واشنطن والرياض: لا تدعوا نصرالله يربح معركة «الصورة» ابراهيم ناصرالدين
عندما تتقاطع مخاوف «صديق» 14 آذار السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، مع قلق المبعوث السعودي الى بيروت تامر السبهان عند سؤال واحد يتعلق «بصورة» حزب الله بعد التسوية الرئاسية، يعني بشكل واضح بان واشنطن والرياض تدركان جيدا ان ما حققه الحزب يتجاوز كثيرا مسألة انتصار خياره رئاسي، واذا كان الترحيب الاميركي – السعودي بالعهد الجديد جزء من الواقعية السياسية املتها تطورات الاقليم والوضع الداخلي للحلفاء الذين جعلوا من سلاح المقاومة، ومشاركة حزب الله في الحرب السورية، خارج نطاق البحث او المعالجة، فان القلق الجدي والحقيقي الان يتعلق بكيفية الحد من التحول الايجابي المفترض لدى بعض الخارج الاوروبي ولدى الرأي العام اللبناني حيال الحزب المطلوب ابقاؤه تحت ضغط اعلامي ودعائي يبقيه حزبا «معزولا» خارجا عن القانون والشرعية، وليس حزبا اسلاميا معتدلا في طروحاته، حريصا على الوحدة الوطنية اللبنانية والاستقرار الداخلي…
بواعث القلق هذه تحدثت عنها اوساط دبلوماسية في بيروت نقلت عن شخصيات لبنانية التقت بالموفد السعودي وتواصلت مع فيلتمان خلال قبل ولادة «التسوية» الرئاسية، ان هاجس الرجلين كان البحث في كيفية عدم استفادة حزب الله والسيد نصرالله شخصيا من الوقائع الجديدة لتحسين صورته في الداخل والخارج، وفي شرحها لهذه المخاوف، تقول، «ان الطرف الوحيد الذي «قبض الاثمان» السياسية الصافية من خلال هذا الاستحقاق هو حزب الله الباحث في الدرجة الاولى والاخيرة عن ابراز مزاياه الاخلاقية في التعامل مع الخصوم قبل الحلفاء، واذا كان التيار الوطني الحر امام تحدي ترجمة طروحاته الاصلاحية بعد وصول الجنرال الى قصر بعبدا، واذا كان تيار المستقبل امام تحد مماثل لاطلاق عجلة الدولة مع العودة المرتقبة للرئيس الحريري الى الحكومة، فان حزب الله ليس تحت الاختبار بعد ان ادى الدور المطلوب منه على اكمل وجه وكان الراعي الحقيقي لتسوية لم تكن لتتم لولا ضمانته السياسية، هو نجح في «تعطيل «لغم «ترشيح الوزير سليمان فرنجية ومنع حلفائه المندفعين من «بلع الطعم»، والان لم تكن المقايضة لتبصر النور لولا تعهده المباشر لتيار المستقبل بالقبول بعودة رئيسه الى السلطة..ومن هنا فان الحزب قطف ثمار نجاح استراتيجيته، وجاء «خطاب القسم» ليزيد عليها «حبة مسك» بعد ان تمسك رئيس الجمهورية بموقفه المؤيد لوجهة نظر الحزب في «المقاومة الحمائية» «والحرب الاستبقاية» مع التكفيريين، اما النجاحات والاخفاقات الداخلية فلن تسجل في سجلات الربح والخسارة لدى الحزب فهذه مسؤولية العهد الجديد والشراكة بين تياري «المستقبل» «والوطني الحر»، في ظل تعقيدات داخلية يشوبها الكثير من الحسابات الضيقة «ولعبة» مصالح انتهازية بقي حزب الله بعيدا عنها طوال السنوات الماضية ولا يمكن لاحد اكان خصما او حليفا ان يتهمه بالمسؤولية عنها او السقوط في «اوحالها»..
الان يترجم حزب الله عمليا في الداخل اللبناني ما نجح سابقا في تجسيده على ارض الواقع كحامي ومدافع عن «الاقليات» المسيحية المستهدفة في المنطقة، شكل درعا واقيا لمسيحيي المنطقة الحدودية المحاذية للحدود السورية بعد ان اثبت بانه الاقدر على حمايتهم من التكفيريين، دور الحزب المؤثر في تحرير معلولا والقرى المسيحية في القلمون السوري، اعطته مصداقية كبيرة لدى الشارع المسيحي المؤيد والمعارض لطروحاته على حد سواء، بعد ان شاهد هؤلاء ما يحصل مع اقرانهم في سوريا والعراق…
والخطير بالنسبة للاميركيين والسعوديين نجاح حزب الله بتقديم نفسه كنموذج لحركة اسلامية دينية متسامحة بالمقارنة مع الظواهر المتطرفة في طول وعرض المنطقة والعالم، ففي زمن «تسونامي «داعش» والنصرة» «وبوكو حرام» والافكار التكفيرية التي تحلل دماء المسلمين المختلفين مع العقيدة الوهابية، وتكفر ابناء الاديان الاخرى وتستبيح دمائهم، ونسائهم، واملاكهم، يأتي حزب الله ليقدم نموذجا معتدلا لا يكتفي بحماية الآخرين بل يعيد للمسيحيين حقهم بشراكة وطنية كاملة، وينتشلهم من حالة احباط، استمرت زهاء 26 سنة متواصلة، انها كارثة بكل ما للكلمة من معنى بعد اهدار ملايين الدولارات على الدعاية المناهضة للحزب…
ولا يتوقف الامر على الجانب المسيحي، فمساهمة حزب الله في انجاح التسوية او المقايضة بين رئاسة الحكومة والرئاسة الاولى وعدم ممانعته وصول الرئيس سعد الحريري لهذا المنصب، رغم عدائه الظاهري والباطني لخط المقاومة، يساعد على اخراج السنة من حالة الاحباط التي اصابتهم بفعل الرهانات الخاطئة على انتصارات داخلية وفي سوريا لم يتحقق منها شيئا، ويأتي رئيس تيار المستقبل بعد سنوات على اخراجه من السلطة وهو داخل البيت الابيض، ليعيد الاعتبار لتيار محسوب على الاسلام السني المعتدل، وهذا يسحب من التداول سلاح دعائي استخدم في السنوات الماضية للتحريض على حزب الله لابقائه في دائرة الاتهام واشغاله في توتر مذهبي دائم..
وفي هذا السياق ترى تلك الدوائر ان تبعات هذا الملف خطيرة، لان الامر لن يقتصر فقط على ربح اعلامي ودعائي، فحزب الله سيخرج عمليا من دائرة الصراع المباشر مع المجموعات الاسلامية المتطرفة على الساحة اللبنانية، وهو لن يكون في مواجهة مع بعض الشخصيات المتطرفة المنشقة عن تيار المستقبل وفي مقدمتها اللواء اشرف ريفي، فالمواجهة او الصدام سيكون عمليا بين هؤلاء وبين «التيار الازرق»، فوجود الرئيس الحريري على رأس حكومة يحتم عليه مواجهة هذه الظواهر، وبات تحجيمها جزء اساسي من مهمته باعتبار انها خطر داهم لانها تأكل من رصيده وشارعه، واذا اراد فعليا ان يصمد سياسيا في مواجهة حزب الله ومشروعه السياسي عليه ان يبدأ اولا بتحصين بيته الداخلي، وهذا عمليا يريح الحزب ويخفف عنه الكثير من الاعباء، وهذا ما يقلق جديا الدوائر السياسة في الرياض كما السفارة الاميركية في بيروت..
وانطلاقا من هذا المعطيات، تلفت اوساط 8آذار، الى ان هذه الاجواء المتشنجة في الرياض وواشنطن جاءت بعد التسليم بخسارة المعركة الرئاسية بعد سنتين ونصف من المواجهة المفتوحة، هذا الامر ترجم عمليا من خلال اعادة تنشيط العمل ببعض الدوائر الاعلامية والسياسية في بيروت لاعادة الزخم لعملية تشويه صورة حزب الله، والجديد في التعليمات محاولة النفاذ من «ثغرة» التباين بين حزب الله وحركة امل حول «التسوية» الرئاسية، والتركيز على توسيع الشرخ في الشارع الشيعي، وهذا ما يفسر اهتمام دوائر القرار في حزب الله بعدم ترك هذا التباين على حاله، وثمة عمل دؤوب يبذل في هذا السياق لعدم تكريس الانطباع بانتقال «الاحباط» المسيحي الى جزء من الشارع الشيعي، واول الغيث سيكون من خلال التنسيق في تشكيل الحكومة التي من خلالها تخرج هذه البيئة من حالة الشعور بالهزيمة، معالجة هذا الملف تبدو في رأس الاولويات خصوصا ان خصوم حزب الله وحركة امل لن يتوانوا عن استخدام كل الادوات المشروعة وغير المشروعة لدق اسفين في هذه العلاقة الاستراتيجية باعتبار ان النجاح في ضرب الوحدة الشيعية يعوض الخسائر في الشارعين المسيحي والسني..؟؟.
(الديار)