مقالات مختارة

انتحارٌ «جهاديٌ» ثانِ على أبواب حلب علاء حلبي

 

في وقت كان يجول فيه وفد صحافي كبير يضم مراسلين لوسائل إعلام عربية وغربية في مدينة حلب، وعشية بدء «الهدنة» التي تبدو كأنها الأخيرة لإخراج مسلحي أحياء حلب الشرقية، شنّت الفصائل المسلحة هجوماً جديداً على المحور الغربي للمدينة، ضمن ما أطلق عليه «المرحلة الثانية من ملحمة حلب الكبرى ـ غزوة أبو عمر سراقب»، فتكثف القصف على الأحياء الغربية وشُنت ثلاث هجمات انتحارية ضد مواقع الجيش السوري على تخوم المدينة، لينتهي بعدها الهجوم من دون إحراز أي خرق على الجبهات، الأمر الذي دفع مصادر عسكرية وأخرى معارضة إلى وصف ما جرى بأنه «انتحار»، في وقت توعدت فيه موسكو بـ «معاقبة» المسلحين الذين يشنون الهجمات، و«من يتحكم بهم».

وقبل يوم من بدء هدنة ساعات الجمعة، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا لمجلس الامن القومي لبحث تطورات المشهد السوري، قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتعول موسكو على الهدنة الجديدة تحت ضغط الاستعدادات لشن هجمات حاسمة للسيطرة على أحياء حلب الشرقية، حيث يتابع الجنود الروس توافدهم إلى مدينة حلب، بالإضافة إلى وصول قطع بحرية جديدة آخرها فرقاطة «الأميرال غريغوروفيتش» المزودة بصواريخ من نوع «كاليبر»، والتي أعلن مصدر أمني روسي عن انضمامها إلى مجموعة السفن الحربية الروسية في شرق البحر المتوسط.

وبدأ الهجوم بقصف عنيف بصواريخ «غراد» وقذائف الهاون طال حي حلب الجديدة و«مشروع 3000» في حي الحمدانية، كما طالت الصواريخ مبنى جامعة حلب. وبالتزامن مع القصف شنت الفصائل المسلحة بعربتين مفخختين، إحداهما يقودها انتحاري سعودي الجنسية يدعى «خطاب التبوكي» على مواقع الجيش الدفاعية في منطقة الجمعيات في قرية منيان المحاذية لحي حلب الجديدة، فيما توجهت مفخخة ثالثة إلى مواقع الجيش على تخوم «مشروع 3000» قرب مبنى الأكاديمية العسكرية.

مصدر عسكري سوري أكد لـ«السفير» أن قوات الجيش السوري تمكنت من استهداف عربتين مفخختين قبل أن تصلا إلى هدفيهما، فيما انفجرت العربة الثالثة على مقربة من موقع كانت تتحصن فيه قوة للجيش، ما تسبب بمقتل وإصابة عدد من الجنود.

وعقب الهجمات الانتحارية، وفي تكرار حرفي لسيناريو الهجوم الأول الذي تعرضت له مدينة حلب يوم الجمعة الماضي، شن مسلحون معظمهم من جنسيات أجنبية (تركستان) هجمات عنيفة تخللتها اشتباكات ضمن محاولات المسلحين (الانغماسيين) اختراق مواقع الجيش السوري، قبل أن ينتهي الهجوم بفشل ذريع من دون تحقيق أي تقدم فعلي على الأرض.

الهجوم الجديد، كسابقه، اقترن بتكثيف إعلامي كبير من قبل المحطات ووسائل الإعلام المؤيدة للفصائل المسلحة، حيث نشرت وسائل إعلام عديدة أخبارا عن اختراق المسلحين لحي حلب الجديدة السكني ووقوع اشتباكات في شوارع الحي، الأمر الذي نفاه مصدر عسكري سوري نفيا قاطعا، مؤكداً أن «خريطة السيطرة لم تتغير سنتيمترا واحدا، وهذه الأخبار هي ذاتها التي تم نشرها خلال الهجوم الماضي قبل أيام.. يحاولون خلق بلبلة في مدينة حلب، وشحذ همم المسلحين ببث أخبار كاذبة ليس إلا»، وفق تعبيره.

سلاح الجو السوري شارك بفاعلية في التصدي للهجوم، كما شوهدت مروحيات الجيش وهي تغطي تقدم الجنود خلال تنفيذ كمائن عدة ضد الفصائل المهاجمة، الأمر الذي ضاعف من أعداد قتلى المسلحين، بحسب ما أكد مصدر ميداني.

بعد انكسار زخم الهجوم، وعدم تحقيق المسلحين أي تقدم برغم التفجيرات الثلاثة وعشرات الصواريخ، أطلقت الفصائل المسلحة تحت قيادة «جبهة النصرة» قذائف تحوي مادة الكلور السامة على أحد مواقع الجيش السوري في منطقة منيان، ما تسبب بإصابة عدد من العسكريين والمدنيين بحالات اختناق تم إسعافهم إلى مستشفى الرازي الحكومي.

رئيس الطبابة الشرعية في حلب الدكتور زاهر حجو ذكر خلال اتصال هاتفي مع «السفير» أن الهجوم الجديد تسبب باستشهاد 13 مدنياً، وإصابة العشرات بينهم طلاب من كلية الآداب سقطت القذائف عليهم خلال دوامهم في الجامعة. كما أشار الطبيب الشرعي إلى أن الغازات السامة تسببت بإصابة تسعة أشخاص وهم ثمانية عسكريين ومدني واحد و «قد تم توثيق الحالات أصولا»، وفق تعبيره.

بدورها، رفعت موسكو من نبرة الخطاب السياسي حول الهجمات الأخيرة للفصائل المسلحة، فهددت الفصائل ومن يتحكم بهم بـ «دفع ثمن الهجمات». وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في تصريح صحافي، «إن الإرهابيين في حلب وأولئك الذين يتحكمون بهم، سيدفعون ثمن هجماتهم التي تستهدف تعقيد الوضع الإنساني وإحباط الهدنة»، وتابع «إنهم يعملون عمدا على تعقيد الوضع وإحباط الإمكانيات التي توفرها قرارات القيادة السياسية والعسكرية الروسية. سيتحملون مسؤولية العواقب المحتملة لهذا التوجه غير المسؤول والمنافي للإنسانية»، مضيفاً أن «إعلان الجيش الروسي هدنة إنسانية في حلب يوم الجمعة، يحمل في طياته إشارة جدية جدا».

اقتتال داخل الأحياء المحاصرة

في غضون ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الفصائل المسلحة داخل أحياء حلب الشرقية المحاصرة إثر خلاف على النفوذ والسيطرة وملكية السلاح، تسببت بمقتل وإصابة عدد من المسلحين.

وذكر مصدر معارض لـ «السفير» أن مسلحين يتبعون لفصائل «نور الدين الزنكي» و «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة) و «كتائب أبو عمارة»، هاجمت مقارّ تابعة لـ «تجمع فاستقم كما أمرت»، في محاولة من مسلحي الفصائل الثلاثة للسيطرة على مخازن أسلحة تابعة لـ «التجمع»، وذلك إثر اتهامات متبادلة بمحاولة تنفيذ عمليات اغتيالات.

وامتدت الاشتباكات، وفق مصادر معارضة، إلى بعض قرى ريف إدلب، قبل أن تتدخل فصائل عدة وتحاول تهدئة الأوضاع.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى