“مشهدية القصير”: “رسالة قوية” لإسرائيل والتكفيريين
كتبت “السفير” تقول، هي المرة الأولى التي يقوم فيها «حزب الله» منذ نشأته الأولى غداة الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، باستعراض فرقة عسكرية مؤللة خارج الأراضي اللبنانية. الأدقّ أنها المرة الأولى التي يجري فيها الحزب عرضا مدرعا بهذه الضخامة منذ ولادته حتى الآن.
المناسبة هي إحياء «يوم الشهيد». هذا اليوم ارتبط باسم أحمد قصير، أول استشهادي لبناني مقاوم فجّر نفسه في عام 1982 في مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور وكرّت بعده سبحة الاستشهاديين من كل فصائل المقاومة، ومهّدت تلك العملية النوعية لنشأة «المقاومة الإسلامية» ومن ثم «حزب الله».
أرادت فرقة عسكرية حزبية (من ضمنها «وحدة الرضوان»، من وحي الاسم الحركي للقيادي المقاوم «الحاج رضوان» ـ الشهيد عماد مغنية)، وهي من التشكيلات النخبوية في المقاومة، إجراء عرض عسكري، في بلدة القصير في ريف حمص الجنوبي، إحياءً لمناسبة «يوم الشهيد»، واختارت قيادة «حزب الله» رئيس المجلس التنفيذي عضو شورى القرار السيد هاشم صفي الدين أن يمثل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في إلقاء كلمة في المقاومين المشاركين في المناســبة.
استدعى الأمر التنسيق مع وحدات الجيش النظامي السوري في منطقة القصير، التي وضعت في أجواء التحضير لعرض رمزي لم يكن في وارد قيادة المقاومة تظهيره إلى العلن نهائيا، حتى لا يتبرع المتبرعون، من هنا وهناك، بقراءة دلالاته، علما أن «حزب الله» عندما يقيم نشاطا من هذا النوع يأخذ في الحسبان أنّ الإسرائيلي يراقب بأقماره وطائراته ويحلل.. ويقلق ويأخذ العبر والاستنتاجات وليس مطلوبا من المناسبة أكثر من ذلك.
أما اختيار القصير تحديدا، فلأنها تحمل رمزية تتعلق بكونها أولى المناطق التي انطلق منها «حزب الله» للانخراط الواسع في المعركة على أرض سوريا في عام 2013، وذلك تنفيذا لقرار استراتيجي اتخذ غداة تفجير خلية الأزمة السورية في 18 تموز 2012.
وتحظى القصير بمساحة خاصة في الوعي الإسرائيلي. فمنذ اقتحامها قبل ثلاث سنوات ونيف، تتوالى التقارير الأميركية والإسرائيلية المدعومة بصور الأقمار الصناعية متحدثة عن منصات صواريخ بعيدة المدى وأنفاق ومراصد ومصانع ذخيرة في هذه المدينة السورية وامتداداتها اللبنانية والسورية شمالا وجنوبا وغربا.
ويمكن القول إن إجراء العرض العسكري في مساحة مكشوفة في هذه البقعة الاستراتيجية يمثل تحديا لقوة الردع الإسرائيلية، ويدحض كل مزاعم تل أبيب بشأن الغارات الجوية السابقة ضد شحنات الأسلحة المتطورة لـ «حزب الله».
ومن تسنى له أن يتابع وقائع الاستعراض، خلص إلى أن ما تم تظهيره من صور ولو بشكل غير رسمي، هو جزء من مشهدية أكبر، سواء من حيث نوع الوحدات التي شاركت في العرض أو نوعية الأسلحة، وبعضها من النوع الذي يعدّه الإسرائيلي «كاسرا لتوازن الردع»، ولذلك، كانت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تدقق في صور الاستعراض التي التقطتها الأقمار الصناعية لا مواقع التواصل، فيما كان المعنيون في قيادة «حزب الله»، وبينهم بطبيعة الحال السيد هاشم صفي الدين، يسألون لحظة بلحظة عن تقديرات «الإعلام العبري» (الإسرائيلي) وتحليلاته، من دون الالتفات إلى قراءة هذا أو ذاك من «المحللين الاستراتيجيين» الذين أقحموا العرض بمناسبات لبنان الرئاسية والحكومية و «الاستقلالية» وبمواسم التفاح والحمضيات والموز!
بالنسبة الى «حزب الله»، هذه المناسبة، تحتمل التوقيت ولا تحتمله. هي لحظة مفصلية في تاريخ سوريا والمنطقة، يطل من خلالها «حزب الله»، بعد أربع سنوات من تجربة قتال غير مسبوقة في تاريخه، وتضحيات هي الأكبر، ليس حزبا منهكا ولا مهزوما، بل جيش مقاوم يملك عتاد الجيوش وتجربتها وتشكيلاتها، والأهم أنه يتحرك في جغرافيا لبنانية سورية متداخلة، في إطار تنفيذ مهمة مزدوجة متداخلة: حماية النظام السوري وحماية الوجود اللبناني، وفي ذلك تأكيد أصل وجود المقاومة ودورها الذي صار مزدوجا في مواجهة الخطرين التكفيري والإسرائيلي من القصير إلى تلكلخ مرورا بحمص والقلمون وخط الزبداني دمشق.. وصولا إلى حلب «وحيث يجب أن نكون سنكون» كما قال السيد حسن نصرالله.
وها هو «حزب الله» يعود إلى القصير لإحياء «يوم الشهيد»، في هذا التوقيت بالذات الذي يشهد اندفاعة سريعة للجيشين السوري والروسي ومعهما «حزب الله» وفصائل أخرى على امتداد جبهات القتال في حلب وريفها، ويُبرز ترسانة مدرعة لا تحاكي بمجملها القوة المقابلة للجماعات الإرهابية التكفيرية، بل تحاكي ما تمتلكه الجيوش عادة، وفي هذا رسالة واضحة لإسرائيل، بأن ساحة أي معركة مقبلة لن تكون مقيدة بحدود لبنانية معينة وببيئات حاضنة أو غير حاضنة محليا، إنما بساحة حيوية أكثر عمقا واتساعا استراتيجيا وجغرافيا وعسكريا، ويحمل ذلك في طياته إشارة متجددة إلى التداخل الوجودي والمصيري للمعركة التي تجري على أرض سوريا، ليس بين النظام السوري و «حزب الله» فقط بل كل المنظومة التي تتماهى مع هذا الخيار إقليميا ودوليا.
ومن المفيد التذكير بأن «وحدة الرضوان النخبوية» التي بات اسمها يرد في معظم التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن سيناريوهات الحرب المقبلة، وبالتحديد اقتحام مستوطنات الجليل الأعلى في شمال فلسطين المحتلة، شاركت في العرض العسكري!
ومن يعرف بلغة «التقسيمات العسكرية» في «حزب الله»، يعرف ماهية القوة المشاركة في عرض القصير.
يكفي التعليق الأولي للإعلام الإسرائيلي، إذ قالت «القناة العاشرة» في التلفزيون الاسرائيلي إن «حزب الله» بات يمتلك قوة عسكرية ترقى في أدائها إلى مستوى الجيوش الكلاسيكية. واعتبرت «ظهور مدرعات حزب الله في القصير بهذا الشكل المعلن رسالة قوية لإسرائيل، تضع منطقة الشمال والجليل في وضع خطر جدا».