بقلم ناصر قنديل

في زمن التحولات الكبرى المتسارعة

ناصر قنديل

يسهل على متابعي هذه الزاوية منذ قرابة ثلاث سنوات تلمس خط بياني حاكم في القراءات التي تقدمها للقراء حول الأحداث الجارية في العالم والمنطقة ولبنان ، والتي تشكل خلفية فكرية سياسية في مقاربة المتغيرات والتطورات ، ومحور الثوابت التي ترتكز عليها هذه الخلفية وتنطلق منها ، أن أميركا التي عرفناها لم تعد موجودة وهي تتغير وتضمر ، وصولا للتأقلم مع دوردولي أقل حجما وأكثر ميلا للتسويات ، بعد نفاد طاقتها الإجتماعية والبشرية على خوض الحروب ، وأن إسرائيل لا تختلف عن أميركا في هذا التغير إلا بحال الإنكار التي تسكن عقول قادتها ، ومثل إسرائيل حال السعودية ، وبينهما سائر الحلفاء في تركيا وفرنسا وبريطانيا ، وأن الحرب على سوريا هي حرب القرن الواحد والعشرين ومن رحمها سيولد نظام دولي جديد ونظام إقليمي جديد ، وأن روسيا ستتحول مع الصين إلى اللاعب الدولي الأول ، في الشرق الأوسط على الأقل ، وأن إيران الدولة الأعظم في الإقليم ، وأن توصيات لجنة بايكر هاملتون الأميركية الجامعة للحزبين الديمقراطي والجمهوري ، بالتأقلم مع المتغيرات ،يعمل بها دون إعلان ، فهي خلفية التفاهم مع روسيا والتفاهم على الملف النووي مع إيران ، وهي في مكان ما خلفية وصول دونالد ترامب الجمهوري وفريقه المتطرف ، عكس ما سيفعله بالكامل ، من إنكفاء بأميركا من الحروب ، نحو الداخل .

إيقاع قراءة الأحداث في هذه الزاوية رسم توقعات منها تموضع عسكري روسي على المتوسط ، ومنها توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني ، وإستبعاد خيار التورط العسكري الأميركي المباشر في حرب سوريا ، وحتمية ولادة تفاهم يمني ينهي الحرب وفقا لمطالب الحوثيين بحكومة موحدة ، و إعتبار التفاهم الروسي الأميركي في سوريا حي مع وقف التنفيذ حتى الحسم في حلب ، وحتمية مجيئ الرئيس سعد الحريري لملاقاة خيار حزب الله الرئاسي في لبنان الي يمثله العماد ميشال عون ، ويحكم كل هذه التوقعات ربط بزمن محدد كسقف يحكم الحركة الأميركية ، تتسارع الخطوات كلما إقترب ، وهو موعد خروج آخر جندي أميركي من أفغانستان ، وهو الموعد الذي كان مقررا في نهاية العام 2014 ومدد لنهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما منتصف الشهر الأول من العام 2017 ، وقد نفذت روزنامة الإنسحاب تباعا وفقا لهذا التاريخ ، وكلما إقترب الموعد ستبدو الخطوات دراماتيكية نحو النهايات .

حسم حلب وحل سياسي في اليمن ، يضمنان السير المعلن في التفاهم الروسي الأميركي في الحرب على داعش والنصرة ، ويبرران تموضعا سعوديا للتفاوض مع إيران ، بعدما ظهر في لبنان ويظهر في اليمن ، ان التفاهم بالواسطة ممكن ، وصولا إلى بدء ولاية الرئيس الأميركي الجديد تمهيدا لقمة تجمعه بالرئيس الروسي العائد لولاية جديدة ، لرسم خرائط التعاون الدولي ، حيث سوريا بقيادة رئيسها بشار الأسد ركن في معادلات الشرق الأوسط الجديد ، وحزب الله قوة إقليمية كبرى ، وحيث كان مستحيلا لهذا الترسيم للخرائط والتأقلم الأميركي مع الوقائع أن يحدث بوصول هيلاري كلينتون ، بقينا نفتح للقراء نافذة واسعة على ما سمي بمفاجأة وصول دونالد ترامب للرئاسة الأميركية رغم دفق التوقعات وإستطلاعات الرأي المعاكسة .

إن الأيام القادمة فاصلة في كل الملفات الساخنة ، ستون يوما بستين شهر ، كل يوم بحدث جديد ، ولبنان الذي إستبق المتغيرات ببوليصة تأمين تشبه ولادة حكومة الرئيس تمام سلام بإنعطاف مفاجئ للرئيس سعد الحريري ، يعبر عن إتجاه الريح القادمة ، وأهله يقولون صنع في لبنان ، بينما ما جرى عندهم وما يجري في اليمن وما سيجري في سوريا بنود من التفاهم الروسي الأميركي تنفذ تباعا ، كما التفاهم الروسي الأميركي والتفاهم على الملف النووي الإيراني بنود من وثيقة بايكر هاملتون تنفذ تباعا .

يحسن اللبنانيون صنعا إذا إستثمروا سريعا على مناخ التسويات بحسم مع الإرهاب بدعم روسي أميركي ، وإذا سارعوا لقانون إنتخاب عصري وحكومة جامعة قبله وبعده ، فيؤكدون بلوغ سن الرشد السياسي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى