لماذا هيلاري؟: أمير أورن
من اجل أن تكون أمريكا في مركز العالم يجب أن يسيطر عليها المركز. تهديد السيطرة عليها من الهامش، سواء من اليمين أو اليسار، يضعضع استقرار العالم، الضعيف أصلا، تحت ضغط قوات ليست دولة وعلى رأسها الإسلام الاصولي. وتمثل هيلاري كلينتون الوسط الأمريكي، وهو أساس صلب لتجنيد الاغلبية السياسية التي تسمح بادارة دولة. دونالد ترامب هو التسلية التي بعد الاخبار، وليس البديل لها. مسموح لنا التسلية ولكن محظور علينا أن نصاب بالجنون.
أمريكا هي التي تسيطر على العالم، وهي ظاهرة جديدة نسبيا، فقط من الثلث الثاني للحرب العالمية الثانية.
صحيح أن انضمامها للحرب العالمية الاولى عمل على ترجيح الكفة. ولكن في نهايتها كبح مجلس الشيوخ الجمهوري الرئيس الديمقراطي ولسون، ومنع انضمامها إلى عصبة الامم وانسحب نحو الانفصالية التقليدية للقرن التاسع عشر.
الجديد في الاربعينيات في انتصار الرؤساء الديمقراطيين كان القفز إلى مياه الكافور للحروب ـ الساخنة وبعد ذلك الباردة. روزفلت وترومان تدخلا في المعركتين، العسكرية والدبلوماسية. ولأن الجمهور بقي متشككا ومشتبها وانفصاليا، فقد احتاجا إلى موافقة ممثليه، وخصوصا قادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
في المسار المركزي لترومان تسير أمريكا منذ سبعة عقود. الرؤساء من الحزبين جاءوا وذهبوا، الفوارق في السياسة الخارجية والامنية بين آيزنهاور وكنيدي ومن جونسون إلى نكسون كانت شكلية وليست جوهرية، مع بعض التغيير حسب الظروف.
لا يتم تحمل التجاوزات. غولد فاتر في العام 1964 بدور المتطرف اليميني، وماكوورن في العام 1972 كمتطرف من اليسار، تم اخراجهما من الطاقم. في المواجهة بين فورد وكارتر في العام 1976 كانت للمرشح الديمقراطي الذي هو حاكم من الجنوب وضابط غواصات نووية سابقا، صورة أمنية. يميني «لايت» لا يقل عن الرئيس الجمهوري. ولكن في المرة التالية، بعد أن خيب كارتر الجناح اليميني للديمقراطيين، انتقل رجاله إلى ريغان وأصعدوا الجمهوريين إلى الحكم.
طريقة الكوابح والتوازنات نجحت ـ الاغلبية الديمقراطية في الكونغرس أيدت مبدأ التعاون وليس الشلل. بدأ الجهاز يخرج من الصفر حين رفع شبان «غينغريتش» راية التمرد الجمهوري ضد بيل كلينتون. وزاد صك الاسنان بسبب الكراهية العنصرية الطبقية تجاه اوباما، لكن التعبير عن ذلك كان وما زال في الاسئلة الداخلية والاقتصادية وحول المجتمع والرفاه. وفي الخارجية والامن كان هناك تواصل مع بعض التعديلات التي أحدثها الزمن. كلما تراجع حماس الادارة للتدخل العسكري البري كلما ردع ذلك الجمهور عن دفع ضريبة الدم في الخارج.
لا يمكن التسلق إلى الرئاسة في الصعود المقدس والطاهر. وغالبا يتبين أن الخصم ليس أكثر نظافة، بل أقل قدرة على استخدام روافع القوة. إن طبيعة كلينتون تلائم رئاسة حكومة مثل النموذج البريطاني أو الالماني أو الإسرائيلي أكثر من ملاءمتها للرئاسة الأمريكية. فهي تستطيع السيطرة من جهة، لكنها بدون حول ولا قوة أمام الكونغرس الذي يسيطر عليه المحافظون الذين يملؤهم الحداد بسبب هزيمة الجنوب في الحرب الاهلية، وما زالوا لا يؤمنون بوصول السود والنساء إلى الحكم.
لم يكن لأمريكا أمهات مؤسسات. فحق الانتخاب والقدرة على الترشح لمن هم ليسوا رجال بيض، تحقق بصعوبة. ولكن هذا هو الاختبار الداخلي للمجتمع الأمريكي الذي يتفاخر بقدرته على التأقلم مع الظروف الجديدة، على أساس الدستور الأبدي.
الاختبار الخارجي هو الحفاظ على الخط المركزي للتدخل الدولي المسؤول من قبل الحزبين وليس الانفصالية أو المغامرة. وهذا قد يحدث في ظل وجود الرئيسة وليس المحرض الذي يُعادي النساء.
هآرتس