إسرائيل هي ذخر استراتيجي: ابراهام بن تسفي
في أيار 1948 عندما تحولت إسرائيل إلى دولة سيادية، بدأ ظل الحرب الباردة المتكدر في التخييم على ساحة الشرق الاوسط. على ضوء النية المعلنة لبريطانيا بالانسحاب التدريجي من معظم مواقعها في المنطقة، وتبين لواضعي السياسة الأمريكية أن مهمة كبح الاتحاد السوفييتي ستكون ملقاة على اكتافهم من الآن فصاعدا.
هذا الادراك زاد الحاجة إلى البحث عن حلفاء في العالم العربي. والتعبير الواضح عن هذا الجهد كان فكرة الاتحاد الدفاعي بين العرب. واقامة الاتحاد كان من المفروض أن تحول مصر والعراق إلى الخلايا المركزية من اجل افشال محاولات تمدد موسكو، وايضا الدفاع عن المواقع العسكرية الأمريكية، الامر الذي انشأ برنامج سياسي متحفظ تجاه إسرائيل.
حسب متخذي القرارات في الولايات المتحدة، وخصوصا بعد دخول آيزنهاور إلى البيت الابيض، نشأت علاقة مباشرة بين تقدم المصالح الاستراتيجية الحيوية للغرب في كل المنطقة وبين المسار الأمريكي الإسرائيلي.
العزلة، الابتعاد والتحفظ من إسرائيل كانت الأدوات التي تهدف إلى منح المحفز المطلوب لقادة العالم العربي وعلى رأسهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر كي يوافق على الانضمام إلى الاتحاد الذي خطط له.
هنا كان يكمن الدليل على استعداد القوة العظمى الأمريكية للعب دور «الوسيط النزيه» الذي لا يتردد في استخدام رافعات الضغط على إسرائيل في عدد من المواضيع والعلاقات، بما في ذلك الموضوع الجغرافي.
إن الايمان بوجود صلة وثيقة بين متعدد الاطراف وثنائي الاطراف، الذي حول العلاقة بين واشنطن والقدس إلى أسيرة في أيدي قوى اقليمية مشتعلة، لم يتلاشى أبدا حتى بعد انهيار خطة اقامة حلف بغداد. وبعد ادارة بلاد النيل ظهرها للغرب.
لكن بعد أن تبين أن محاولة تجنيد جمال عبد الناصر قد فشلت، لم يتم اهمال مبدأ الصلة الوثيقة بين الاهداف والمصالح وبين علاقة الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذا المبدأ استمر في التأثير في تفكير قادة الأمة الأمريكية. مثلا، على الرغم من وجود 55 سنة بين بداية ولاية آيزنهاور وبين دخول براك اوباما إلى البيت الابيض، ورغم تحول إسرائيل خلال هذه العقود من عبء استراتيجي إلى ذخر أمني واضح بالنسبة للولايات المتحدة، فإن رجال الرئيس الحالي لم يستخلصوا الدروس من محاولات أسلافهم لارساء سياسة تجاه إسرائيل في السياق العربي.
وهذا من خلال الالتصاق بقناعتهم الأولية التي تعتبر أن تحسين مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط العربي يتم من خلال حدوث انعطافة في المسار الإسرائيلي الفلسطيني.
ورغم حقيقة أن سياسة «اليد القوية» التي استخدمتها ادارة آيزنهاور تجاه إسرائيل، لم تقنع مصر في الانضمام لجهاز الكبح والردع، فإن الرئيس الـ 44 قد تبنى هذا المنطق.
الفجوة المتبقية
عندما دخل إلى البيت الابيض، سعى اوباما إلى خلق استقرار اقليمي عن طريق تشكيل تحالف عربي واسع معتدل كي يشكل عائقا لا يمكن عبوره بالنسبة للقوات الراديكالية، الامر الذي قاده مباشرة إلى الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني. حسب الرئيس، فإن رفع هذا الحجر عن البرنامج اليومي للعالم العربي هو الذي سيُمكن اللاعبين مثل مصر والسعودية من توسيع التعاون السياسي والامني مع واشنطن دون تعريض الاستقرار الداخلي للخطر.
هكذا عاد الموقف من العلاقة بين الشرق الاوسط الواسع وبين الساحة الفلسطينية إلى مقدمة الدبلوماسية الأمريكية. في حين أن تعاطي البيت الابيض مع المسألة الفلسطينية كان مصدر الكراهية العربية المتواصلة للولايات المتحدة بسبب تأييدها لإسرائيل.
رواسب عميقة من العداء وخيبة الأمل في الساحة الفلسطينية هي التي أفشلت، حسب رأي اوباما، الجهود السابقة من اجل تقدم العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعالم العربي، الامر الذي صمم الرئيس اوباما على التخلص منه. «اذا نجحنا في حل الموضوع الفلسطيني فسيكون من السهل منح الدول العربية تأييدها لنا»، كما صرح مرة تلو الاخرى.
لقد كان الربيع العربي هو الذي ضعضع النظام الاقليمي وأثبت بُعد التفكير الأمريكي عن الواقع الحقيقي في الشرق الاوسط والقوى التي تعمل فيه. وهكذا فقد تم اسدال الستار على نظرة العلاقة المطلقة بين الاقليمي والمحلي وبين العام والخاص، تلك النظرة التي أثرت في الدبلوماسية الأمريكية في هذه الساحة. على خلفية هذه الاقوال يمكن رؤية انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة على أنه مسمار آخر في نعش هذه النظرية.
ورغم أن الخطوط المحددة للسياسة الاقليمية لم تتبلور بعد، في هذه المرحلة من الواضح أن هدف اقامة تحالفات دفاعية جديدة مقرونة بتقييد الالتزامات والضمانات الأمريكية، بعيدة سنوات ضوئية عن مزاج الرئيس المنتخب.
ليس فقط أنه لا ينوي العمل على اقامة شراكات اخرى برعاية وتأييد مالي من واشنطن، بل قال عشية الانتخابات إنه سيعيد النظر في شراكات قائمة، استراتيجية، بما في ذلك حلف الناتو. ونظرا لأن نظرة ترامب للساحة الدولية تجارية في جوهرها، يمكن القول إن تعاطيه المستقبلي مع الحلفاء أو الخصوم سيكون موضعي. بدلا من ربط الولايات المتحدة بترتيبات أمنية اقليمية مكلفة تزيد من تدخل أمريكا في الازمات، سيفضل ترامب التركيز على تعميق العلاقات القائمة مع الشركاء.
عندما تكون اعتبارات الفائدة والتكلفة الضيقة هي التي تضع السياسة وليس التوازن الاقليمي، يمكن القول إن العلاقات الخاصة ستبدو في نظر ترامب أقل تكلفة وأكثر نجاحا.
وبناء على حقيقة أن إسرائيل تشكل ذخرا استراتيجيا وجزيرة استقرار داخل محيط عاصف، فإن هذا قد يمنح الولايات المتحدة شبكة أمان حيوية في المرحلة التي تعبر عن التراجع في دور لعب الشرطي العالمي. بقي لنا أن ننتظر لنرى الشخصيات البارزة في خلية النحل السياسية والامنية التي يبلورها ترامب مثل رودي جولياني ومايكل فلين، اللذان يؤيدان إسرائيل بشكل كبير، ويعتبرانها ذخرا استراتيجيا.
إسرائيل اليوم