خلافات فتح الداخلية ومبادرة لحل الأزمة بقلم : اياد العبادلة
تعاني حركة التحرير الوطني الفلسطيني من أزمة داخلية, ألقت بظلالها على مؤسساتها كافة, بدءًا من رأس الهرم المتمثل في الرئيس محمود عباس وأعضاء اللجنة المركزية, وصولًا إلى الكوادر والأعضاء والمؤيدين, فما لمسناه في الآونة الأخيرة من محاولات البعض لاختطاف المؤتمر السابع لحركة فتح الذي تأجَّل عدة مرات بسبب صراعات داخلية وخلافات طفت على السطح, وأخرى إقليمية أبرزت أوجه الخلاف مع بعض الدول العربية التي تحاول قدر الإمكان أن يكون لها أعضاء متنفذين فيه من أجل تمرير مشاريع معينة هدفها الأساسي “مصالح شخصية” أثر على سير الحركة التي تجاوز عمرها النضالي نصف قرن .
وعبر لمحة سريعة على تاريخ الحركة العريق, ودورها النضالي البارز, ودعمها لكل حركات التحرر في العالم, أكد لنا التاريخ على أنها تعرضت للعديد من المؤامرات على الصعيد الداخلي والتي وصلت فيه إلى حد الانشقاقات, وفي علاقاتها مع الآخرين, وأوضح أن قيادتها الحكيمة المتمثلة في الرئيس الراحل ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو إياد وغيرهم من القادة العظام, تصرفوا بحكمة مع كل الأزمات, وكانوا في كل مرة يعودون بالسفينة إلى بر الأمان ويوجهون البوصلة نحو الإحتلال, ليؤكدوا على أن الهدف الأساسي هو مقاومة المحتل بغض النظر عما كان يحاك ضدها والنيل من صمودها وعزيمة أبطالها.
فتح كما عهدناها حركة جماهيرية تستند إلى المد الشعبي أكثر من البروتوكولات الحزبية, وتحظى بتأييد واسع في الأوساط الفلسطينية, بالإضافة إلى الجماهير العربية والأجنبية التي اقترنت بها واستعانت بتجاربها النضالية وأفكارها الثورية, وتاريخها النضالي حافل بالمساهمات في مساعدة الآخرين وبينهم دول حاربت فتح إلى جانب جيوشها من أجل تحريرها, إلى جانب مدها بالمساعدات اللوجستية والفكرية, فضلًا عن مساهماتها في حل العديد من الخلافات بين الحركات والأحزاب وتقديم الاقتراحات البنَّاءة والعمل الدؤوب لحل مشكلات كان أبرزها الإفراج عن الرهائن الروس في لبنان بعد أن عجزت روسيا ولبنان وسورية آنذاك في تحريرهم.
إن تاريخها النضالي وأدوارها البنَّاءة في تجاربها عبر أكثر من خمسة عقود من الزمن كفيلة بأن تحل الخلافات التي عصفت بها في السنوات السبع الأخيرة, والتي تجذرت تدريجيًا إلى أن أسست لجيل استفاق على صراع قائم وضاع بين تبادل الاتهامات بين الرئيس محمود عباس وصديقه القائد الفتحاوي الأبرز على الساحة الفلسطينية محمد دحلان على إثر خلافات من الواضح أنها “شخصية” طالما أن الاثنين يتصارعان تحت سقف الحركة.
الخلافات التي برزت وطافت على السطح أثرت على مخزون الحركة الاستراتيجي من القوة الداعمة وعمادها الأساسي “الشباب” ونأت ببعضهم إلى التوجه إلى تنظيمات والانضمام إلى أحزاب أخرى بحثًا عن مصالحهم بعدما فقدوا الأمل في حل الخلافات, وخوفًا من أن يكونوا ضحية صراع مرير لن تتضح معالم نهايته بعد, علمًا أنَّ الحل بسيط ويكمن في لم الشمل واستعادة الوحدة واللحمة الوطنية الداخلية والاحتكام إلى قانون ومبادئ وأسس وأهداف وبرامج الحركة.
ولا يُخفى على أحد أن الخلافات التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني, دمَّرت القضية الفلسطينية وتطلعات الشعب الفلسطيني, وأرجعتهما إلى عشرات السنين, فبعدما كانت قضيتنا تتصدر كل الاجتماعات الدولية والعربية والمؤسسات كافة, حتى في الإعلام, تراجعنا إلى الخلف وأصبحت أبرز أحداثنا, ومناقشة همومنا آخر أجندة اللقاءات, وقد تُؤجل إلى لقاءات لاحقة, في غالب الأحيان بسبب الانقسام الداخلي والوطني.
العملية الانتخابية الديمقراطية للمؤتمرات الحركية على صعيد مؤسسات “فتح” أنتجت قيادة جديدة اتسمت بالوجوه الشابة, وكأن الحركة بادرت وللمرة الأولى بضخ دماء جديدة في جسدها الذي هرم نتيجة أمراض المفاوضات العقيمة مع الإحتلال من أجل النهوض بها واستعادة وحدتها, لكن هذه الدماء الجديدة وقبل السير في شرايينها وأوردتها تعرضت إلى جملة من الاتهامات والزج بها من قبل الخاسرين بأنهم يتبعون “التيار الدحلاني”, وهذا ما لمسته في انتخابات اقليم خانيونس وغيره من الأقاليم عندما كنت أقوم بدوري الصحافي وأسأل عن النتائج, فكلما هاتفت الذين فشلوا ولم يحالفهم الحظ اتهم الفائزين بأنهم من “التيار الدحلاني”, علمًا بأنني على اطلاع أنهم على تواصل مباشر مع الرئيس محمود عباس وأعضاء من اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة ومن هنا تبدأ الهزيمة بتوجيه الاتهامات ورفع التقارير الكيدية والتسبب في قطع الرواتب, وما إلى آخره ..!!
لو أمعنا التفكير ولو للحظات, نرى أن النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح وأبرز قياداتها محمد دحلان, لم ينشق ولم يخرج عن الصف الوطني ولا عن الإجماع الفتحاوي ولم يشكل تيار موازي يغرد خارج السرب, وإنما للحقيقة الملموسة, يحظى بتأييد قوي من قبل قيادات وكوادر وعناصر كثيرة في الحركة بعضهم برز إلى العلن وآخرين فضَّلوا التأييد في الخفاء, في المجمل مقالي ليس تمجيد في أحد ولا على حساب أحد وليس من عبدة الأشخاص, نؤيد فكرة آمنا بها ومبادئ تربينا عليها وبرنامج وهدف نسعى لتحقيقه, ونحترم كل من ينتمي إلى حركتنا العملاقة, حيث نستنتج مما سبق أن “فتح” حركة عملاقة وتستوعب الخلافات وبإمكانها لملمة الجراح والتعالي عليها من أجل اتمام المشروع الوطني الذي يهدف إلى دحر الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
مبادرتنا, ومخرجنا الوحيد, يكمن في قرار وطني مسؤول من الرئيس محمود عباس, يتبعه تأييد من اللجنة المركزية والمجلس الثوري, يَجُبُّ ما مضى من خلافات ويطوي صفحات الماضي, ويُؤسس لمرحلة جديدة, تبدأ بعودة المفصولين من الحركة, واسترجاع رواتبهم بأثر رجعي, من لحظة قرارات الفصل الصادرة بحقهم, وعودة النائب محمد دحلان إلى صفوف الحركة والسماح له بخوض غمار التجربة الديمقراطية الفتحاوية, “المؤتمر السابع”, ونبذ الخلافات “الفتحاوية – الفتحاوية” ووضع خطوط عريضة “حمراء” متبوعة بميثاق شرف بين جميع الأطراف يضمن عدم الملاحقات السياسية والأمنية وغيرها, والتعهد بما تفرزه نتائج صندوق الاقتراع والالتزام بها أي إن كانت نتائجها, والقبول والتسليم بها, والتوجه بعدها لوضع خطوط عريضة تُؤسس لمصالحة وطنية شاملة بين جميع الأطراف بمشاركة الكل الوطني في المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل “تشريعي الكل الفلسطيني” في الداخل والخارج, وفرز قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية, والاتفاق على برنامج إنقاذ وطني يُحدّد شكل العلاقة مع الإحتلال, يوازيه في المقابل التحركات الدولية لنيل الاعترافات من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة, وكسب تأييد الشعوب العربية والإسلامية والأجنبية, واستثمارها لصالح القضية الفلسطينية, والعمل إعلاميًا وثقافيًا وسياسيًا على إعادة تصدرها قضايا الشرق الأوسط والعالم عبر المحافل الدولية.
نتمنى أن تلقى المبادرة قبول جميع الأطراف وأن تُؤسس إلى عهد جديد, يكفل انقاذ ما تبقى من الوضع الراهن المتدهور, والنهوض بالشعب الفلسطيني, ودفع عجلة التنمية, نحو حل للمشاكل العالقة كافة سواءً على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي, وإعادة النظر في العلاقات مع الدول والشعوب الأخرى, واستقطاب تعاطفها مع القضية الفلسطينية, وفق تطلعات شعبها الرامية إلى الحرية والاستقلال.