلك الانعطافة ومنها ذعره من احتمال انتخاب الوزير فرنجية لكن الجوهري رضوخه لنتائج دينامية ثبوت صحة خيارات العماد عون ونهج التيار الوطني الحر منذ تفاهم شباط 2006 مع حزب الله وهذا البعد السياسي الحاسم وأثره في الحياة الوطنية والمعادلات السياسية هو الذي دفع جعجع إلى المصالحة وإلى الموقف الانتخابي الموازي لها والحسابات السياسية والمصلحية كذلك هي التي اوصلت الرئيس سعد الحريري إلى النتيجة نفسها وقد وصف مسارها بنفسه عندما أعلن عن تبنيه ترشيح الجنرال في حصيلة معركة متواصلة لمنع انتخابه منذ بداية الاستحقاق الرئاسي.
ثالثا تطبيق الطائف الذي بات مسؤولية دستورية لفخامة الرئيس منذ انتخابه وهو ما تعهد به في خطاب القسم يفترض اعتبار قانون الانتخاب الجديد مهمة مركزية وفقا لما اعلنه الرئيس ميشال عون مرارا وهي مهمة يجب ان تنجزها حكومة العهد الأولى التي ينبغي ان تضم جميع القوى الرئيسية في البلاد دون استثناء او تمييز او إجحاف والرئيس عون الذي يثبت بروحية السعي إلى التفاهمات الوطنية مؤها للتعامل بهذه الروحية من موقعه الدستوري وهو معني بمنع أي تلاعب سياسي إقصائي او أي ابتزاز تقوم به هذه الجهة اوتلك في اعتراض مراعاة هذا البعد التكويني في حكومة سيكون عليها وضع قانون الانتخاب والإشراف على الانتخابات النيابية لتأسيس نقطة انطلاق جديدة في الحياة السياسية اللبنانية وحيث ينبغي بعدها ان تحتكم معادلات تكوين المؤسسات إلى صورة الأحجام التمثيلية السياسية الأقرب إلى الواقع خصوصا إذا نجح العهد في تحقيق الإنجاز الوطني المتمثل بالقانون العادل للانتخابات باعتماد النظام النسبي .
الرئيس ميشال عون الذي قبل الطائف بواقعية منذ عودته إلى لبنان وارتضى كلفة سياسية كبيرة لخياره وتعرض لهجمات لم تنقطع واجهها بشجاعة السير إلى التفاهمات الوطنية وبهذه الشجاعة يمكن ان يواجه تحدي المخاض الذي يضمن قيادة الانتقال إلى تنفيذ الطائف وتدشين مرحلة جديدة نوعيا بقانون انتخاب جديد وبإعادة تكوين مؤسسات الدولة احتكاما للإرادة الشعبية وهو قادر على ذلك بخبرته وبرصيده الكبير.