استهتروا بالرئيس: بن كسبيت
في ذروة الجلبة، في عين العاصفة، وبينما كانت وزيرة العدل المنفعلة تعقد من جديد اجتماعا للجنة الوزارية لشؤون التشريع وتعتزم طرح قانون التسوية أخيرا على التصويت، اندفع نحو الغرفة رونين بيرتس من سكرتاريا الحكومة وعلى فمه بلاغ دراماتيكي: أطلب منكم وقف الجلسة. فقد أمر رئيس الوزراء عدم اجراء التصويت. لا تصوتوا الان على قانون التسوية، هذا أمر من رئيس الوزراء. نظرت آييلت شكيد اليه بفضول وأعلنت: نواصل كالمعتاد، القانون يطرح على التصويت. بيرتس: ولكن هذه تعليمات رئيس الوزراء! في الغرفة تجول، كأيد محشور، رئيس الطاقم في مكتب رئيس الوزراء يوآف هورفيتس أيضا. وقد كان عاصفا، منكوش الشعر، محمرا بكامله. كان واضحا عليه أنه قادر على أن يخنق أحدا ما. هورفيتس هو الاخر مارس هنا كامل ثقل وزنه. ولما لم يكن هذا وزنا ثقيلا على نحو خاص، فقد تجاهلته شكيد هو الاخر. وطرحت القانون على التصويت.
سبعة وزراء ذوو حق اقتراح كانوا متواجدين في الغرفة. اضافة اليها ولاوري ارئيل كان هناك خمسة ليكوديين: غيلا جمليئيل، اوفير اكونيس، يوفال شتاينتس، زئيف الكين وميري ريغف. كل الخمسة صوتوا بخلاف موقف رئيسهم. وأجيز القانون بالاجماع. بينيت وشكيد 7، نتنياهو 0. بالضربة القاضية.
لقد أثبت نفتالي بينيت أن من بين الابطال العظماء الذين يتواجدون في الائتلاف (بمن فيهم كحلون، الذي هرب من هذا التصويت ايضا) هو الوحيد القادر على أن ينظر إلى نتنياهو في بياض العينين وينتصر. يحتمل أن ثبت هذا كانتصار أشبه بالهزيمة، ويحتمل أن يؤدي إلى كارثة وطنية او حتى استيطانية. هذا لم يكن يهم بينيت وشكيد أمس. كانا مفعمين بالهدف، وقد حققاه.
اذا اخذتم ثلاثة مواسم مليئة من «بيت الورق» وهدمتموها في يوم واحد، فستحصلون على أمس. جنون المنظومات أو ربما انهيار شامل للمنظومات، هذا هو الوصف الدقيق لما حصل هناك.
نبدأ من البداية: بينيت وشكيد يعملان على حل مشكلة عمونة والاف وحدات السكن الاخرى التي بنيت على ارض خاصة منذ سنة. وكانا يعرفان ما هو الموعد النهائي وأملا في الوصول إلى حل. بلورا حلا استراتيجيا وأسمياه «النموذج القبرصي». نتنياهو، الذي عرض عليه الحل، تحمس بلا حدود. ولكن تبين لهما حينها بأنه من شدة الحماسة فإنه لا ينقل الحل إلى أي مكان، كل مرة بذريعة اخرى. وبالتوازي، حاولا العمل على حل تكتيكي لعمونة عبر أملاك الغائبين في المحيط. وهذا الحل أيضا لم يتقدم إلى أي مكان. العكس هو الصحيح. في محيط بينيت وشكيد يتهمون وزير الدفاع بجر الارجب عن قصد بل ويدعون بأن منسق الاعمال في المناطق نشر إعلانات بهدف العثور على أصحاب الارض الاصليين بدافع زائد. لا توجد صحيفة في المناطق لم تنشر هذه الاعلانات، كما روى الاثنان في احاديث مغلقة.
لقد فهم بينيت وشكيد بأنهم يعيقونهما. بل ان بينيت صرخ هذا امس في ذروة جلسة رؤساء الكتل. لقد ملا فكرة اعاقتهما. إذ رأيا في قانون التسوية، على طول الطريق، نوعا من الرافعة أو السوط الذي يحوم فوق رأس نتنياهو. إذا لم يجد حلا، فسيصفعه هذا القانون. ولما لم يجد حلا فقد صفعه هذا القانون. أما ما أثار جنونهما، فهي الطريقة. نتنياهو ليس مستعدا حتى أن يهمس بأمر يضعه على يسار ما يقوله بينيت. ولهذا فقد حاول عرقلة كل محاولاتهما بطريقة صامتة، بينما كان يمسك العصا من طرفيها. فمن جهة، يحاول توجيه جهود التسوية نحو طريق مسدود، دون أن يترك بصماته.
ضغوط نتنياهو
يقال هنا على الفور: في نظرة وطنية، نتنياهو محق. فقانون التسوية الان من شأنه ان يلحق ضررا جسيما للدولة. وربما ايضا للاستيطان. المشكلة هي أن نتنياهو غير مستعد لان يقول ذلك. ان يقف خلف ما يقوله أو ان يوقع عليه. فهو يخطط لان يحتسي مقاعد بينيت حتى في المرة التالية وعليه فإنه لن يخاطر بأي يسروية. وحين لا يكون رئيس الوزراء مستعدا لان يأخذ المسؤولية وزمان الزعامة، فإنه يبدو كما بدا ذلك امس.
على مدى كل اليوم مورست ضغوط هائلة على كل وزراء الليكود للاعتراض على القانون. المشكلة هي أن الوزراء يخافون اليوم من منتسبي اليمين اكثر مما يخافون نتنياهو. وزير الدفاع ليبرمان الذي رفض أن يأخذ الحظوة على منع القانون أو تشكيل شبكة امان لنتنياهو نزع في مرحلة معينة القفازات. ففي اثناء جلسة رؤساء الكتل التي انعقدت لتأجيل جلسة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، وقعت دراما كبيرة بين ليبرمان وبينيت. فقد صرخ ليبرمان على بينيت متهما اياهم بعدم المسؤولية وقال ان دوافع بينيت سياسية وانتخابية. إذ قال له ان هذه المصالح تحاول تفجير كل شيء هنا.
وتحدث ليبرمان ونتنياهو عن الحاجة إلى عدم اغضاب ادارة ترامب قبل أن تتسلم مهامها، وعدم إثارة اعصاب اوباما قبل أن ينصرف، وتحدثا عن مجلس الامن، عن المحكمة الدولية في لاهاي وعن محكمة العدل العليا وعن المستشار القانوني للحكومة، الذي نشر أمس فتوى حازمة ضد القانون، وغيره وغيره.
سمع بينيت كل شيء بلا مبالاة. ولكن عندما اتهمه ليبرمان بدوافع سياسية، تفجر بصوت عال جدا. من أنت لتقرر دوافعي، سأل وزير الدفاع، نصف سنة وانت في المنصب ولم تعالج هذا. عرفتم بأن هذه اللحظة ستأتي، بثيت روح قائد بأن عمونة ستخلى، وانا لست مستعدا لان اقبل هذا. وأنهى بينيت أقواله وخرج من الغرفة بعصف. من رآه، بلغ عن حالة قتالية، ربما أكثر مما كان يتملكه في المعركة اياها قرب كفر قانا في حرب لبنان. وقد خرج هو وشكيد وصعدا إلى الطابق الاعلى. اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، التي تأجلت جلستها طوال اليوم مرات عديدة، عقدت مرة اخرى. وعندما حاول يوآف هورفيتس، رئيس الطاقم منع بينيت قال وزير التعليم له: «فليعتذر ايفات!».
بعد بضع دقائق جاء ليبرمان. أخرج هورفيتس بينيت من غرفة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، دخل هو وليبرمان إلى غرفة جلسات صغيرة واجريا صلحة. بينيت يرفض تقديم تفاصيل عما حصل هناك وكذا ليبرمان (وان كان مقربوه يدعون بأنه لم يعتذر). في هذه الاثناء، اجازت شكيد القانون 0 ـ 7. وعلق هورفيتس في صدمة. نتنياهو تميز غضبا. آييلت ونفتالي فعلا له هذا مرة اخرى.
ومن شدة الاعصاب، أمر نتنياهو باجراء تصويت على قانون الآذان ايضا، الذي طرح على البحث فور قانون التسوية. وكانت النية الاصلية لشكيد التخلي عن التصويت على هذا القانون. برأيها، وكذا برأي الوزير ذي الصلة آريه درعي، هذا قانون زائد تماما.
كل بنوده موجودة في القانون القائم، وكل ما نحتاجه هو انفاذها. قانون الآذان سيقدم لنا اعلانات سيئة في العالم ومن شأنه ان يشعل هنا نيرانا زائدة. ولكن نتنياهو، المشتعل غضبا والمتطلع للثأر، تصرف على اساس الكد. فقد بحث عن سبيل يخرجه رجلا ـ رجلا، وأمر باجراء التصويت. قانون الآذان هو الاخر اجيز. برافو.
ليبرمان لن يكون سترة واقية
وختاما فإن بينيت مقتنع بأن القانون سيجاز. يؤمن بأن نتنياهو لن يتجرأ على تعطيله. وهو يقيد نتنياهو. من ناحيته فإنه قدم خدماته لناخبيه. وهو شبه واثق من أن القانون سيجتاز المحكمة العليا ايضا.
في معظمه على الاقل. والان يمكن مواصلة الطرق. كل شيء على ما يرام.
ليس مؤكدا ان نتنياهو يرى الامور بذات الطريقة. فقد نشر ليبرمان أمس بوستا لاذعا على الفيس بوك مع نص يشير اليه كراشد مسؤول. من جهة ثانية، مريح له اكثر ان يتلقى بيبي النار. فليس له نية في أن يكون سترة واقية. واين كان كحلون؟ ليس واضحا. وزيره غاب عن الحدث كله. ذات الامر يقال عن آريه درعي. كلاهما تركا الساحة للبيت اليهودي والليكود، اللذين يتقاتلان على اصوات اليمين في الانتخابات القادمة. ماذا عن الدولة؟ حسنا، سنهتم بهذه بعد ذلك.
معاريف