انطلاق معركة الرقة: تفضيل أميركي للأكراد زياد حيدر
أعلنت قيادة «قوات سوريا الديموقراطية» المعروفة اختصاراً باسم «قسد»، أمس، انطلاق معركتها لـ «تحرير مدينة الرقة» من سيطرة تنظيم «داعش»، وذلك تحت غطاء عسكري من «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة، ومن دون أي مُشاركة حقيقية لتركيا، التي يُسيطر حلفاؤها على أغلبية المناطق المُحاذية لحدودها مع سوريا.
من جهته، حذر وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر من ان معركة الرقة «لن تكون سهلة»، موضحاً أن «الجهود لعزل وتحرير الرقة تُعدّ الخطوة التالية في خطة حملة تحالفنا، وكما حدث في الموصل، فان القتال لن يكون سهلاً، وامامنا عمل صعب، ولكنه ضروري لانهاء اسطورة خلافة داعش والقضاء على قدرة التنظيم لشن هجمات ارهابية على الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا».
وأعلنت قيادة «قسد»، في بيان، انطلاق العملية من بلدة عين عيسى. وقال البيان الذي تلته المتحدثة باسم الحملة جيهان شيخ أحمد من قيادة القوات: «إننا في القيادة العامّة لقوات سوريا الديموقراطية، نَزُفُّ لكم بشرى بدء حملتنا العسكرية الكبيرة من أجل تحرير مدينة الرقة وريفها من براثن قوى الإرهاب العالمي الظلامي المتمثّل بداعش الذي اتّخذها عاصمة لدولته المزعومة، وذلك بدءاً من مساء يوم السبت الواقع في 5/11/2016، حيث تمّ تشكيل غرفة عمليات (غضب الفرات) من أجل قيادة عملية التحرير والتنسيق بين جميع الفصائل المُشاركة وجبهات القتال».
وأضاف البيان أن «عمليات غضب الفرات ستسير بكل حزم واصرار حتى تحقّق هدفها في عزل ثم إسقاط عاصمة الإرهاب العالمي، وسننتصر في هذه المعركة المصيرية كما انتصرنا في كوباني، تل أبيض، الحسكة، الهول، الشدادي، ومنبج».
وأشار البيان إلى أن «عرباً وكرداً وتركماناً يُشاركون في العملية تحت راية قوات سوريا الديموقراطية، وبالمشاركة الفعّالة لوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة YPJ/YPG، وبالتنسيق مع قوات التحالف الدولي».
ويُشارك في المعركة ثلاثون ألف مقاتل، وفقاً لمصدر آخر، من فصائل: «وحدات حماية الشعب، وحدات حماية المرأة، لواء صقور الرقة، لواء التحرير، لواء شهداء الرقة، كتيبة شهداء حمام التركمان، لواء أحرار الرقة، لواء ثوار تل أبيض، والمجلس العسكري السرياني».
ودعا البيان «المهتمّين» إلى المساعدة في تنظيم شؤون الاغاثة وتحضيرها تحسباً لنزوح عشرات الآلاف من سكان المدينة وأريافها المُجاورة، علماً أن معلومات تردّدت أمس عن منع قوات التنظيم أي عمليات نزوح باتجاه مناطق سيطرة «قسد» وتحويلها بالاتجاه المعاكس إلى داخل مدينة الرقة.
وقال قيادي كردي في «حركة المجتمع الديموقراطي» لـ «السفير» إن «عدم مُشاركة تركيا في العمليات لتحرير الرقة قاطعٌ ولا تراجع عنه»، وذلك وفقاً لاتفاق أميركي مع قيادة قوات «التحالف» لم تُعرف تفاصيله. وجاء تعليق القيادي الكردي، الذي فضّل عدم الاشارة لإسمه، بالتوازي مع اجتماع رئيسَي الأركان الأميركي جوزف دانفورد ونظيره التركي خلوصي آكار في أنقرة أمس.
وفسّر القيادي الكردي القرار الأميركي بكونه «انعكاساً لحالة فقدان الثقة بتركيا»، خصوصاً في ما يتعلّق بتورّط حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بدعم «داعش»، وفقاً لتعبيره، ولكون «تركيا تخلط الأوراق وتلعب دوراً سلبياً في العراق، وفي حملة تحرير الموصل، كما أنها تلعب دوراً سلبياً في عملية التفاوض لا سيما لقاءات جنيف»، وذلك في إشارة لرفض الأتراك إشراك ممثّلين عن الأكراد في سوريا، لا سيما حزب «الاتحاد الديموقراطي»، في لقاءات جنيف التي جرت منذ أشهر.
على الرغم من ذلك، أثار اللقاءُ العسكري التركي ـ الأميركي الفضول، حول ما إذا كان الأميركيون يُخطّطون لصفقة بخصوص تسهيل الوصول التركي لمدينة الباب الاستراتيجية شمال حلب، في مقابل «تمهيد الطرق أمام قسد لتحرير الرقة»، لكن القيادي الكردي نفى علمه «بوجود اتفاق أو عدمه» بخصوص الباب.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس إن المسلحين السوريين المدعومين من عملية «درع الفرات» في شمال سوريا يهدفون إلى طرد «داعش» جنوباً من بلدة الباب، وإنهم أصبحوا على بعد 12 أو 13 كيلومتراً عن البلدة.
من جهته، قال مسؤول أميركي: «سنسعى أولاً الى عزل الرقة للتمهيد لهجوم محتمل على المدينة بالتحديد لتحريرها»، معتبراً ان «قوات سوريا الديموقراطية هي الشريك المؤهل أكثر من سواه للقيام بعملية عزل الرقة بسرعة».
وأضاف: «نواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا لاتخاذ القرار في ما يتعلق بمن سيبقى في الرقة بعد تحريرها لمنع عودة تنظيم الدولة الاسلامية»، متحدثاً عن «بذل جهد من أجل تعزيز الضغط على داعش في الرقة، بموازاة عملية الموصل».
ووفقاً لمُراقبين يبدو الأمر مثيراً للريبة، نظراً لأهمية الباب بالنسبة لتركيا، التي ترغب في قطع أي إمكانية للتواصل الجغرافي بين مناطق سيطرة الأكراد في الشمال. من جهتهم، يعتبر الأكراد مدينة الباب ذات أهمية كبرى للسبب ذاته، كما تُقدّرها دمشق بذات الطريقة، إضافة للعوامل المتعلّقة بكونها أرضاً سورية تخضع لسيطرة «داعش» ومُهدّدة باحتلال تركي الطابع.
ومع انطلاق المعارك أمس في ريف الرقة من منطقة عين عيسى، نقل ناشطون في المنطقة أخباراً عن غارات للطيران المروحي الأميركي على قرية الهيشة شرق عين عيسى، وعلى المشاهدة والسرسوح جنوبها، وعلى تل السمن والقناة الرئيسة شمال تل السمن والكازية وقرية لقطة إلى الغرب في ريف الرقة الشمالي، والتي تضاربت المعلومات حول سيطرة «قسد» عليها حتى ظهر أمس.
كما أشار البعض لوجود عناصر عسكرية أميركية في المعارك، والتغطية المروحية لمناطق وجودهم، علماً أن «التحالف» أرسل أيضاً أرتالاً من الشاحنات المُحمّلة بعتاد عسكري ومُساعدات لوجستية وإغاثية دخلت في اليومين الماضيين، المناطق الشمالية لسوريا، آتية من شمال العراق، وفقاً لمصادر كردية.
بدوره، ردّ التنظيم بتفجير سيارتين مُفخّختين أدتا إلى مقتل 14 من قوات «قسد» وفقاً لما أعلنه «داعش»، وذلك جنوب مدينة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي. كما استهدف التنظيم أرتالاً لقوات «الحشد الشعبي» و «البشمركة» في شمال الموصل، وذلك بعدما أعلنت قوات «الحشد» منذ يومين، قطع الطرق التي تصل بين المدينتين، تزامناً مع إعلان قوات «قسد» أمراً مُشابهاً.
ولا يعلم أحد المدّة التي ستستغرقها عملية «تحرير الرقة»، وما الذي ستقود إليه من تشعّبات إضافية في الحرب السورية.
وأمس، تردّد أن أوامر وصلت إلى قيادات عسكرية سورية بالاستعداد لمعركة تحرير مدينة الباب التي تتساوى تقريباً المسافة الفاصلة بينها وبين كل من القوات السورية وحلفائها من جهة، وقوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا وقوات «سوريا الديموقراطية» من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن الجيش السوري مشغولٌ بدفاعه عن حلب، في الوقت الحالي، إلا أن التمسّك بالباب ومنع الأتراك فعلياً من الوصول إليها، لا يقلّ أهمية.
وقال مسؤول سوري، في نقاشٍ إعلامي منذ أيام بهذا الشأن، إن «الأتراك محتلون لأراض سورية، وليسوا مدعوين (من قبل الحكومة). نحن الآن نحارب داعش، وجبهة النصرة، في معركة لن تدوم للأبد. لن نقبل بوجود الأتراك. عليهم الانسحاب، إما عبر المسعى الديبلوماسي، أو عبر المسعى العسكري»، خاتماً: «نحن نُفضّل بالطبع المسعى الديبلوماسي».
(السفير)