مقالات مختارة

ما هي «الالغام» المهدّدة «لشهر العسل»؟ ابراهيم ناصرالدين

 

فجأة تحولت الطبقة السياسية الى «ملائكة»، الكل «صلى على النبي» «وصلب على وجهه»، وانخرط الجميع في «عزف» سيمفونية ذات ايقاع موحد، دعم العهد الجديد ورعاية انطلاقته، وبدأ هؤلاء البحث منذ لحظة انتخاب الجنرال ميشال عون وتكليف الرئيس سعد الحريري عن الحصص في «بوسطة» السلطة، لكن الاكثر اثارة للاهتمام يبقى هذا «الغزل» والمديح اللامتناهي بشخص «الجنرال» الذي اكتشف خصومه فجأة انه غير الشخص الذي ناصبوه العداء لسنوات طويلة، وباتت «الموضة» الدارجة الان، خصوصا في اوساط «تيار المستقبل»، ان عون ما قبل الرئاسة مختلف عن «الجنرال» ما بعد وصوله الى بعبدا، الجميع يتقصد اشعار اللبنانيين اننا في «شهرعسل» دون ان يتكلف احد عناء الاجابة عن سؤال جوهري يتعلق بضمانات غير موجودة يمكن ان ترجح استمراره الى امد طويل…

اوساط بارزة في 8 آذار، تدعو الى ضرورة النظر بواقعية الى التسوية الحالية وتقسيم العهد الى مرحلتين، الاولى تمتد حتى اجراء الانتخابات النيابية المقبلة، ويمكن خلالها الرهان على استمرار «شهر العسل»، والمرحلة الثانية ستلي تشكيل حكومة الرئيس الحريري الثانية وعندئذ قد تبدأ الكثير من «الالغام» بالانفجار في وجه المقايضة التي انتجت التسوية، فاذا كان ثمة من يراهن على ان يكون النصر الذي حصده الجنرال عون مقتصرا على حدود دخوله قصر بعبدا، فستكون الامور صعبة، لان الجنرال لن يسمح باستنزاف عهده، فترة السماح الواقعية ستكون في مرحلة الحكومة الاولى للعهد حيث سيكون قانون الانتخاب الانجاز الاول واجراء الانتخابات النيابية التتويج الطبيعي لهذا الانجاز، الرئيس الحريري في تفاهماته السابقة مع «الجنرال» طالب بفترة سماح معقولة لاستعادة شعبيته واعادة تاهيل الشارع السني لقبول التسوية، والمدة المتاحة حتى شهر ايار موعد الانتخابات النيابية، تبدو مدة معقولة للغاية، خصوصا اذا تمكن الحريري من تشكيل حكومته سريعا، ولم يستنزف في عملية تشكيلها… ولذلك من المرجح ان تبقى البلاد غارقة في «العسل» طوال هذه المدة لان الجميع سيكون منخرطا في تأمين ظروف مرنة لاستيلاد الحكومة، الجميع يحتاج الى فترة لالتقاط الانفاس واعادة ترتيب الاوراق والحسابات للمرحلة المقبلة.

القضايا الخلافية الكبرى التي تنقسم البلاد حولها لم تحل، ولن تحل، سلاح «حزب الله» سيبقى خارج النقاش، والخلاف حول مشاركة الحزب في الحرب السورية غير خاضع للنقاش، الجميع اشاد بخطاب القسم رغم تبنيه «الحرب الاستباقية»، وهذا مؤشر جيد، هذه الواقعية السياسية اذا ما استمرت ستكون كفيلة بتمديد «شهر العسل» في البلاد، لكن اي تغيير في اولويات الحريري بعد استعادة ما خسره من شعبية بعد الانتخابات النيابية، ستكون «دعسة ناقصة» للحكومة الثانية، عندئذ ستدخل البلاد في المزيد من الازمات، ولهذا فان السؤال المطروح راهنا، «هل سيكون زعيم المستقبل بعد الانتخابات هو نفسه ما قبلها»؟؟.

لماذا هذا التساؤل؟ لان حكومة العهد الثانية ستكون امام اختبار جدي لصمود التفاهمات، وصول الجنرال عون الى قصر بعبدا ليس انجازا محليا فقط، بل هو انعكاس لتوازنات داخلية واقليمية، الرياض التي تحمل الكثير من «الأثقال» الاقليمية ، قارنت ما بين العبء الناتج من استمرار حالة الاستعصاء في لبنان وبين حاجة الحريري الملحة للعودة إلى السلطة، مررت التسوية واوساطها تعمم معادلة مفادها ان رئيس جمهورية لبنان لا يمكنه احداث فارق كبير لان الصلاحيات التنفيذية والأساسية بيد الحكومة المرؤوسة من شخصية سنية! ويبقى السؤال اذا ما كانت حقيقة هذه القناعة السعودية، فلماذا تاخرت التسوية سنتين ونصف السنة؟

ببساطة شديدة لان ما حصل في لبنان نتيـجة طبيـعية لعملية تسوية داخلية تأثرت بمناخات الإقليم وتوازنات القوى وأولويات المملكة العربية السعودية، الرياض خسرت «بالنقاط» امام ايران دون الكثير من الامل في ان يؤدي التفاهم بين الحريري وعون الى التأثير في النفوذ الإيراني على الساحة اللبنانية، وهذه الحقيقة تضع المملكة امام السؤال الصعب حول استراتيجيتها المقبلة ازاء التعامل مع المسالة اللبنانية، فهل ستعود مجددا في حكومة العهد الثانية الى مد اليد مجددا الى الحريري لمساعدته على مواجهة اقرانه في السلطة، هو يحتاج الى مساندة ودعم جدي على كل المستويات، سياسيا واقتصاديا، حسم هذا الخيار مهم جداً في التـأثير في شخصية الحريري فـي حكومتـه الثـانية، لان دعمه له اثمان، اما تركه وحيدا فيعني المزيد مـن «ربط النزاع» مع حلفاء دمشق وطهران، وهـي استراتيجـية ادت في رأي المقربين منه الى هذا الاستسـلام الكامل.

انطلاقا من هذه المعطيات، سيكون الحريري موضع اختبار وليس الجنرال عون، ثمة ثوابت لم يحد عنها «الجنرال» في لحظات ضعفه، فكيف في ذروة قوته، قد تكون الكثير من «الفلسفة» الاقتصادية والعناوين السياسية قابلة للاخذ والرد بين الرجلين، وهي قابلة للتسويات، لكن ثمة مسألتين لا يمكن ان يكون فيهما عون الرئيس غير عون ما قبل الرئاسة، المسالة الاولى موقفه من المقاومة ودور حزب الله في المواجهة الاقليمية، ولدى الرئيس قناعة تامة «بفلسفة» الحزب الوقائية.. اما القضية الثانية فترتبط بقضية اللجوء السوري، بالنسبة «للجنرال» تعتبر هذه المسألة خطرا استراتيجيا لا يهدد فقط العيش المشترك في لبنان، وانما الوجود المسيحي بحد ذاته، ولذلك فان التحدي الاهم امام العهد الجديد والحكومة التي ستلي الانتخابات النيابية المقبلة ستكون قضية اللاجئين السوريين، فمنذ اندلاع الحرب عام 2011 استقبل لبنان نحو مليون و300 ألف لاجئ، يشكلون هؤلاء ربع سكان البلاد، ومعظمهم من «السنة»، لا احد في لبنان يجاهر بأنه يريد دمجهم في النسيج السكاني اللبناني، لكن بقاءهم لوقت طويل سيزيد من المشاكل ويجعل وجودهم امرا واقعا يصعب تجاوزه، ثمة خطيئة ارتكبت مع الفلسطينيين وهي تتكرر اليوم، صحيح انهم لم يتحولوا الى لبنانيين، لكن التعامل اللاانساني معهم ادى الى ظهور بيئة من السهل نمو التطرف فيها، والمشكلة مع السوريين مختلفة ايضا لأن مسالة عدم دمج الفلسطينيين تعود الى موقف مبدئي لمواجهة محاولة اسرائيل محو الهوية الفلسطينية بينما يختلف الامر مع اللاجئين السوريين.

حكومة الحريري الاولى قد لا تكون اولويتها حل هذه المعضلة لكن الحكومة الثانية لا يمكنها ان تتجاهل هذه الازمة طويلا خصوصا اذا ما استمرت الحرب في سوريا الى امد طويل، عدم الحوار مع الحكومة السورية في هذا السياق سيكون احد «الغام» المرحلة المقبلة، لان موقف رئيس الجمهورية سيكون نابعاً من هواجس مسيحية محقة تتعلق بالخوف من اختلال اكبر للتوازن الديموغرافي في البلاد، اعلانه التمسك باتفاق الطائف بما افرزه من تقسيمات سلطوية افقدت الرئاسة الاولى صلاحياتها لا يعني ابدا انه بالامكان السكوت طويلا على تغييرات ديموغرافية واقعية ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل المسيحيين والبلاد معا.

اذا الحديث عن عون ما قبل الرئاسة وما بعدها، محاولة لتبرير التسوية من قبل «عرابيها» في «التيار الازرق»، ومحاولة لتسويقها لدى المعترضين في الداخل والخارج، الرجل غير قابل للمساومة في القضايا الكبرى، استمرار»شهر العسل» مرتبط بتفاهم الحد الادنى على الاصلاح، وابتعاد الرياض وواشنطن عن الاستثمار في الساحة اللبنانية، والمعطى الاخير يفكك حكما «لغم» اللاجئين، ويبعد ملف المقاومة ومشاركة حزب الله في الحرب السورية عن «المهاترات» التي من شأنها ان تعيد الامور الى «نقطة الصفر».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى