سورية ولبنان : آفاق جديدة
غالب قنديل
زيارة الموفد الرئاسي السوري الوزير منصور عزام لقصر بعبدا تفتح صفحة مهمة في العلاقات الرسمية بين البلدين رسم إطارها الرئيسان ميشال عون وبشار الأسد من خلال اعتبار التصدي للتهديد الصهيوني وللخطر الإرهابي التكفيري قضية مشتركة تقتضي التعاون بين البلدين وحرارة التهنئة السورية للرئيس اللبناني بما نقله عزام إلى رئيس الجمهورية تعبر عن الثقة الكبيرة بالرئيس العماد عون وبدوره الوطني الكبير الذي يلقى احتضانا شعبيا وسياسيا واسعا منذ انتخابه .
القضية المشتركة تحدد أولوية ومضمون جدول الأعمال اللبناني السوري وفي إطارها يمكن النظر إلى سلسلة من الملفات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والأمنية التي تنتظر رسم الأطر المناسبة للتعاون بين الدولتين .
يحتاج لبنان إلى هذه العلاقة في جميع المجالات ويمكن إيراد لائحة طويلة بالمصالح اللبنانية التي ترتبط بالتنسيق والتعاون مع الشقيقة سورية وعلى رأسها تندرج قضية عودة النازحين السوريين المرتبطة بتقدم المعركة ضد عصابات الإرهاب التكفيري على الأرض السورية والتي يقدم فيها لبنان أرواحا غالية من شباب المقاومة الذين يساهمون في الدفاع عن وطنهم وعن الشقيقة سورية معا.
ينبغي تذكير من يتناسى ان اتفاق الطائف انطلق من اعتبار العلاقة اللبنانية السورية المميزة ركيزة لهوية لبنان العربية وتشديد فخامة الرئيس على تطبيق اتفاق الطائف بدون استنساب يقضي بتطبيق هذا البند في التعامل مع الجمهورية العربية السورية التي وقفت إلى جانب لبنان في مجابهة الاحتلال الصهيوني بينما كان مناهضو هذه العلاقة خلال السنوات الماضية يقفون عاجزين عن الإجابة على أي سؤال يتناول اعتراضاتهم على الاتفاقات الثنائية التي يمكن إخضاعها للمراجعة والتعديل من خلال مؤسسات الدولتين بمضمون المصالح المشتركة وعبر آليات التعاون المحددة في صلب نصوص المعاهدة والاتفاقات الموقعة.
اقتصاديا تمثل سورية ضرورة لبنانية ويكفي الاستماع لصرخات المزارعين اللبنانيين الذين تعني القطيعة مع سورية كساد مواسمهم التي تجد في الأسواق السورية نصيبا مهما من عائداتها المجدية ويستحيل عبورها إلى الداخل العربي من خارج الممر السوري امس واليوم وغدا نتيجة القدر الجغرافي الذي لا يلغيه التحايل البحري ولا الترف الجوي ويمكن ببساطة القول لتذكير من ينبغي تذكيرهم بان عاملين حاسمين يجعلان من العلاقة اللبنانية السورية بعدا وجوديا في نهوض لبنان الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة:
العامل الأول : في زمن الكساد والركود دوليا وعربيا ومع انكماش الاقتصاد السعودي والخليجي ينتظر الخبراء الاقتصاديون فورة سورية ضخمة من خلال ورشة إعادة البناء بعد الحرب التي يتطلع مجمع الأعمال والاستثمار اللبناني إلى حجز حصة فيها وهو ما لن يكون متيسرا من خارج العلاقات السياسية الأخوية التي يؤمن بها الرئيس ميشال عون ويعمل عليها .
العامل الثاني : إن سورية تمثل شريكا رئيسيا في حلف دولي إقليمي شرقي يضم إيران وروسيا والصين وسواها من أعضاء منظمة شانغهاي ويستحيل ان يتمكن لبنان من حجز موقع في الشراكة مع هذا الحلف الكبير والقوي بدون تطوير علاقاته الاقتصادية مع اطرافه الأقرب وبالذات مع سورية وإيران التي حل في بعبدا وزير خارجيتها بعد الموفد السوري مباشرة وفي اليوم نفسه حاملا معه ملفات شراكة مهمة بين لبنان وإيران ونلفت انتباه محترفي العدوات والأحقاد إلى ان طريق الحرير الجديد سيصل إلى سورية وربط لبنان بهذا المشروع الكبير والطموح يجلب له الكثير من المنافع والمصالح التي لاغنى عنها.
اما التصدي للخطرين الصهيوني والتكفيري الذي يعتبر القضية الراهنة الوجودية بالنسبة لسورية ولبنان فهو يرتبط بعمل مشترك سياسيا وامنيا وعسكريا لصد تلك المخاطر والتهديدات عبر تطوير التفاعل والتعاون بين المؤسسات العسكرية والأمنية في البلدين ويكفي الالتفات إلى ان تحرير الأراضي اللبنانية التي تحتلها عصابات الإرهاب في الجرود الشرقية ومنع انتقال الإرهابيين وعتادهم ومفخخاتهم عبر الحدود يقتضي عملا عسكريا وأمنيا مشتركا سوريا لبنانيا وهذه الثغرة التي تكفل حزب الله بملئها واحتوائها بات مفروضا بالدولة اللبنانية ان تحمل قسطها من مسؤوليتها بالشراكة مع الشقيقة سورية والرئيس ميشال عون يدرك تلك الحقيقة بفهمه الاستراتيجي وبخبرته العسكرية وبكل تأكيد سيعالجها من موقعه الوطني والدستوري بكل الحزم والتصميم المطلوبين لحماية لبنان من خطر الإرهاب التكفيري على قاعدة تعزيز الشراكة بين الجيش والمقاومة داخليا وبين لبنان وسورية إقليميا .
ينبغي أن يضع اللبنانيون في اعتبارهم ان سورية طورت من قدراتها الدفاعية في وجه التهديد الصهيوني وهو ما تعترف به تل أبيب لاسيما بعد امتلاك سورية لشبكات صاروخية حديثة مضادة للطائرات وتحديث بنيان القوات المسلحة السورية وسيكون تطوير التعاون العسكري بين الجيشين اللبناني والسوري مصدرا لتعزيز الخبرات اللبنانية ولتطوير قدرات الردع اللبنانية التي انشأتها المقاومة بما لديها من إمكانات وقدرات ترفع كلفة المغامرات العدوانية على الكيان الصهيوني والرئيس العماد ميشال عون يحمل تصورا متقدما عن استراتيجية الدفاع الوطني يقوم على التكامل بين الجيش والمقاومة الذي لا بد من تعزيزه بتعاون وثيق مع الجيش العربي السوري سواء في المعركة ضد الإرهاب التكفيري ام في ردع العدوانية الصهيونية وهذا هو لب القضية المشتركة التي تربط لبنان مع سورية وكذلك مع إيران التي اظهرت استعدادا لكل أشكال الدعم والمساعدة دائما وهو ما حمله الوزير جواد ظريف في زيارة التهنئة الرئاسية.