مقالات مختارة

ترامب يخطف الرئاسة نتائج عكس كل التوقعات د.منذر سليمان

 

     لم تهنأ اميركا بليلتها الانتخابية في خضم اتمامها ترتيبات الاحتفالات لتنصيب السيدة كلينتون، وجاءت النتائج بعكس اشد التوقعات سوداوية حتى من داخل صفوف واقطاب الحزب الجمهوري نفسه، نظرا لتغلب دونالد ترامب على كافة الضوابط والاجراءات المواكبة للانتخابات خاصة لامريء من خارج “السياق والمكان والالتزام .”

       صدمة عارمة لها مفعول الزلزال. انقسمت اميركا الى نصفين تقريبا: 60 مليونا ايدوا ترامب، ونحو عدد مماثل واكثر بقليل ايد السيدة كلينتون التي تلقت اقصى مديات الدعم السياسي والمالي والاعلامي ومن اقطاب عسكرية واستخباراتية وأمنية وازنة. ورغم ذلك استطاع ترامب حصد اغلبية راكمها باصوات الهيئة الانتخابية التي تنتدبها مجالس الولايات المحلية (538 عضو) وهي المؤسسة شبه الرسمية التي ستلتئم نهاية العام الجاري بهدف اوحد للمصادقة (الشكلية) على الفائز الانتخابي.

       اقطاب المؤسسة الحاكمة كافة، في طرف الحزب الديموقراطي، سارعوا للتعبير عن كابوسهم “المفاجيء،” وأقروا بالدهشة والصدمة، ومن غير المرجح ان يستفيقوا منها في المدى المنظور. النبض الشعبي، على الطرف المقابل، كان اسرع واوضح في ردود فعله بدءا من الاحتجاجات في ساعات الفجر الاولى عقب اعلان النتائج، الى تبلور حالة غضب عفوية يتهمها الاعلام الرسمي بفقدانها البوصلة والقيادة تمهيدا لانقضاض رجالات الشرطة وقوى الأمن لاخمادها قبل ان تستفحل ويصلب عودها.

       من بين ابرز المؤسسات شبه “الرسمية،” اسبوعية ذي نيشن التي جاء عنوانها الرئيس كخريطة طريق للمرحلة المقبلة. وطالبت قراءها “امضوا في الحداد، قاوموا، وتنظموا،” مواكبة بذلك الردود الشعبية العاجلة والرافضة لترامب كرئيس للبلاد، وما يمثله من امتداد وبرامج تحابي شريحة اجتماعية ضئيلة وفاحشة الثراء. المظاهرات والاحتجاجات ماضية قدما، في مدن متعددة، بل في ولايات “حمراء” ايدت ترامب بقوة.

       جدير بالذكر ان القانون الفيزيائي في مساواة القوة والقوة المضادة يشهد ترجمة سريعة غير مسبوقة في المشهد الاميركي. اذ تجري اعدادات مكثفة تشمل قطاعات شعبية واسعة لتنظيم حفل تنصيب مضاد للاحتفالات الرسمية، 20 كانون2 / يناير المقبل، ابرزها مظاهرة مليونية من النساء. ما سينجم عن تلك التحركات قابل لتكهنات متعددة وربما متناقضة، نظرا للظروف الذاتية والموضوعية للمجتمع الاميركي الذي يُفرض عليه التحول من مجتمع طبقي كلاسيكي الى مجموعات من المستهلكين لما تنتجه الصناعات الكبرى.

بعض ما جرى      

       مناطق جغرافية شاسعة تقطنها كثافة سكانية، جلها من العمال، تلتف كحزام حول سواحل البحيرات الكبرى في منتصف الجغرافيا الاميركية، باتت تعرف “بالحزام الصدأ” بعد تعرضها لتحولات وركود اقتصادي ضاعف من تهميشها ونزوح ذوي الكفاءات والمهنيين عنها، وهي المناطق التي كانت الى زمن قريب تعج بالحركة والنشاط والاستقطاب، وبؤرة صالحة لنشاطات الحركات العمالية.

       قدرة ترامب على الفوز الكاسح بتلك المناطق الحيوية اتى من خارج السياق، بل مغاير لكافة التوقعات وتوجهات قادة الحزب الجمهوري نفسه، لا سيما وانه لم يستثمر الا القليل من الاموال والحملات الدعائية لكسب الناخبين، مقارنة بمنافسته كلينتون التي انفقت ارقاما خيالية في بعض المناطق، واستكانتها الى “حتمية” فوزها بين القواعد العمالية. بل اسهم حضور ترامب الفاعل في تحصين المرشحين الجمهوريين لمجلسي النواب والشيوخ في تلك المناطق، ابرزها ولاية ويسكونسن التي هزم فيها المرشح الديموقراطي البارز راس فاينغولد.

       شبه اجماع تشكل حول تفسير نجاح ترامب بصورة ملفتة محوره قدرته على استثمار حالة الاحباط الشعبي من تراجع الخدمات الحكومية والارهاق الشعبي الناجم عن الضرائب، وابرازه لخيار الانتخابات بين ثنائية مرشحة السلطة (كلينتون) ومرشح من خارج اللعبة السياسية برمتها.

       يرجح بعض الخبراء الاقتصاديين في اميركا ان سر فوز ترامب يكمن في السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تبناها ونفذها الحزب الديموقراطي، واحتضنتها هيلاري كلينتون وفريقها المتنفذ بحماس منقطع النظير، والتي ادت بالمحصلة الى تراجع ثقة المواطن بأمنه الاجتماعي ومستقبله في كهولته، بل حتى هويته كمواطن. وما النتائج النهائية، حسبما افادت الكاتبة الكندية الشهيرة، نعومي كلاين، الا صرخة يأس اميركية متعطشة للتغيير – وآخر العلاج الكي.

       كما ينبغي النظر الى العوامل التي دفعت “كتلة ترامب” العنصرية من الانتظام والتصويت بقوة، من بينها شعورها بحقها في “تعزيز الأمن” ومفاضلته على أي عامل آخر. وشكل ذاك الهاجس مركز ثقل توجهات ترامب السياسية وخاطب مباشرة “تراجع نفوذ البيض” في بعض مراكز السلطة والقوة الاقتصادية، منعشا النزعات القومية الرجعية، اسوة بالحركات والاحزاب اليمينية في معظم اوروبا الغربية. بعبارة اخرى ان اهم عوامل بروز وصعود ترامب الى سدة الحكم كان تيقنه قبل الآخرين من ان طبيعة التنافس الانتخابي هي ابعد من ثنائيات مبسطة: اليمين مقابل اليسار؛ الجمهوريون مقابل الديموقراطيون. ونجج في تأليب الرأي العام لمجمله ضد مراكز القوى في واشنطن – المسؤولة عن خذلانه ومأسيه.

       حقيقة الأمر ان تكتلات مناهضة لمراكز القوى التقليدية بدأت في التبلور مع نهاية عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، والتي ارسى دعائمها احد اهم اقطاب اليمين، انجيلو كوديفيلو، عام 2010، منوها الى صراع في احشاء المجتمع بين المؤسسة الحاكمة “والاميركيين العاديين” الذين ضاقوا ذرعا بثنائية الحكم والنفوذ اللامتناهي لرؤوس الاموال والممولين.

       كانت احدى تعبيراتها آنذاك قد تبلورت في تيار “حزب الشاي،” ومجموعات اخرى اقل أهمية ونفوذا صوبت سهامها ضد تدخل واشنطن السافر في الحياة اليومية للمواطنين – كما ورد في ادبياتهم المتعددة. الظروف التي ادت لولادة تلك التيارت بتوجهاتها السياسية المتعددة لا زالت حاضرة في الافق والمجتمع، لا سيما بعد اطلاع العامة على سلسلة طويلة من الوثائق والمراسلات الداخلية لاقطاب ونخب السلطة مؤشرة على عمق مساعي التزوير في المشهد السياسي بشكل عام، مقابل تردي مدخرات المواطنين.

       دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2012 اعادت الرئيس اوباما لرأس السلطة بيد انها اوضحت حجم الاحتقان الداخلي اذ تقلص عدد مؤيدي اوباما نحو 4 مليون ناخب عن الدورة السابقة. الانتخابات النصفية عام 2014 جرت في ظل اجواء تشوبها مشاعر عدم الاطمئنان والوثوق بالمستقبل ايضا، وسددت سهام الغضب نحو قيادات الحزب الجمهوري المتنفذ بمجلسي الكونغرس والتي لم تأبه لحالة الغليان والبؤس المتصاعد داخل شرائح اجتماعية مختلفة، وعاقبتها بالاصطفاف خلف شخص لا يملك الحد الادنى من الخبرة السياسية او الاطلاع على آلية العمل (المعطلة) في واشنطن.

       عند هذا المفصل، استغل ترامب الحالة الاجتماعية النافرة من موازين الحكم التقليدية، واضحى مدافعا عن شرائح غاضبة جلها مهمش اقتصاديا وتمثيليا، ونصب نفسه ناطقا باسمها جميعا.

استراتيجية “حزام البؤس

       استقطب خطاب ترامب السياسي المجموعات الساعية لدخول اللعبة السياسية والابواب موصدة في وجهها، ونضج شعار “نحن مقابل الآخرين،” اي مراكز السلطة في واشنطن، واستطاع توسيع قاعدة الدعم الشعبي داخل صفوف الناخبين الجمهوريين وصعد بها الى مستويات لم يحلم بها اي من المرشحين الرسميين للحزب.

       في اعقاب خسارة مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2012، ميت رومني، شرع قادة الحزب في دراسة وتقييم ما جرى وتحديد الثغرات الاجتماعية لاحجام قطاعات واقليات متعددة من تأييد الحزب. وحثت احدى المذكرات الداخلية قيادات الحزب على ضرورة تعديل خطابها السياسي والمطالبة بادخال تعديلات على قوانين الهجرة السائدة طمعا في كسب تأييد عناصر انتخابية من اميركا اللاتينية، ومنافسة بعض اللوائح في الولايات المؤيدة للحزب الديموقراطي.

       في عصر قريب، شهد المجتمع الاميركي بروز مجموعة ناخبين اطلق عليهم وصف “ديموقراطيو ريغان،” ابان فترة ترشيح الرئيس الاسبق رونالد ريغان، الذين استقطبهم خطاب ريغان السياسي رغم سطحيته وتناقضاته، والذين سرعان ما عادوا لصفوف الحزب لدعم الرئيس الاسبق بيل كلينتون. توزعت تلك المجموعة “غير المتجانسة” على مراكز الصناعات التقليدية في الولايات المحاذية للبحيرات العظمى: اوهايو، بنسلفانيا، ميشيغان، وويسكونسن، بيد ان ولاية اوهايو انفردت من بين نظيراتها بالميل لتأييد الحزب الجمهوري. يشار الى ان تلك المجموعة من الناخبين لم تجنح لتأييد مرشح رئاسي عن الحزب الجمهوري منذ عام 1988.

       استغل ترامب تردي اوضاع العمال في المراكز الصناعية واغلاق عدد منها ابوابها واخرى هاجرت خارج حدود الولايات المتحدة، سعيا وراء عمالة منخفضة الاجور وتعزز معدلات الارباح، لا سيما البارزة منها في الصين والمكسيك. واستغل ايضا حالة عدم الادراك الجماهيري لبواطن اتفاقية التجارة الحرة بين بلدان اميركا الشمالية، التي يدعمها الحزب الديموقراطي والرئيس اوباما وهيلاري كلينتون، لتأليب تلك القاعدة ضد المرشحة كلينتون التي اضحت، في نظره، احد المسؤولين عن هجرة المصانع للمكسيك.

       وتعمد ترامب التردد على زيارة تلك الولايات الاربع المذكورة بصورة لافتة، عاقدا مقارنة اهتمامه بمستقبلها مقابل تجاهل تام من المرشحة كلينتون، التي ربما صدقت استطلاعات الرأي بأن القاعدة العمالية في مجملها ستبقى وفية للحزب الديموقراطي. فاز ترامب بتلك الولايات مجتمعة مما عزز نسبة تأييده من اصوات الهيئة الانتخابية وحسمت السباق لصالحه في نهاية المطاف.

اين اخطأت كلينتون

       جملة فرضيات مسبقة استندت اليها حملة كلينتون اسهمت في مضاعفة نسب عزلتها عن قواعدها الانتخابية. ابرزها بالطبع الشكوك الحائمة حول مراسلاتها الالكترونية خارج الاطر الرسمية ابان تسلمها قيادة وزارة الخارجية؛ يضاف الى ذلك سلسلة مذكرات داخلية بين قيادات الحزب الديموقراطي قبي المؤتمر السنوي للحزب والتي كشفت عن نوايا مسبقة لاقصاء منافسها بيرني ساندرز وما رافقها من تداعيات هزت اركان الحزب؛ ولعل الأهم سلسلة المراسلات التي نشرتها “ويكيليكس” لمذكرات داخلية صادرة عن وواردة الى رئيس حملتها الانتخابية، جون بوديستا، التي القت مزيدا من ظلال الشك حول صدقية المرشحة على اقل تقدير.

حملة كلينتون الانتخابية حرصت على تنفيذ النموذج التقليدي في الحملات الانتخابية، والتي اثمرت بنجاح الرئيس اوباما مرتين: مراكز متعددة للحملة ممتدة على رقعة جغرافية واسعة؛ طاقم اداري كبير الحجم؛ استثمار مالي ضخم في الدعاية الاعلامية؛ والمراهنة على دعم الاقليات الاخرى للحزب ومرشحته ايضا، خاصة بين السود والجالية اللاتينية وحديثي العهد ممن بلغوا السن القانونية.

حملتي الرئيس اوباما اسفرتا عن تطبيق ناجح، وان متباين، للعناصر الواردة اعلاه؛ بينما جاءت وبالا على حملة السيدة كلينتون، خاصة في قطاعي المرأة والاميركيين من اصول افريقية الذين نضب معدل حماسهم السابق. بل اخفقت السيدة كلينتون في الحفاظ على نسب دعم متساوية مع تلك التي حققها الرئيس اوباما آنذاك.

ترامب لم يوفر كلينتون في انتقادها لقربها من رؤوس الاموال وحملات التبرعات المالية الكبيرة، مما ارسى مفهوما في القاعدة الانتخابية بأنها ممثلة لاصحاب المصالح الكبرى والمؤسسات المالية في وول ستريت. واستطاع في نهاية المطاف بصرف الانظار عن مصادر تمويله رغم غيوم الشك التي رافقته في تهربه من دفع حصته من الضرائب لفترة تقرب من 20 عاما.

     اما العامل الابرز في اخفاق كلينتون، في نظرنا، كان في سوء تقديرها ومرافقيها لمؤيدي منافسها السابق بيرني ساندرز، اذ تركزت مراهنة حملتها على جهود الرئيس اوباما ونائبه جو بايدن اضافة لساندرز نفسه في الابقاء على تماسك جمهور ساندرز وتصويته لصالحها. حقيقة الامر ان تلك المجموعة انقسمت الى ثلاث كتل متباينة: البعض احجم عن المشاركة الكلية في الانتخابات ولزم بيته؛ اقلية صوتت لصالح ترامب؛ والكتلة الاكبر صوتت لصالح مرشحي الليبرتاري وحزب الخضر – كلتاهما نكاية بكلينتون وسوء ادارتها لجمهور منافسها ابان المؤتمر العام للحزب. تقاطعت مشاعر الكتلتين الثانية والثالثة في عدائهما المشترك لكلينتون مدركين ان اصواتهم ستصب في صالح المرشح ترامب في نهاية الأمر.

ماذا بعد

       انفراد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، وبؤس مفرداته السياسية المفعمة بالحقد والعنصرية، دفع البعض للتكهن بأن الحزب مقبل على انشقاقات وتكتلات جديدة بعد فقدانه لحمته الداخلية وتدني شعبيته. بيد ان الرياح أتت بما اشتهته سفينة ترامب وفعل انتصاره كان افضل ترياق للانشقاقات التي ربما سيتأخر تجذرها بعض الشيء.

       قيادات الحزب الجمهوري القلقة على مستقبلها سارعت لتهنئة ترامب بعد جفاء وصدامات واضحة معه، وخاطبه رئيس مجلس النواب، بول رايان، بأنه “اصغى لآنات المواطنين الذين لم ينصت لهم احد من قبل .. وقلب العملية السياسية راسا على عقب، وهو مؤهل لادارة حكومة يحمها الحزب الجمهوري” بمفرده (اشارة الى السلطتين التشريعية والتنفيذية). واضاف رايان ان مرشحي الحزب الآخرين مدينون لترامب في فوزهم بمناصبهم.

       الاسواق المالية عزفت لحن ترامب عقب فوزه بعد تراجع كبير ليلة الانتخابات، ابرزها ارتفاع سعر الذهب الى 60 دولارا للاونصة؛ بيد انها استعادت توازنها بعد انقضاء ساعات قليلة وعاد سعر الذهب الى مستواه السابق. اباطرة المال في وول ستريت يتطلعون للرئيس المنتخب بحرارة وفق توقعاتهم بما سيقوم به من خفض او الغاء القيود الجارية على استثماراتهم والتبادل التجاري.

       انفرجت اسارير عدد من قادة العالم لفوز ترامب، القادم من خارج المؤسسة لكنه سيلتزم بضوابطها وتحقيق استراتيجيتها الكونية ان استطاع سبيلا. ابرز المرحبين بالرئيس المنتخب كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعرب عن أمله بقدرة ترامب على ترميم الضرر الذي لحق بالعلاقات الثنائية بين البلدين؛ مذكرا بوعود الرئيس المنتخب بالتفاوض البناء مع روسيا وفتح صفحة تعاون بينهما.

       العلاقات الروسية الاميركية ستكون ابرز القضايا على سلم اولويات الادارة المقبلة، وستشكل المحك الحقيقي لنوايا ترامب في منصبه الجديد. البعض ذهب بالتكهن الى انشاء تحالف جديد بين روسيا والولايات المتحدة لادارة الحرب ضد داعش سويا.

      داخليا، وبعد سيطرة الحزب الجمهوري على مراكز صنع القرار من المرجح ان يحالف النجاح بعض سياسات ترامب التي “ستعاقب” برنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباما كير بقطع تمويله؛ والسعي سويا لتعديل البرنامج الضرائبي لصالح فئة الاثرياء والمترفين كما وعد مرارا وتكرارا في حملته الانتخابية.

       يدرك ترامب تماما نزوعه للبراغماتية في التعامل مع خصومه ومنافسيه، بل ومؤيديه، بخلاف الثقل الايديولوجي المحافظ الذي يميز قادة الحزب الجمهوري. وقد يؤدي ذلك الى تصادمه مع بعض اركان حزبه نظرا لتوجهه التعاون مع ممثلي الحزب الديموقراطي والذي قد يتعارض مع توجهات الكونغرس.

اجراءات سياسة ترامب

       من المرجح ان يولي ترامب اهمية استثنائية لتجميد او الغاء عدد كبير من القرارات الرئاسية التي صادق عليه الرئيس اوباما، لا سيما تلك التي يعتبرها مقيدة للتجارة الاميركية. خبراء الاقتصاد في الداخل الاميركي يتوقعون انتعاش حالة الاقتصاد في المدى المنظور استنادا لوعود ترامب باطلاق يد المصالح التجارية الكبرى بشكل خاص.

       سيحافظ ترامب على اسلوبه في ادارة المفاوضات التجارية، ويشهر سيوفه للتهديد باستعداده الانسحاب من بعض الاتفاقيات المبرمة مع الدول الاخرى ان لم يفز ببعض التنازلات.

       تعول الاوساط الحاكمة على استدارة ترامب العاجلة للاتقاص من الانتفاق النووي مع ايران وهي المتضررة من حالة الانفراج والانفتاح النسبي، وحثه على اعادة العمل بنظام العقوبات الاقتصادية المتشددة ضدها، وما يفصلها عن تحقيق ذلك هو التقاط اللحظة المناسبة. وسرعان ما زعمت بعض الوسائل الاعلامية، في اليوم الاول لفوز ترامب، ان ايران تجاوزت الحجم المسموح به لها الحفاظ على المياه الثقيلة. ومن الجائز ان ينضم اللوبي الصهيوني وكيانه الى تسعير الحملة ضد ايران مرة اخرى، بدعم من رئيس يشاطره عداء الاتفاق، ولديه قابلية لتصعيد الصراع مع طهران طمعا في وقف برامجها للصواريخ الباليستية.

       دول النفط العربية تضررت كثيرا من فوز ترامب، الذي اهانها واحتقرها منذ بدء حملته الانتخابية، لكن للضرورة احكامها. مجالات الاتفاق بين الطرفين تنحصر فس مسألة عداء ايران، ليس الا. ومن المتوقع ان يعمد ترامب الى مطالبة تلك الدول الاسهام في مجال الانفاق العسكري لمديات اعلى من المستويات الراهنة.

       العلاقات الاميركية “الاسرائيلية” ستستمر في التطور تحت ادارة ترامب، بالرغم من عدم ارتهانه للوبي “الاسرائيلي” او مصادر التمويل اليهودية. واثنى عليه بنيامين نتنياهو بعد فوزه بوصفه “صديق حقيقي لاسرائيل.”

       الاداء المهني لادارة ترامب سيعاني من شح الخبرات والكفاءات ذات البعد الاستراتيجي بشكل خاص، وتنفرج اساريره وسط جمع من رجال الاعمال الذين يتوقع ان يكون لهم الدور الاشد حضورا في رسم سياسات ادارة ترامب. في هذا الصدد، الجزء الاكبر من مراكز الفكر والابحاث الراهنة تؤيد سياسات الحزب الديموقراطي، اما ما تبقى من عدد ضئيل من تلك المراكز المؤيدة للحزب الجمهوري لا يتوقع لها مستقبل فاعل في ازداء النصح والارشادات لادارة ترامب.

       امام واقع متجذر في رسم وتنفيذ سياسات واشنطن، قد يجد ترامب نفسه في وضع لا يحسد عليه امام استحقاق القاعدة الانتخابية التي دعمته لاصراره على مواجهة آليات الحكم الراهنة العصية على التعديل. وسيكتشف سريعا ان خصومه السياسيين هم حزبه الجمهوري نفسه.

       لم يأبه ترامب لاقصاء واهانة عدد من القطاعات الاجتماعية والشخصيات النافذة، خلال حملته الانتخابية، وسيجد نفسه امام سد يتنامى من الاعداء، مما سيحرمه من تحقيق وعوده لنفسه وقواعده الداعمة، خاصة ان استمر في حرصه على اللعب خارج المؤسسة وتطويعها له.

       الحكم النهائي سيحدده التاريخ ان استطاع ترامب اثبات قدراته وتصميمه على انجاز اجندته الانتخابية، ام الدخول في متاهات ودهاليز السلطة المقيد للحركة والمحفزة للفشل.

مركز الدراسات الأميركية والعربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى