“القنزحة ” لا تستر التراجعات
غالب قنديل
يؤثر حزب الله والتيار الوطني الحر ممارسة سلوك متواضع ومسؤول في شرح خلفيات التحول الذي ولد انعطافة الحريري نحو تأييد انتخاب العماد ميشال عون ويتبنيان عبارة ” انتصر لبنان ” كما فعل السيد حسن نصرالله بعد حرب تموز واليوم يبتعد الحليفان بتواضع وحرص شديدين عن اعتماد لغة انتصارية بنتيجة الإنجاز السياسي الواضح والحاسم الذي حققاه بعد انتخاب العماد ميشال عون مرشحهما إلى رئاسة الجمهورية .
أولا ما حصل كان نتيجة صمود الرئيس العماد عون في الترشيح مدعوما من كتلة شعبية وازنة اظهرت حضورها وثقلها الكبيرين منذ فاتحة الاستحقاق وهي كانت على اهبة تحرك واسع حتى يوم الانتخاب ومنذ انطلاق الاستحقاق الرئاسي بترشيح الرئيس الحريري لقائد القوات سمير جعجع الذي تراجع نحو ترويج فكرة المرشح الوسطي وكان لديه ثلاثة أسماء هم العماد جان قهوجي والحاكم رياض سلامة والوزير السابق جان عبيد.
وقعت تحولات وانقلابات في موقف الحريري وجعجع واستمر ثبات حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله على تبني ترشيح العماد عون بتصميم كبير لم تهزه الحملات والضغوط الخارجية والداخلية بشتى أنواعها ويبدو اليوم ان قيادتي الحزب والتيار تريدان تسهيل العملية الوفاقية الممكنة مع انطلاقة العهد بتجنب الدخول في المماحكة السياسية حول سؤال من تراجع ومن انتصر فالحقيقة الحاسمة تتحدث عن نفسها طالما فخامة الرئيس ميشال عون بات هو رئيس الجمهورية اللبنانية وقضي الأمروعلى الرغم من ان صمود سورية ومحور المقاومة وحلفائه كانت عناصر حاسمة في انبثاق التحول الذي توج بانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون.
ثانيا المعركة السياسية التي دامت خلال فترة الفراغ كانت واضحة المعالم وصلابة موقف حزب الله تركت أعراضا جانبية عندما رفض الحزب التراجع عن دعم مرشحه الرئيسي لملاقاة الحريري بانتقاله لتأييد الوزير سليمان فرنجية وحصيلة مكاسرة الإرادات كانت رضوخ جعجع أولا ليحمي حيثيته السياسية والتمثيلية ومن بعده تراجع الفريق الرئيسي المناويء لهذا الترشيح أي تيار المستقبل وانتقاله لتأييده وهو انتصار ناجز لحزب الله والتيار الوطني الحر ويمكن قول الكثير غداة انتخاب العماد ميشال عون عن الوفاء والصدق في سلوك قيادة حزب الله ونموذجها السياسي والأخلاقي المتميز وكذلك عن قيمة الصبر الاستراتيجي في إدارة الصراع وعن تدحرج الرهانات الخاطئة على الوضع الإقليمي والحرب على سورية لكسر المقاومة وحلفها في لبنان .
لم يطلب حزب الله من خصومه شيئا ولا حتى اعترافا بحقيقة المعادلة التي انتجت الرئاسة اللبنانية وأنهت الشغور الرئاسي بل كان مترفعا عن النكاية السياسية وعن التصرف الكيدي لأنه حريص على البلاد ويعمل لتحصين عهد الرئيس ميشال عون فهو بذاته ضمانة استراتيجية للوطن وللدولة وللمقاومة.
ثالثا الأهم عند قيادة الحزب هو تحصين الاستقرار والسعي لترسيخ الوفاق الوطني الطري العود والذي يواجه تحديات أقلها تشكيل حكومة العهد الأولى والتوصل إلى قانون انتخابات جديد بينما يحرص الحزب على تاكيد حرارة العلاقة بحلفاء كالرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية بعد غمامة الافتراق في الاستحقاق الرئاسي وللرئيس بري مكانة خاصة وحاسمة في منظومة المقاومة منذ انطلاقها وموقع رئيسي في جميع الحسابات السياسية لحزب الله وذلك ما يعبر عن نفسه بتفويض متجدد تعمد في حرب تموزوهو مستمر إلى اليوم وبقوة.
رغم كل ما تقدم يصمم رئيس حزب القوات سمير جعجع وبعض متحدثي تيار المستقبل ومعهم رهط من الإعلاميين على تعميم روايات زائفة عن حقيقة ما جرى تدحضها الوقائع الفعلية دوليا وإقليميا .
من الخرافات المتداولة زعم حصول صفقة إقليمية أدت لانتخاب العماد ميشال عون وهو أمر لا أساس له واقعيا في مناخ الاشتباك الكبير المتصاعد وبعد تبخر اوهام التسويات والصفقات الدولية خلال الأشهر الماضية فمن الواضح للمتابع العادي ان الصراعات والحروب الباردة والساخنة بين المحورين المتقابلين في المنطقة والعالم مستمرة على جميع الجبهات وقد بلغت مظاهر التصادم أعلى درجاتها بينما يحرز محور سورية والمقاومة تقدما كبيرا بالشراكة مع إيران وروسيا وانتخاب العماد ميشال عون هو مؤشر لتحول لبناني في هذا الاتجاه.
رابعا الكلام عن صفقة في لبنان يكون صحيحا لو سارت الأمور نحو رئيس وسطي ولذلك فهذا الكلام اليوم هو خارج السياق الجاري كليا وثمة فارق بين عدم الممانعة الأميركية أو السعودية بانتخاب من وصفوه بمرشح المحور المقابل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح ونفوذ وبين فكرة الاتفاق او الصفقة فقد بدا الترحيب الأميركي والسعودي بانتخاب الرئيس ميشال عون إقرارا بأمر واقع قسري بات تحصيل حاصل واستلحاقا عمليا بعد تحرك الرئيس سعد الحريري الذي ادرك صلابة الإرادة المقابلة بعد سنتين ونصف من الاستعصاء الذي انعكس على واقع حزبه السياسي تفككا وتمردا وفي ظروف صعبة سياسية ومالية وجد مفتاح التعامل معها في العودة إلى السراي فسلك الطريق الوحيد الممكن بانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون وإزاء ذلك قدم حزب الله تنازلا وتسهيلا لعهد حليفه الكبير الرئيس ميشال عون بعدم الاعتراض على تكليف الحريري بتشكيل الحكومة.
لا نتوقع اعتراف المستقبل والقوات لحلف حزب الله والتيار الوطني الحر بأنه صانع التحولات الوفاقية التي يحتفلون بها ولكن المطلوب قليل من الواقعية بكسر سم العدائية والعنجهية التي يعرضون فيها خرافاتهم التي لايمكن تصديقها من أي عاقل فـــ “القنزحة السياسية ” لا تفيد احدا في ستر تراجعاته وتغطية السماوات بالقبوات فيا ليتهم يركزون الجهود على مراجعة النهج السياسي الذي أفشلهم بدءا من تورطهم في الحرب على سورية وتعريض لبنان لمخاطر كبيرة ومدمرة.