«غضب الفرات» في الرقة: معركة «تحرير» أم ورقة انتخابيّة؟ صهيب عنجريني
برعاية أميركية، أعلنت «قسد» أمس إطلاق «معركة تحرير الرقة». التوقيت والمعطيات المتوافرة تشي بأنّ الإعلان أقرب إلى كونه «ورقة دعم انتخابيّة» تقدّمها الإدارة الأميركيّة للمرشّحة الديموقراطيّة هيلاري كلينتون. فيما تؤكّد «قسد» أنّ المعركة ستستمر على الأرض حتى «تحرير الرقة» ومن دون «مشاركة أنقرة أو مرتزقتها»
في توقيتٍ انتخابيّ بامتياز، أعطَت الولايات المتحدة الأميركيّة شارة انطلاق «معركة تحرير الرقة» من تنظيم «داعش». الإسناد الجوي والمهمات «الاستشارية» سيتصدّى لها «التحالف الدولي» بقيادة أميركية، أما الذراع البرية فهي «قوات سوريا الديموقراطية» التي احتفظت بموقعها حليفاً بريّاً مفضّلاً للأميركيين في شمال سوريا.
وفيما لم يصدر حتى مساء أمس أي تعليق روسي أو سوري رسمي على المستجدّات، بدا لافتاً ما أثارته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسيّة عن احتمال «وجود توافق أميركي روسي» على قاعدة «الرقة مقابل حلب». الصحيفة نقلت عن مسؤول سوري (لم تسمّه) قوله إنّ «الأميركان يتركون للروس حلب، وبالمقابل يترك الروس للأميركان استعادة الرقة». وبرغم أنّ تصريحات أميركية وفرنسية كانت قد أظهرَت اهتماماً خاصاً بمعركة الرقة خلال الأيام الأخيرة، غير أنّ ظروف إطلاق العمليّة التي سُمّيت «غضب الفرات» توحي (حتى الآن) بأنّ الاهتمام منصبّ على إعلان المعركة في الدرجة الأولى، من دون توفير التربة اللازمة لضمان سيرها بالصورة الأمثل. وإذا كان انخراط «قسد» (وعمودها الفقري «وحدات حماية الشعب» الكردية) في معارك ضد تنظيم «داعش» بغطاء أميركي ومن دون رضى تركيّ أمراً غير جديد، فالجديد هذه المرّة أنّ معركة الرقة تُطلق في خضم معارك تخوضها قوات الغزو التركي ومجموعات «درع الفرات» ضدّ «قسد» في ريف حلب الشمالي، فيما يرتبط الطرفان بتحالفات قويّة مع الأميركيين. ويبدو جليّاً أن الاستثمار في العداء المستحكم بين الأكراد وأنقرة بات ركناً أساسيّاً في السياسة الأميركيّة في الشمال السوري منذ إعلان أنقرة بدء «درع الفرات» في آب الماضي («الأخبار»، العدد 2971). ومن المسلّم به أنّ لقاء رئيس الأركان الأميركي جوزيف دانفورد بنظيره التركي خلوصي أكار أمس في أنقرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإعلان «قسد» رسميّاً بدء العمليات العسكرية على الأرض. ولم ترشح تفاصيل وافية عما دار في الاجتماع المذكور، ما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالين: أوّلهما وجود قرار أميركي جدي بتطويع أنقرة ودفعها إلى تجرّع الأمر الواقع والاكتفاء بلعب دور المتفرّج في عملية الرقة، وثانيهما شرحٌ أميركي لضرورات إطلاق عمليّة مماثلة (وإن لم تكن مستوفيةً شروطها) خدمةً للديموقراطيين في سباق الرئاسة الذي ينطلق يوم غد، على أن تتمّ معالجة المخاوف التركيّة لاحقاً. ويبدو الاحتمال الثاني مرجّحاً ولا سيّما في ظل المعطيات التي تؤكّد أنّ «قسد» أخذت إشعاراً أميركيّاً منذ أيّام بأنّ «المعركة ستطول»، وهو موقفٌ نقله إلى العلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الذي أكد في بيان له مساء أمس أن «المعركة لن تكون سهلة». وقبل البيان بساعات، كان المتحدث الرسمي باسم «قسد» طلال سلو قد أكّد لـ«الأخبار» أنّ «المعارك ستكون صعبةً حتماً». سلو ربط بين المدى الزمني المتوقّع و«متانة تحصينات داعش في الرقة»، وقال إنّ «داعش حوّل الرقة إلى عاصمة لإرهابه، وبالتالي من المتوقع أن تكون المعركة صعبة وطويلة». وذكّر الناطق بـ«عملية تحرير منبج» (التي استغرقت قرابة شهرين ونصف شهر)، ورأى أنّ «من الطبيعي أن تكون معركة تحرير الرقة أصعب لأنّ داعش حصّنها بشكل أكبر». ولا تقتصر العراقيل المتوقّعة على العداء التركي الكردي، بل تتعدّاه إلى مخاطر حدوث «تصدّع داخل تحالف قسد» وفقاً لما كشفته مصادر ميدانيّة معارضة لـ«الأخبار». المصادر أشارت على وجه الخصوص إلى «لواء ثوّار الرقّة»، مؤكّدة أنّه «لن يشارك في العمليّة، وهو على وشك إصدار بيان بهذا الخصوص». مصادر «اللواء» امتنعت عن التعليق على هذه الأنباء بشكل رسمي، وقال مصدر من داخله لـ«الأخبار» إنّ «أي موقف من هذا النوع سيتم إعلانه عبر بيان مع شرح الأسباب». وعلى نحو مماثل، امتنع الناطق الرسمي باسم «قسد» سلو عن تقديم أي إيضاح في هذا السياق.
الاهتمام منصبّ على إعلان المعركة في الدرجة الأولى
وكرّر شرح المسار المرسوم للعملية «تحرير ريف الرقة، وعزل المدينة، ومن ثمّ تحريرها»، وأوضح أنّ «قوات سوريا الديموقراطية تخوض المعركة على الأرض وحدها، وبدعم من التحالف الدولي». وبدا المتحدّث مطمئنّاً إلى الدور الأميركي في تطويع الأتراك. وقال إنّ «أنقرة استغلّت دعم التحالف بشكل سيئ، زعموا أنّهم سيهاجمون «داعش» ثمّ هاجموا قوّاتنا. وآخر معلوماتنا تفيد بأنّ التحالف قد توقّف عن تقديم أي دعم للأتراك ورفع الغطاء عنهم». كما أشار إلى وجود «ضغوط سياسية قوية لوقف الاعتداءات التركيّة المتتالية ضدّ قواتنا»، وربط بين هذه المستجدّات و«تعثّر عمليات «درع الفرات» في الأيّام الأخيرة».
بدوره؛ ريزان حدّو «عضو مجلس سوريا الديموقراطيّة» قال لـ«الأخبار» إنّ «التعويل الحقيقي ليس على ضمانات التحالف، بل على صمودنا ومقاومتنا وهما كفيلان بردع الاعتداءات التركيّة». حدّو المُواكب للمعارك المستمرّة في ريف حلب الشمالي بين «قسد» من جهة، وكلّ من «درع الفرات» و«داعش» (كلّ على حدة) أكّد أنّ «أي محاولة تركيّة للاعتداء على منبج (ريف حلب الشرقي) ستؤدي حتماً إلى وضع العراقيل أمام عملية تحرير الرقة لأنّنا حتماً لن نقف مكتوفي الأيدي، وستكون أولوية قوّاتنا لصد الاعتداء التركي على منبج. الكرة في ملعب التحالف ومدى جديّته في ردع الأتراك». ويأتي هذا الكلام في ظلّ ترويج مصادر سورية معارضة لسيناريو مفاده أنّ تركيا قد تردّ على استثنائها من «معركة تحرير الرقة» بكسر الخطوط الأميركيّة الحمراء في ما يتعلّق بتوسيع «درع الفرات» لتشمل منطقة منبج. في الوقت نفسه، حافظت «معركة الباب» على أهميّتها لدى «قسد». وأكّدت مصادر عدّة، تواصلت معها «الأخبار»، أنّ «الموقف ثابت من معركة الباب، إذا واصل الغزو التركي اقترابه منها فلن نقف مكتوفي الأيدي». وفيما أوضح طلال سلو أنّ «التحالف رفض دعم «المجلس العسكري للباب» في معركة تحريرها، الموقف النهائي للتحالف أنّ دعم قوّاتنا مقتصر على مناطق شرق الفرات. لديهم اعتبارات خاصّة تراعي تركيا العضو في الناتو». وأشار في الوقت نفسه إلى أنّ «قوّاتنا والفصائل المتحالفة في غرب الفرات تواصل معاركها ضد «داعش» ومرتزقة «درع الفرات» رغم ذلك»، وهو أمرٌ أكّده ريزان حدو الذي جدّد الموقف الإيجابي من «أي تحرك للجيش السوري نحو الباب». حدو تمنّى أيضاً بوصفه «رئيس المكتب السياسي للمقاومة السورية» أن «تتوّج عملية تحرير الرقة بتنسيق مع الجيش السوري وتحرّك له من جنوب الرقّة، ليكون السيناريو مشابهاً لعملية تحرير الموصل، حيث يتحرّك الجيش العراقي وقوّات البيشمركة معاً». ميدانيّاً، تضاربت الأنباء حول حقيقة تقدّم «قسد» في محيط عين عيسى بريف الرقة الشمالي. فيما استهدف «داعش» بسيارة مفخخة حاجزاً لـ«وحدات حماية الشعب» الكرديّة ypg في قرية لقطة بريف الرقة الشمالي (جنوب الكنطري على طريق حلب القامشلي)، ما أسفر عن مقتل عدد من عناصر ypg قال «داعش» إنّهم أربعة عشر عنصراً.
«قسد» لن نقاتل الجيش السوري
«لن يحدث صدامٌ بيننا وبين الجيش السوري»، هذا ما أكّده لـ«الأخبار» طلال سلو المتحدّث الرسمي باسم «قوّات سوريا الديموقراطيّة». سلو رأى أنّ «أيّ معركة بين قواتنا وبين الجيش السوري ستكون معركة عبثيّة، وستؤدي إلى تدمير البنى التحتيّة وزيادة معاناة الشعب السوري بلا طائل، قبل أن يجد الجميع أنفسهم يجلسون إلى طاولة تفاوض واحدة». وأضاف «بعد خمس سنوات من المعارك المستمرّة بين مختلف المجموعات وبين الجيش، نجد المجتمع الدولي يضغط على الجميع للانخراط في مسارات تفاوضيّة. نحن لن نكرّر هذا الخطأ». وقال إن أي «تحرك للجيش السوري نحو الباب لن يواجَه من قِبلنا بأي ردّ سلبي»، واختتم قائلاً «للجيش الحق في أن يحرّر أي منطقة يشاء من تنظيم داعش».
تقع محافظة الرقّة في الشمال السوري، تبلغ مساحتها حوالى 19500 كيلومتر مربّع. ترتبط بحدود إداريّة مع محافظات حلب (غرباً)، الحسكة (شرقاً)، دير الزور (شرقاً وجنوباً)، وحمص وحماة (جنوباً). كانت الرقة أوّل محافظة تخرج بالكامل عن سيطرة الدولة السورية. تُعتبر مدينة الرقة مركزاً للمحافظة، وتبعد عن مدينة حلب قرابة 160 كيلومتراً. في آذار 2013 سيطرت المجموعات المسلّحة (على رأسها «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة») على المدينة. وفي مطلع عام 2014 أصبحت المدينة تحت سيطرة تنظيم «داعش» بتسهيل كبير من «حركة أحرار الشام». في آب 2014 أصبحت محافظة الرقة بأكملها تحت سيطرة التنظيم المتطرف. في حزيران الماضي دخل الجيش السوري الحدود الإدارية للرقة، قبل أن يعاود الانسحاب ويوقف عمليّة لتحريرها. في القوت الراهن، تسيطر «قسد» على أجزاء واسعة في الريف الشمالي وعلى رأسها مدينة تل أبيض الحدودية، ومدينة عين عيسى التي أُعلنت منها «غضب الفرات».
(الاخبار)