استراتيجية اوباما قبل المغادرة: ضرب قادة «النصرة» والحفاظ على مقاتليها يحيى دبوق
استفاق اوباما فجأة، ليتبين له أن «القاعدة في سوريا» تنظيم ارهابي، آمرا باستهداف قادته. هل توصلت الادارة عشية مغادرتها إلى ضرورة «التحول» بمعنى الاستسلام، ام هي محاولة للبحث عن خيارات بديلة، بمعنى المكابرة؟
وجه الرئيس الاميركي، باراك اوباما، أوامره للبنتاغون، لملاحقة وقتل مسؤولي “جبهة النصرة” في سوريا. الأوامر، بحسب ما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” امس، واضحة ولا لبس فيها، وبحسب مسؤول رفيع في الادارة “الرئيس (اوباما) لا يريد لهذه الجماعة (النصرة) أن ترث سوريا، فهي ليست المعارضة القابلة للحياة، لأنها تنظيم القاعدة”.
وقد يعدّ ذلك تطوراً دراماتيكياً في مقاربة إدارة باراك أوباما، قبل أقل من ثلاثة أشهر على انتهاء ولايتها، والأرجح أنّه مبني على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. ويبدو أنّ هذا التطور يعكس توجهاً استباقياً من الرئيس الحالي لمواجهة استراتيجية الرئيس المقبل التي قد تتجه إلى ما يشبه تسليم الساحة السورية للجانب الروسي (استناداً إلى عدد من مؤشرات الحملة الرئاسية). وكان فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة، من شأنه أن يؤمن مساحة زمنية أوسع مدى لمواصلة النهج القديم، بلا تغييرات تذكر.
أوامر اوباما بتصفية مسؤولي “النصرة”، لا تعدّ من قبله تراجعاً عن استراتيجيته السابقة، بل هي خيار بديل معدل عما كان عليه في الماضي، من شأنه الإبقاء على “القاعدة” في سوريا كعنصر ضغط رئيسي وفاعل وأكثر موثوقية، في الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، للاستسلام الطوعي. لكن مع “نصرة” بلا قيادات، لابد أن تندفع عناصرها دفعا للالتحاق بجماعات أخرى، يصعب استهدافها لاحقا لدى تسلم ترامب مهماته الرئاسية، على خلفية أنها منقادة لتنظيم “القاعدة”، سواء من قبله هو مباشرة، أو بمساعدة وتوكيل للجانب الروسي من قبله. معنى ذلك، أنه بدلا من تحقيق المطلب الروسي بفصل “النصرة” عن “المعتدلين”، يسعى اوباما إلى الحاق “النصرة” بهم.
الواضح، كما يبدو أيضاً، أن اوباما لا يرى، ولا يستشرف إمكان، تدخل عسكري آخر للضغط على الرئيس الاسد وحلفائه، غير الجماعات المسلحة. وهو ما يدفع اوباما وادارته الى “حلول إبداعية” على شاكلة الابقاء على “النصرة” فعليا كأفراد وعديد فاعل في مواجهة الدولة السورية، مع التمكن من القول إنه جرى تصفيتها عبر تصفية قادة منها. أحد أهم الآمال المنعقدة على هذا التوجه، إن تحقق بالفعل، أن يُبقي اوباما على زخم وقدرة الجماعات المسلحة كما هي ميدانيا، ومنع تراجعها أكثر خلال المراحل المقبلة من الصراع في سوريا، بعد انتهاء ولايته.
في هذا السياق تحديداً، من شأن هذا التوجه إن تحقق، أن يُصعّب أو حتى يُفوّت الفرصة، وربما أيضاً يُمكّن، ترامب من التنصل من التزاماته كمرشح، في مد اليد للروس للقضاء على الارهاب في سوريا، وخاصة أنه كرئيس، سيستمع وينصاع أكثر للمصالح الأميركية، ويرى من على كرسي الرئاسة، مصالح من زاوية مختلفة عما كان يراه كمجرد مرشح للرئاسة.
من ناحية أخرى وموازية، يبحث اوباما أيضاً عن إرث له. هو يريد أن يُنظر إليه كرئيس استطاع “محاربة وقلع الإرهاب والقاعدة” من سوريا وكذلك من العراق، ولا يريد أن يُنظر إليه كرئيس يُعاب عليه أنه توافق أو تسامح مع “القاعدة” في سوريا تحديداً. هي مصلحة شخصية، تقاطعت في آخر ولايته مع المصلحة الأميركية، التي باتت خياراتها ضيقة ومحدودة، وتبحث عن خيارات إبداعية، على شاكلة قطع رأس “القاعدة” والإبقاء على جسدها حياً.
مع ذلك كله، يعد التوجه الأميركي تنازلاً، بمعنى خسارة الإستراتيجية السابقة واتضاح عيوبها وعجزها عن تحقيق المطلوب منها. كما أنه دليل إضافي على تجذر فشل رؤية التدخلات العسكرية المباشرة. صحيح أنه تنازل يحمل معانٍ تجميلية من نظرة أولى، لكنه يؤشر إلى مسار تحول إجباري مبني على ضيق خيارات. في الوقت نفسه وعلى نحو مواز، يشير هذا التوجه الجديد إلى صحة قراءة واقع الجماعات السلفية على اختلافها، وتحديداً “داعش” و”النصرة” وأشباههما، من أنه “قد جرى استغلالها، وأن وقت حصادها قد حل بالفعل”.
(الاخبار)