مقالات مختارة

أولوية عون: إعادة تكوين السلطة عماد مرمل

 

بعد انتظار دام 26 عاما وشغور استمر قرابة سنتين ونصف.. ومعركة سياسية بدأت عمليا قبل ستة اشهر من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.. ها هو العماد ميشال عون يُنتخب رئيسا للجمهورية بـ «الوجه الشرعي».

الحلم العتيق الذي تنقل طويلا بين الامل والخيبة، أصبح من «لحم ودم»، أما القصر الذي ملأته الاشباح على مدى سنتين ونصف من الشغور تقريبا، فقد عادت الحيوية إليه.

وبرغم ان كتلة من «الاوراق البيضاء» حاولت ان «تشاغب» على الجنرال و «تقاوم» خيار انتخابه في ما يشبه «عملية استشهادية» سياسيا، إلا انه يُنقل عنه قوله: «هذا الامر لم يزعجني بتاتا، وحتى لو بقي النائب سليمان فرنجية في السباق الرئاسي ما كنت لأتضايق كما يعتقد البعض، لان الاجماع هو نقيض الديموقراطية، وأين المشكلة إذا لم أحصل على معظم أصوات النواب.. أنا لا أعتبر ان ذلك يشكل انتقاصا من قيمة فوزي وأهميته، بل هو تكريس لمشهد من مشاهد الديموقراطية..».

هي لحظة تاريخية بالنسبة الى عون الذي عبر جبالا وصحارى سياسية في طريقه الى بعبدا. أتى الجنرال من البعيد الى الرئاسة التي بدت في بعض الاحيان مستحيلة. صحيح ان كثرا ساهموا بنسب متفاوتة في فوزه، لكن عناد الجنرال كان نقطة الارتكاز التي بنيت عليها طوابق الدعم لاحقا، إذ إن معظم داعميه كانوا مستعدين للذهاب الى غيره، فور أن يقرر الانسحاب من الساح ولكنه لم يفعل.

حفر عون بـ «الإبرة» دربه الشاق والطويل، فكان تفاهمه مع «حزب الله» في شباط 2006 اول التحولات، ثم أتى إعلان النيات بينه وبين «القوات اللبنانية» بعد صراع مرير ليلامس حد «المعجزة السياسية»، وصولا الى اتفاقه مع «تيار المستقبل» قي أعقاب أزمة ثقة عميقة ومستفحلة.

ولعل المهمة الاصعب التي ستواجه الجنرال بعد انتخابه، هي كيفية التوفيق بين الالتزامات التي رتبتها عليه هذه التفاهمات مع أطراف تتعارض في كل شيء، لكنها التقت حول تأييد ترشيحه، كلٌ لأسبابه.

والمفارقة، انه في مقابل الخصوم الذين ربحهم عون، خسر على الطريق أصدقاء او شركاء مفترضين كالرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية، وإن يكن المقربون منه يجزمون بان من استطاع ان يحقق تفاهما مع جعجع وسعد الحريري لن يصعب عليه إعادة وصل ما انقطع بينه وبين «انسبائه» في الخيارات الاستراتيجية..

ويلفت المقربون من الرابية الانتباه الى انه ليس لدى عون أي قرار باستعداء او تهميش بري، موضحين ان الرئيس المنتخب يتطلع الى ان يلاقيه رئيس المجلس في منتصف الطريق، على قاعدة التفهم والتفاهم، مع الاخذ بعين الاعتبار الدور الايجابي الذي يمكن ان يؤديه حزب الله على هذا الصعيد.

يدرك عون ان مسؤوليات وأعباء من الوزن الثقيل تنتظره من الدقيقة الاولى لوصوله الى القصر الجمهوري، خصوصا ان زمن الشغور والاهتراء تسبب في تفاقم الازمات، الامر الذي يفسر ما لمسه المتحمسون للجنرال من توق لديه الى تحقيق انجازات سريعة فور انتهاء عملية إعادة تكوين السلطة، بدءا من الحكومة.

المحيطون بالجنرال يشددون على انه لن يتعامل مع انتخابه وكأنه فرصة لتصفية الحسابات مع هذا او ذاك، ولن يحوله الى انتصار شخصي او حزبي قد ينطوي على استفزاز لأحد، بل سيحاول «تأميم» الانجاز الرئاسي وإهداءه الى الجميع.

ومن تسنى له لقاء الجنرال خلال الساعات التي سبقت انتخابه شعر انه في حالة توثب مضبوط الإيقاع، ربطا بالآليات الزمنية والدستورية التي يتطلبها الانتقال من مرحلة الى أخرى، في سياق إعادة استنهاض مؤسسات الدولة.

لا يريد عون ان يكون عهده تقليديا او كلاسيكيا، لكنه في الوقت ذاته يعلم انه لا يملك عصا سحرية، وان النيات وحدها لا تكفي لصنع الانجازات. اولوياته يمكن اختصارها بالترتيب الآتي: تكليف الحريري ترجمة للاستشارات النيابية الملزمة، تأليف الحكومة الجديدة، وضع قانون انتخاب عصري وعادل، واجراء الانتخابات النيابية في موعدها.

والعارفون بما يخطط له الجنرال، يلفتون الانتباه الى انه لن يحتمل ان يصاب عهده، في بدايته، بـ «فيروس التسويف» الذي من شأنه ان يستنزف الوهج والهيبة، وبالتالي فهو لن يقبل بان يكون مجرد «ساعي بريد» او «متلق» في التعامل مع استحقاقي الحكومة والقانون الانتخابي، وإنما سيكون مبادرا الى التدخل الايجابي وشريكا في تذليل العقبات المحتملة، تفاديا للانزلاق الى معمعة المماطلة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى