بقلم غالب قنديل

مستقبل العلاقات الروسية الاميركية في الاختبار السوري

غالب قنديل

شكّل التوجه الإيجابي لفتح صفحة جديدة مع روسيا أحد أبرز معالم الخطاب الانتخابي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويُقابل هذا الاتجاه بحملات واسعة النطاق. ورغم انتهاء الانتخابات واتضاح نتائجها، فإن مواقع المحافظين الجدد وحزب الحرب في الولايات المتحدة تحيط مستقبل العلاقات الاميركية الروسية بعلامات استفهام وبشكوك كثيرة .

إن هذه النزعة، التي تواجه رغبة الرئيس دونالد ترامب بفتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية – الروسية تعكس بصورة مباشرة حالة حزب الحرب بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، وهزيمة مرشحته هيلاري كلينتون، التي تراصفت خلفها جميع القوى الرجعية، التي تريد أن تبقي حالة التوتر والصدام غير المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي القوى التي أسقطت اتفاق كيري ـ لافروف حول سوريا، الذي بُني على مبدأ الشراكة في ضرب داعش والقاعدة على الأرض السورية. ولو قيّض له أن يشق طريقه الى التنفيذ، لشكّل التعبير الأول منذ الثمانينات من القرن الماضي، عن شراكة دولية حقيقية في الحرب على الإرهاب، التي جعلها حزب الحرب الأميركي ذريعة لشن غزوات وحروب استعمارية متعددة في سبيل إعادة ترويض الإرهابيين، وتوجهيهم باستمرار نحو أهداف تخدم السياسات الأميركية، والانتقال بهم من ساحة الى ساحة طيلة الأعوام الأربعين الماضية.

الاختلاف الروسي الأميركي حول كيفية التعامل مع الإرهاب شكّل أحد التعارضات البارزة في السياسة بين روسيا والولايات المتحدة. وهذا ما تجسّد بصورة قوية في الموضوع السوري. ولكن الدوافع التي تحفز حزب الحرب الى اعتراض طريق التعاون الروسي – الأميركي أبعد مدى من هذا الملف بذاته. إنها تتعلق بمشروع إقامة الإمبراطورية الأميركية المهيمنة، الذي تعثّر منذ مطلع القرن الجديد، وربما كانت ولاية كلينتون مسرحا لإنجازات كبرى على الصعيد الاقتصادي والتجاري ونشر العولمة وفرضها بالقوة أحيانا، بإملاء الاتفاقات التجارية، وسياسة الحدود المفتوحة على جميع دول العالم. ولكن الوهم الامبراطوري لليمين الأميركي المحافظ بقواه القديمة والجديدة ظل هو الأساس في التناقض مع أي صعود جديد للدور الروسي على المسرح العالمي، وهو المحفّز أصلا للدعوات الى حرب ضد الصين، التي قادتها هيلاري كلينتون، ولا تزال آثارها قائمة في الواقع السياسي الأميركي.

إن حتمية السعي الى التعاون مع روسيا تفرضها التوازنات، وبديلها الواقعي، هو الذهاب الى نهج الحروب مرة أخرى. ولم يجرؤ الرئيس باراك اوباما، الذي اعترف بهذه الحقيقية، أن يبني عليها النتائج السياسية الطبيعية. بينما يجاهر الرئيس دونالد ترامب برغبته في السير على هذا الطريق، الذي تعترضه موجات ضغط ومحاولات عرقلة داخل الولايات المتحدة، وربما في قلب المؤسسة الأميركية الحاكمة.

تمثل سوريا المحور الحاسم في اختبار قدرة ترامب على شق طريق جديد من التعاون مع روسيا، لا بد أن ينطلق، كما أكد الرئيس فلاديمير بوتين، من مبدأ احترام روسيا، كقوة دولية شريكة، لا غنى عن التفاهم معها لضمان احتواء المشاكل والتوترات، التي تملأ العالم بطوله وعرضه. والتعاون الروسي – الأميركي للتعامل مع الموضوع السوري بالذات، سيكون المجال الأساسي لتظهير نهج الإدارة الأميركية الجديدة، التي لم تكتمل صورتها بعد.

هل تعود إدارة ترامب الى تطبيق الاتفاق الروسي – الأميركي، الذي تنصلت منه إدارة اوباما، وانقلبت عليه، بعدما وقّعه وزير خارجيتها جون كيري شخصيا؟. إنه سؤال كبير، ستجيب عليه المرحلة القادمة. وبانتظار أن تتبلور صورة الإدارة الأميركية الجديدة، وأن تبدأ فعلا اتصالات جدية بين موسكو وواشنطن لمناقشة جدول أعمال طويل، ستكون سوريا على رأسه.

من الآن الى ذلك التاريخ، ما تزال الفرصة سانحة في الميدان، لتشكيل توازنات ومعادلات جديدة، يجب أن تكون حاضرة لتحفيز الإدارة الأميركية على الانسحاب من حلف دعم الإرهاب، وعلى رفع الغطاء عن تورّط الحكومات التابعة في تركيا والسعودية وقطر، والحكومات الشريكة في الناتو، التي أسهمت بكل جهد ممكن، في بناء الشبكات الإرهابية وحضانتها ورعايتها، من أجل تدمير سوريا.

إن ما يقوم به الجيش العربي السوري على الأرض، وما تشارك فيه القوات الروسية الجوفضائية، وما تقدمه سائر القوى الحليفة لسوريا، وبصورة خاصة إيران وقوات المقاومة اللبنانية، كله يمثل جهدا اساسيا في بناء معادلات دولية جديدة، وفي توفير الفرص المناسبة لانطلاق مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، ومن الحرب الجدية والحقيقية على الإرهاب خارج عالم الاكاذيب والخدع السياسية، التي ملأت الدنيا ضجيجا، وقدّمت كل الحماية الممكنة لقيادات الإرهاب والتكفير.

فهل يملك ترامب القدرة على الاستجابة لهذا التحدي؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى