مجرمو الحرب في سوريا
غالب قنديل
بعد سنوات من العدوان الاستعماري على سوريا، الذي قاده باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، تعترف الولايات المتحدة بأن من درّبتهم وسلّحتهم وقدّمتهم للعالم باعتبارهم ثوارا من أجل الحرية، لا يمكن الفصل بسهولة بينهم وبين مسلحي شبكة القاعدة الإرهابية، التي تتفق جميع دول العالم على تجريمها .
بكل بساطة، وبعد أشهر طويلة من المباحثات الروسية – الأميركية، خرج جون كيري وزير الخارجية في إدارة اوباما، ليعلن استحالة الفكّ بين “المعتدلين” من مسلحي” المعارضة” وبين مسلحي القاعدة أو جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام، وسوى ذلك من عصابات الإرهاب والقتل الجماعي.
هذه الحقيقة لم تنل ما تستحق من العناية والنقاش والانتباه على الصعيد الإعلامي، مع أنها هي الموضوع المركزي، الذي يجب أن تتجه اليه الأنظار. فالكلام الأميركي هو إقرار بإرساليات السلاح ومليارات الدولارات، والرعاية السياسية، والمعونة المخابراتية، وغرف العمليات المتخصصة، التي أقيمت في تركيا وفي الأردن وفي لبنان في بداية العدوان على سوريا، ومن ثمّ نقل بعض منها الى داخل الأراضي السورية، للإشراف مباشرة على تلك الجماعات، “التي يصعب فكّها او تمييزها عن مسلحي القاعدة“.
من أين أتت هذه الجماعات؟. السوريون منهم جرى تصيُّدهم من قبل لجان المساجد والجمعيات، التي أقامتها جماعة الإخوان المسلمين منذ سنوات طويلة بتمويل سعودي وقطري وإماراتي، والأجانب منهم، أي غير السوريين، وبعضهم من المملكة السعودية، ولنتذكر زعيم القاعدة في حلب وريفها المحيسني السعودي، ومن الامارات وتركيا، ومن جميع الجاليات العربية والإسلامية الموجودة في الغرب، وكذلك من الجمهوريات الآسيوية، التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق. خليط عجيب رهيب من المرتزقة والإرهابيين، الذين تمّ شحنهم عقائديا بأفكار القاعدة التكفيرية والارهابية، وباتوا مستعدّين للقتل، وللموت في خدمة المخطط المرسوم. هذا الخليط هو الذي دعمته الولايات المتحدة ودول الغرب وحكومات المنطقة المتورطة في الحرب على سورية، وهؤلاء هم رسل الديمقراطية والحرية المرسلون لتبشير السوريين بغد جديد.
ببساطة غنها فضيحة العصر، وهي دليل على المستوى الإجرامي، الذي بلغته السياسات الأميركية، ولا يجب أن يفوت أي عاقل أو مراقب موضوعي وعلمي، ما تكشفت عنه تلك السنوات من الحرب على سورية من حجمٍ للدور الإسرائيلي المركزي في إدارة العمليات، وفي اصطياد العملاء، وفي دعم هذه الجماعات، التي وجد جون كيري صعوبة في تمييزها عن مسلحي القاعدة.
القاعدة نفسها، هي شبح أنتجته الولايات المتحدة، لتغطي به مشاريعها وخططها التدميرية في دول العالم. وقد لعب باراك اوباما دورا حاسما وأساسيا في تنشيط هذه العملية، التي توهّم كثيرون أنها توقفت بعد أفغانستان، ثم بعد 11 ايلول عندما ارتدّ إرهاب القاعدة، الذي رعاه بريجنسكي بالشراكة مع بندر بن سلطان، الى نيويورك وواشنطن، ودمر ما دمر وقتل .
إنهم مجرمو الحرب في سوريا، الذين قتلوا الناس، ودمّروا البلد، وخربوا الاقتصاد، وشكّلوا جسرا بمحاولة فرض الإملاءات الأجنبية على دولة وطنية، تمسكت باستقلالها، ورفضت الإذعان للأجنبي وللصهيوني وللرجعية العربية وللعثمانية الجديدة وجميع مصنفات العمالة والارتباط بالأجنبي.
هذه حقيقة يجب أن تقال، وعليها تقاس جميع المواقف. فالحلف، الذي سعى الى تدمير سورية هو حلف أميركي- أطلسي – صهيوني- رجعي – عربي – تركي… الى آخر قائمة المتآمرين والمشاركين في المؤتمرات، التي قادتها هيلاري كلينتون، لتنشيط الحرب على سورية.
سيكون خبرا سعيدا، بدون شك، ان يتبدّل الموقف الأميركي في التعامل مع الوضع السوري، وأن يتبنّى دونالد ترامب سياسة حقيقية لمكافحة الإرهاب، وللتعاون مع روسيا في سورية. فهذا سيعني بداية فصل ختامي في حرب قذرة، وفي مقتلة استهدفت الشعب السوري الناهض المحب للحياة، والذي هُجِّر منه من هُجِّر وقُتِل من قُتِل، في أقذر حروب العصر الحديث. هي حرب لم تشارك فيها الجيوش مباشرة، لأنها رُدعت بقوة سورية، وبقوة حلفائها. ولكنها حرب تمّت بواسطة شُذاذ الآفاق والقتلة والمرتزقة والإرهابيين والعصابات، التي دُرِّبت وحُضِّرت في معسكرات خاصة، وجرى ربطُها بالأقمار الصناعية، لإدارة أكثر العمليات وساخة وقذارة في تاريخ الحروب، التي عرفها العصر الحديث.
أولئك هم القتلة والمجرمون في سورية. ومن يتجاوز هذه الحقيقة هو شريك في كل الجرائم، التي شهدتها الأرض السورية، التي دنّسها التكفيريون، خلال السنوات الماضية، وكان معهم، في الطابور نفسه، أدعياء العلمانية واليسار والوطنية والتحرر والتقدم الديمقراطي والاجتماعي، الذين صاروا يشتغلون عند السفارات وأجهزة المخابرات، ويتاجرون بمحنة الشعب السوري، لحساب أسيادهم ومشغِّليهم.