بقلم غالب قنديل

ترامب والاتفاق النووي الإيراني

غالب قنديل

شكل الاعتراض على الاتفاق النووي الإيراني محورا رئيسيا في خطاب الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية وبلغ حد الكلام عن إلغاء الاتفاق الذي لم يكن معاهدة ثنائية بين واشنطن وطهران بل اتفاقية دولية متعددة الأطراف أقرت في الأمم المتحدة مما يجعل مصيرها الفعلي معلقا بقرار اطرافها جميعا وفي أقل الاعتبار بقرار يتخذ في مجلس الأمن الدولي الذي صادق عليها فما هي احتمالات التراجع عن الاتفاق النووي من قبل إدارة ترامب وما هي العوائق والتبعات ؟

اولا على صعيد الولايات المتحدة لم يكن التوقيع على الاتفاق محصورا بموافقة الرئيس الأميركي وبالتالي لا يتحدد الموقف الأميركي ضمن حدود الصلاحيات الرئاسية وحدها بل إن الكونغرس بغالبيته الجمهورية صادق على الاتفاق وفي الآلية الدستورية يفترض ان يتخذ قرار في الكونغرس بإلغاء الاتفاق ومن الضروري التذكير بالحيثيات التي دفعت الغالبية الجمهورية ورغم نفوذ اللوبي الصهيوني وجماعات الليكود في صفوفها للموافقة على الاتفاق النووي وأبرزها:

1-    الحرب هي البديل الواقعي للاتفاق كما اكد الرئيس باراك اوباما وهو الخيار الذي يعتبر رفضه احد مباديء ترامب للسياسة الخارجية الأميركية في ولايته الرئاسية فقد عبر عن موقف حازم ضد الحروب والمغامرات العسكرية الأميركية وخصوصا في المنطقة.

2-    تطلع الشركات الأميركية إلى السوق الإيرانية في زمن الركود الخانق وحاجة هذه الشركات إلى الأسواق وفرص الاستثمار بعد التطبيع الذي تأخر أميركيا في العلاقات الاقتصادية والتجارية والمصرفية مع إيران.

3-    ألمح ترامب في حملته الانتخابية إلى المنافع المنشودة بسؤال : ماذا قدمت لنا إيران مقابل                الاتفاق ؟ وبالتالي فالتلويح بإلغاء الاتفاق يهدف على الأرجح لاستدراج التفاوض الثنائي حول مزايا اقتصادية وتجارية للشركات الأميركية في إيران قياسا على مقاربات ترامب اتجاه شركاء الولايات المتحدة الآخرين كالمملكة السعودية ودول الحلف الأطلسي.

ثانيا لو افترضنا ان الولايات المتحدة اخرجت نفسها من الاتفاق النووي فذلك لا يعني سقوطه طالما ان دولا اخرى لها مصالح مشتركة مع إيران تدفعها للتمسك بالاتفاق ولحصاد ثمار التعاون الاقتصادي والتجاري مع إيران وهذا ينطبق أساسا على روسيا والصين إضافة إلى الدول الأوروبية التي حصدت اتفاقات بالمليارات حتى الآن نتيجة تطبيع العلاقات مع إيران إثر الاتفاق النووي .

توجيه التهديد لإيران بإلغاء الاتفاق لا يعني شيئا سوى تحرير برنامجها النووي وأبحاثها النووية من القيود التي تعهدت باحترامها وشهدت لها الوكالة الدولية للطاقة النووية بذلك من غير ان تحصل على المكاسب الموعودة المتمثلة بتفكيك العقوبات التي تراكمت ضدها خلال أربعة عقود متواصلة ويمكن لإيران اليوم سؤال ترامب عما قدمته الولايات المتحدة مقابل التزام إيران بالاتفاق بينما ما تزال واشنطن تفرض القيود على المعاملات التجارية والمصرفية الإيرانية وحاصل الاتفاق منذ توقيعه هو التزام إيراني من طرف واحد بحيث استمرت العقوبات والعراقيل التي تستهدف الاقتصاد الإيراني الذي نسج شراكات واتفاقات عالمية تسمح بالاستغناء عن جانب كبير من الشراكة المشروطة مع الولايات المتحدة.

ثالثا التنصل من الاتفاق النووي والتراجع عنه سيعني العودة إلى مناخ من التوتر السياسي والتصعيد في التناقض بين إيران والولايات المتحدة وهو امر ستكون له تداعيات كثيرة في المنطقة والعالم وبالتاكيد سيكون بندا في جدول التفاوض الممكن مع روسيا التي يعترف ترامب بالاضطرار الأميركي للسعي إلى التعاون معها من اجل خفض التوترات واحتواء الأزمات وبالتالي سيدرج الاتفاق النووي مع إيران بندا في التفاوض الروسي الأميركي القادم بعد سورية وأوكرانيا .

تهديدات ترامب حول الاتفاق النووي سوف تلحق الخسائر بالولايات المتحدة اكثر ما تسبب الأذى لإيران وهي تمثل على الأرجح ضغوطا تفاوضية غايتها الوصول إلى مكاسب عن طريق الابتزاز وهذا ما تجيد إيران التعامل معه وهي تملك المقدرات الكافية لردعه ولصيانة استقلالها وحقوقها كما ان تحالفها مع روسيا والصين يتيح لها اوراقا كثيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى