احتواء غزوة حلب وصبر مع أحيائها الشرقية علاء حلبي
«المغامرة الانتحارية» الثانية التي خاضتها الفصائل «الجهادية» أنهاها الجيش السوري بعملية عسكرية واسعة استعاد خلالها جميع المناطق التي اخترقها المسلحون في خاصرة حلب الجنوبية الغربية، فيما تلقى مخطط فك الطوق الحكومي عن الأحياء الشرقية، ضربة جديدة قاسية. وجاء ذلك في وقت أعلنت فيه الفصائل التي تقودها تركيا اقترابها من مدينة الباب، أبرز معاقل تنظيم «داعش» شمال شرق حلب.
مصدر عسكري سوري أكد خلال حديثه إلى «السفير» أن العملية التي ينفذها الجيش السوري في الوقت الحالي تقضي باستمرار الضغط على مسلحي «جيش الفتح» بمختلف تشكيلاته «الجهادية»، وذلك عبر متابعة التوغل في ريف حلب الجنوبي وصولاً إلى ريف إدلب، موضحاً أن «خسارة المسلحين الثقيلة على أبواب حلب الغربية أدت إلى ضربة كبيرة في معنويات المسلحين».
وتخوض قوات الجيش السوري في الوقت الحالي معارك على أبواب حي الراشدين، ومنطقة خان العسل غرب المدينة، بالتوازي مع عملية عسكرية على محور خان طومان جنوب المدينة، وتنفذ عمليات قصف كبيرة. وتحول الجيش في الوقت الحالي من الدفاع إلى الهجوم، وذلك بعد أسبوعَين من معارك دامية بدأت بهجوم عنيف شنه مسلحو الفصائل «الجهادية»، وتسبب بانسحاب قوات الجيش السوري من منطقة ضاحية الأسد ومنيان المحاذية لحي حلب الجديدة.
في غضون ذلك، أصيب نحو 20 جندياً سوريا بحالات اختناق إثر استهداف المسلحين موقعا للجيش السوري في حي كرم الطراب شرق مدينة حلب. وذكر مصدر طبي لـ «السفير» أن نحو 20 جندياً جرى إسعافهم بعد استهداف المسلحين لنقطة عسكرية في الحي الواقع على خط تماس، موضحاً أن الآثار الأولية تشير إلى أن إصابات ناجمة عن غاز الكلور السام. وأشارت المعلومات إلى أن الجيش قام بالرد على مصادر القصف. كذلك، قتل 4 مدنيين وأصيب 5 آخرون جراء سقوط قذائف غراد عدة أطلقتها الفصائل المسلحة على حي حلب الجديدة غرب مدينة حلب.
وجاء ذلك، فيما أصبحت حاملة الطائرات الرّوسيّة «أميرال كوزنيتسوف»، والتي أرسلت لتعزيز القوات العسكرية الروسية في سوريا، قبالة السّاحل السوري، بحسب ما أعلن قائدها سيرغي ارتامونوف.
هجوم المسلحين قبل أسبوعين كان الثاني من نوعه من حيث الغزارة النارية والاعتماد الكبير على الانتحاريين و «الانغماسيين»، وكان الهجوم الأول أسفر عن سيطرة الفصائل على مربع 1070 (شقة) ومدرسة الحكمة، فضلاً عن فتح ثغرة في منطقة الراموسة وأعاد الجيش السوري ترميمها.
وظلت هذه الجبهة «هشة» بعد الهجوم، فاستعاد المسلحون قواهم من جديد وشنوا هجوماً آخر، استعملوا خلاله تسع مفخخات، وعشرات القذائف بمختلف أنواعها، وذلك بعد وصول تمويل من شخصيات خليجية كشف عنها «القاضي الشرعي» في «جيش الفتح» عبد الله المحيسني.
وبرغم مشاركة مختلف الفصائل «الجهادية» في الهجوم الذي حمل اسم «ملحمة حلب الكبرى» وتضمن «غزوات» عدة كان آخرها «غزوة أبو عمر سراقب»، عجز المسلحون عن تحقيق الخرق المأمول، أو معاودة كسر الطوق عن الأحياء الشرقية، ليخسروا بعد عشرة أيام كل ما اكتسبوه جغرافياً خلال جميع هجمات «ملحمة حلب الكبرى».
وتسببت الهجمات التي وصفها المصدر بأنها «انتحار للجهاديين» بمقتل المئات، كما أكدت مصادر «جهادية» لـ «السفير» إذ أشارت إلى أن عدد قتلى المسلحين خلال الهجمات تجاوز الـ 600 مسلح، قتل نصفهم تقريبا في «غزوة أبو عمر سراقب» بالإضافة إلى إصابة المئات، جلّهم من المقاتلين الأجانب الذين أوكلت إليهم مهمة «الاقتحام».
«الإعلام الحربي» بدوره ذكر في تقرير عن نتائج المعركة أن المعارك الأخيرة تسببت بمقتل «نحو ألف مسلح وإصابة ألفين آخرين». وفي هذا الإطار، يقول مصدر معارض إنه «على الرغم من تضارب الأعداد، إلا أن ذلك لا يغير من واقع الأمر شيئاً، فمصاب الفصائل جلل».
اتبع الجيش السوري في تصديه للهجمات وفي عمليات استعادة المناطق التي خسرها تكتيكات عديدة، بينها الالتحام المباشر بين القوات الراجلة، إلا أن الغزارة النارية الكبيرة كانت السمة الأبرز في العملية، حيث شاركت روسيا بضرب مقار المسلحين بصواريخ «كاليبر» المجنحة، بالإضافة إلى القصف الذي نفذه سلاح الجو السوري والذي سرع عملية استعادة جميع النقاط. كما ساهمت الغزارة النارية بتدمير عدد كبير من آليات المسلحين الثقيلة بينها سبع دبابات وتسع عربات مدرعة، بالإضافة إلى مخازن عديدة للأسلحة وثلاث غرف عمليات.
الأحياء المحاصرة: على نار هادئة
مع انكسار هجمات المسلحين على أبواب حلب الغربية، تعيش الفصائل المحاصرة في الأحياء الشرقية للمدينة «تخبطاً كبيراً» في القرارات، ففي وقت تقود فيه «جبهة النصرة» المشهد العسكري في الأحياء وتفرض رأيها بضرورة «الصبر وعدم تسليم المناطق»، بدأت فصائل أخرى تناقش بشكل جدي فكرة الخروج من أحياء المدينة عبر المعابر التي حددتها دمشق وموسكو، بعد الحصول على ضمانات.
ويأتي ذلك في وقت تُجدد فيه كل من موسكو ودمشق تمديد «وقف استهداف الأحياء الشرقية» لتمهيد الأرض أمام إتمام عملية إخراج المسلحين، وهي العملية التي دخلت في نفق مظلم حتى الآن.
مصدر عسكري في حلب أشار إلى أن روسيا وسوريا تعتمدان في ملف الأحياء الشرقية على الصبر، مراهنة على فقدان الفصائل المسلحة للقدرة على احتمال الحصار المطبق، في ظل انكسار جميع الآمال بفك الطوق عن المدينة.
وأمهل الجيش السوري الفصائل المسلحة 24 ساعة للخروج من الأحياء الشرقية، إلا أن أي تحرك فعلي لم يتم، وذلك برغم المفاوضات التي يقودها ضباط روس.
وتوقع مصدر ميداني أن يعمل الجيش السوري خلال المرحلة المقبلة على زيادة الضغط على مسلحي المدينة، سواء عبر استهداف مخازن الأسلحة والمراكز أو عبر فتح معارك استنزاف تؤدي لتحقيق اختراقات داخل تلك الأحياء، وهو ما سيؤدي حتماً لإنهاء هذا الملف ومغادرة المسلحين للأحياء الشرقية للمدينة.
في غضون ذلك، جدد المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا دعوته «جبهة النصرة» لضرورة الخروج من الأحياء المحاصرة «لإفساح المجال أمام دخول المساعدات الإنسانية».
وقال عقب مباحثات أجراها أمس الأول في طهران مع نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين جابر أنصاري: «ندعو إلى إيقاف العمليات العسكرية كافة في شرق حلب وغربها، ونعتقد أن جبهة النصرة كجماعة إرهابية ينبغي أن تخرج من شرق حلب».
ودان دي ميستورا «أي جرائم تُرتكب، أكانت في شرق حلب أم غربها»، موضحاً أنه لا يزال يدرس «مقترحَين لإخراج المدنيين والمجموعات الإرهابية من هذه المدينة».
خلافات بين المسلحين: توازنات جديدة
أوضح مصدر معارض أن الفشل الذريع لفصائل «ملحمة حلب الكبرى» تسبب بخلافات عميقة بين فصائل عدة، حيث اتهم مسلحو «الحزب الاسلامي التركستاني» قيادة العمليات بإرسالهم إلى جبهات القتال للموت، في حين اتهم مسلحون من «جبهة النصرة» و «نور الدين الزنكي» التركستان بالتخلي عن جبهات القتال والتسبب بمقتل أكثر من 20 مقاتلاً وأسر آخرين.
بدورها، بدأت «حركة أحرار الشام» تميل إلى تكثيف وجودها على خط المعارك الجارية شمال شرق حلب تحت قيادة تركية. وأعلن قائد الحركة «أبو يحيى الحموي» مشاركة «حركته» في عمليات «درع الفرات» رسميا، وذلك بعد أشهر عدة من إصدار فتاوى تبيح المشاركة في تلك المعارك والانخراط المتواتر في مجرياتها، كل ذلك من دون الإفصاح عنها رسميا.
وقال «الحموي» في حوار صحافي مع «تايم ترك» التركية، إن «أحرار الشام شاركت في عملية درع الفرات التي بدأتها القوات المسلحة التركية في سوريا ضد تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي.
مصدر معارض اعتبر أن إعلان كهذا من «رأس هرم الحركة سيزيد من الشقاق بين الفصائل الجهادية، وهو جاء لتأكيد ميول الحركة المخالفة لميول جبهة النصرة بشكل كامل».
إلى ذلك، تناقل ناشطون تسجيلات لشرعي «جيش الفتح» عبد الله المحيسني يناشد فيه الفصائل المسلحة «بالعودة إلى التوحد للوقوف في وجه النظام»، كما تناقلوا تسجيلات أخرى تعتبر الخسارة التي جرت على جبهة حلب الغربية «بمثابة رسالة ربانية لزيادة التقرب من الله»، وفق تعبير المحيسني.
الباب : تركيا تقترب
وعلى جبهة حلب الشمالية الشرقية، وفي ظل السباق التركي الكردي نحو معقل «داعش» في مدينة الباب، سيطر مسلحو «درع الفرات»، أمس، على خمس قرى في ريف مدينة الباب الشمالي.
وذكرت مصادر معارضة أن الفصائل التي تقودها تركيا باتت على بعد نحو ثلاثة كيلومترات فقط من مدينة الباب، بعدما سيطرت صباحاً على قرى سوسيان، وحزوان، وقديران، والدانا، وعولان، المحاذية لها من الجهة الشمالية، وذلك تحت غطاء جوي وفرته الطائرات التركية ومقاتلات «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن.
بدورها، أعلنت «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) السيطرة على ثلاث قرى شمال مدينة الباب عقب انسحاب «داعش» منها. وذكرت «قسد» أن مسلحي «داعش انسحبوا من قرى قرط صغير وقرط كبير والشيخ ناصر دون قتال أو إطلاق نار».
(السفير)