يقاتلون ضد «داعش» وضد بعضهم: تسفي برئيل
يوم الثلاثاء بلغت معظم الصحف في مصر عن زيارة وفد سعودي «من أعلى مستوى» إلى القاهرة، جاء لبحث العلاقات بين مصر والسعودية. لم يفصل الخبر من سيكون في الوفد ولا ما سيقال بالضبط في اللقاء بين الطرفين. لم تنشر أي صورة ونسب التقرير إلى «مصادر مطلعة» في الحكم المصري. ويوم الاربعاء أعلن السفير السعودي في القاهرة، احمد قطان، بأن ما نشر كان خطأ وأنه لم يزر أي وفد سعودي القاهرة. «لعل هذا كان أمنية مصرية أكثر من أي شيء آخر»، كما جاء في موقع للمعارضة المصرية.
زيارة وفد سعودي كبير قد لا تحل الازمة في العلاقات بين الدولتين والتي بلغت ذروتها في بداية شهر تشرين الاول/أكتوبر، حين وضع على طاولة مجلس الامن في الامم المتحدة مشروعا قرار في موضوع سورية. الاول فرنسي وتضمن وقفا فوريا للغارات الجوية في مدينة حلب، بما في ذلك الحظر على الطائرات القتالية التحليق فوق حلب حتى لو لم تكن في طريقها إلى القصف.
والثاني، مشروع روسي، الذي صيغ بشكل مشابه، باستثناء البند الحرج الذي يطالب بوقف القصف على حلب. ونال المشروع الفرنسي كما كان متوقعا فيتو روسي وهكذا شطب عن جدول الاعمال. ولكن المفاجأة كانت عندما قررت مصر التصويت في صالح المشروعين، الروسي والفرنسي، بدلا مما كان متوقعا منها أن تصوت في صالح المشروع الفرنسي فقط. من شعر لحظتها بالبصقة في الوجه كانت السعودية التي لم تفهم لماذا «خرجت مصر عن الطريق المستقيم» وأيدت المشروع الروسي، الذي معناه التأييد للموقف الإيراني، بينما تبذل السعودية جهودا عظمى لتقليص نفوذ البلدين على ما يجري في الشرق الاوسط.
لم يكتفِ الرد السعودي بالتصريح الاستثنائي الذي قال ان «التصويت المصري كان أليما». فقد أعلنت شركة النفط الوطنية «ارامكو» هذا الشهر عن وقف ارساليات منتجات النفط إلى مصر حتى اشعار آخر. في مصر، من شأن وقف ضخ منتجات النفط اليها ان يكون ضربة قاضية، ولا سيما حين لا يكون الاحتياطي الحالي في مصر يكفي الا لشهرين.
بعد وقت قصير من ذلك، في مؤتمر عقد في تونس، تلقى السيسي صفعة رنانة على لسان الوزير السعودي لشؤون الحج وأمين عام مجلس التعاون الاسلامي اياد مدني. وفي نهاية تشرين الاول في ندوة للشبيبة المصرية عقدت في شرم الشيخ القى السيسي خطابا ملتهبا روى فيه انه «على مدى عشر سنوات لم يكن في ثلاجتي شيء غير الماء». واثار هذا القول موجات من السخرية في الشبكات الاجتماعية. وفي الندوة في تونس، سخر ايضا الوزير السعودي من ثلاجة السيسي حين قال للرئيس التونس امام الحضور «انا واثق من ان في ثلاجتك اكثر من الماء». وهز هذا القول قصر الرئاسة في مصر. فقد تميز السيسي غضبا وحسب التقارير في مصر طلب اعتذارا سعوديا علنيا. اما السعودية فلم تعتذر رسميا واضطر الوزير المحترم إلى الاستقالة «لأسباب صحية».
هل هذه سحابة صيف أم أزمة عميقة؟ للسعودية بطن مليئة على مصر التي تلقت من المملكة العديد من المليارات كمساعدة وعقد توريد نفط لخمس سنوات بسعر مفضل وقرض لـ 15 سنة. فقد اعتقدت السعودية بأنها ستحظى مقابل المال بحليف ملتزم. ولكن في الاشهر الاخيرة تراكمت ترسبات سياسية كثيرة في القناة السعودية ـ المصرية لدرجة انسدادها. فالاحتفالات بنقل جزيرتي سنافير وتيران في البحر الاحمر إلى السعودية في شهر اذار/مارس الماضي، انتهت بقرار محكمة ادارية في مصر بأن الجزيرتين تعودان لمصر ونقلهما يتعارض مع الدستور. فعضت السعودية على نواجذها ولم ترد علنا.
لم تخف مصر معارضتها لمواصلة الحرب السعودية الفاشلة في اليمن وطلبت وقف التعاون العسكري في هذه الحرب. كما أن السيسي لا يوقع على موقف السعودية بالنسبة لسورية، وهو يعتقد بأن مواصلة حكم الأسد ممكن في فترة نقل الحكم وربما بعد ذلك ايضا. ويقدر السيسي بأنه إذا سقط الأسد ستنتقل سورية إلى إيران او إلى ايدي منظمات الثوار ومنظمات الارهاب في اسوأ الاحوال.
وهكذا يعتبر السيسي كمن يسير على الخط مع تحالف بلدان العجب الذي يضم في عضويته إسرائيل، إيران وروسيا المؤيدة للأسد، كل واحدة لاسبابها. بعد ثلاث سنوات بدا فيها الحلف بين السعودية ومصر صلبا كالاسمنت، الشقوق فيه أكثر من الروابط، وهذه دفعت السيسي قبل كل شيء إلى البحث عن مصادر بديلة لتوريد النفط. فوقع على اتفاق سريع وقصير الامد مع اذربيجان، حاول التوقيع على اتفاق مع الكويت وهو يوشك على التوقيع على اتفاق مع اتحاد الامارات، المستعدة لان تبيع النفط بالشروط السعودية. ولي عهد ابو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، واحدة من الامارات السبعة، حاول مؤخرا التوسط بين مصر والسعودية وهكذا ايضا حاكم البحرين، ولكن حتى الان يبدو ان العلاقات عالقة في ثلاجة ملك السعودية سلمان.
أردوغان ضد الجميع
موجات الصدى التي خلفتها الحرب في سورية وفي العراق ضد نظام الأسد وضد داعش لم تتوقف عند ضفاف النيل. فهي عاصفة ايضا في القسم الشمالي الشرقي من الشرق الاوسط ونجحت منذ الان في احداث شرخ عميق بين تركيا والعراق، وعلى أي حال ايضا بين تركيا وإيران. إذ أنه عندما يهدد العراق بمهاجمة القوات التركية العاملة في شمال الدولة ضد داعش وعندما يتحدث الرئيس التركي عن «التوسع الفارسي في الشرق الاوسط»، فإن بؤر الصراع مرة اخرى تعود إلى الساحات المحلية على الاقل إلى أن يتبين ما هي مواقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بالنسبة لاستمرار ولاية الأسد وتجاه امكانية التعاون مع روسيا وبالاساس، هل سيرى في إيران تهديدا اقليميا.
الازمة في العلاقات بين تركيا والعراق لم تبدأ في الحرب في سورية بل في السنوات التي تولى فيها نور المالكي رئاسة الوزراء في العراق. واتسعت حين وافقت تركيا على بيع النفط الكردي، ووصلت إلى ذروتها قبيل المعركة على الموصل. عندما اطلق رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي هذا الاسبوع تهديداته على التدخل التركي، رد عليه اردوغان بحزمه المميز باضعاف: «لماذا سمحتم لداعش بدخول العراق؟ وقد كان يوشك على اقتحام بغداد، أين كانت حينها حكومة العراق؟ وعليه، فلا داع لأن يتحدث احد معنا عن قاعدتنا العسكرية في بعشيقة. بعشيقة هي ضمانتنا ضد كل نوع من الارهاب في تركيا».
الموصل، بزعم اردوغان هي غنيمة هامة من أن تبقى بيد العراقيين، وهو يرى نفسه كحام للتركمانيين الذين يسكنون في بعشيقة والموصل ولكن الاهم من هذا فإنه يحتاج إلى جسر عسكري كي يتمكن من العمل في العراق ضد حزب العمال الكردستاني. المفارقة هي أن تركيا تتعاون مع أكراد العراق بل وتدربهم وتوفر لهم العتاد العسكري بهدف أن يشكلوا لاحقا سورا واقيا ضد الاكراد السوريين. كما أن اردوغان يشك ويخشى من امكانية ان تصبح سورية مثل لبنان جيبا إيرانيا وان تجسد إيران عندها حلمها في اقامة ممر بري من إيران عبر العراق إلى سورية.
التوتر بين تركيا وإيران يهديء بقدر ما التعلق الاقتصادي بين الدلتين، إذ أن إيران هي موردة الغاز الثانية في حجمها بعد روسيا لتركيا وحجم التجارة بين الدولتين يقدر بنحو 20 مليار دولار. تركيا لا تسعى ايضا إلى اغضاب روسيا التي تتعاون معها اقتصاديا وعسكريا. ولكن المصالح التركية على حدودها الجنوبية من شأنها أن تغطي على هذه العلاقة، ولا سيما عندما تتغيب عن المعركة حاليا الولايات المتحدة.
الحرب في سورية وفي العراق دخلت مرحلة جديدة. إذا كانت هذه الحرب بدأت طريقها من الصراعات الداخلية وتطورت إلى صراعات بين القوى العظمى، فهي الان مرة اخرى تنطوي داخل حدود الدول، المسيرات التي من شأنها أن تخرب أكثر على امكانية ايجاد حل سياسي لهذه الازمات.
هآرتس